علي الصاوي يكتب : ماذا لو حكم الشيطان مصر؟

profile
علي الصاوي كاتب صحفي وروائي
  • clock 29 أبريل 2021, 9:30:22 م
  • eye 2010
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بالرغم من قبح الشيطان وما يأتي من وساوس تغوي العباد وتضلهم عن سبيل الله، إلا أن هناك كثيرا من البشر فاق ظلمهم وقبحهم أعمال الشيطان وخططه الماكرة، لإيقاع الإنسان في وحل الكفر والخطيئة. وما يحدث في مصر نموذج حي لهذا المعنى؛ فالرجل الذي تأله وقال يوما ما "سوف أقف أمام الله وأحاسبكم زي ما أنتم بتحسبوني" تجاوز حد اللامعقول والجنون في حق مصر والمصريين، فلو كان الشيطان يحكم مصر لما فعل بها مثلما فعل هذا الرجل، الذي أصبحت مصريته محل شك، بل لقد أصبح دينه وإنسانيته مشكوك فيهما من الأساس.

في عهد فرعون الأكبر كان يُطلق على مصر بيت العبودية، أما في عهد فرعون الأصغر فقد تحولت مصر من سكن على مستوى وطن إلى مقبرة بحجم دولة، بداخلها جثث من البشر أنصاف أحياء، يحيطهم الموت من كل مكان وما هم بأموات، لا يحركون ساكنا، تماهوا مع ظلم طاغية، لو طال أن يعيد مقالة فرعون حين قال "ما علمت لكم من إله غيرى" ما تأخر لحظة واحدة.


تعيش مصر حياة ليست كالحياة؛ سكرات موت وقتل بالبطيء، وتفريط في مائها وأرضها وهدم بيوت أبنائها على رؤوسهم.

إن الشيطان لو حكم مصر لعرف قيمتها أكثر منه، وبدلا من أن يبيعها بثمن بخس لكان تنعم في خيرها ودافع عن تلك الجوهرة الثمينة بكل ما أوتي من قوة، لو حكم الشيطان مصر لما هدم البيوت على رؤوس أهلها ولأحاطهم بعنايته، كي تظل واحة رفاهية له وذريته من بعده يتنعمون في أروقة خيراتها ويتلذذون شهد حلاوتها.. لو حكم الشيطان مصر لما باع ماءها وخضع لأعدائها توددا وبلاهة.. لو حكم الشيطان مصر لحولها إلى جنة تعويضا عن تلك التي خرج منها مذموما مدحورا.. لو حكم الشيطان مصر لربما تاب وعاد إلى رشده من سطوة جمالها الأخاذ الذي لا يُقاوم، لو حكم الشيطان مصر ما جعلها رهينة لشياطين أخرى من الجن مقابل تثبيت أركان حكمه، بل سيكون هو سيدهم وصاحب اليد العليا عليهم سطوة ومهابة، ولمَ لا؟، وهو يحكم دولة تاريخها وحضارتها بحجم العالم أجمع، لو حكم الشيطان مصر لأورث أهلها عزة وكرامة لا أورثها ذلا وإهانة.

وهنا وقف الشيطان وقفة متحير يسأل نفسه بعد أن هرب من مصر من هول ما رأى وسمع، فقال: من هذا الرجل الذي يحكم؟ هو ليس بإنس ولا جن، وهل خلق الله نوعا آخر من خلقه أشد جهلا وخبثا منا؟ من أين جاء هذا الرجل؟ إنه تكوين عجيب يمزج بين خبث الشياطين ومكر البشر، يجمع بين القبح النفسي والكبر الإبليسي وكذب المنافقين.. فاق في خبثه وجرمه بني جلدتنا، نحن تعهدنا بأن نغوي البشر ونزين لهم أعمالهم فقط، لكن هذا الرجل يغويهم ويغريهم ومن ثم يقتلهم، يوعدهم ويخذلهم، يستجدي عطفهم ثم يظلمهم، يسرق أموالهم ويجلدهم ويجوعهم.. وجهه مكشوف وحياؤه مصطنع، وجهله مركب. وبالرغم من أننا لم ندع الألوهية يوما ما، بل نخشى الله أكثر مما يخشاه ابن آدم لمعرفتنا قدره وعظمته، إلا أن هذا الرجل ينكر ما لا يستحيل إنكاره، يُلمّح بأنه يشارك الله قداسته وعِلمه بل وعدله أيضا.. له ألف وجه ووجه، يزكي نفسه وهو أهلا لكل خطيئة.


ثم تنحى الشيطان جانبا وبكى على ما يحدث في مصر، تلك الجوهرة الغالية الذي تمنى أن ينصب فيها عرشه ليحكم العالم ويدير مملكة الشياطين في الأرض، لكن خوفه من ذلك الكائن الغريب جعله يهرب صاعدا للملأ الأعلى يسترق السمع، ليعلم هل الله خلق خلقا آخر أشد منه كبرا وغرورا بل وكفرا أيضا، لكنه عاد خائبا دون معرفة والدمع يتحدر من عينه، فتذكر قول الله في قرآنه "ويخلق ما لا تعلمون"

التعليقات (0)