القارىء الباكي الوقور .. الشيخ محمد صديق المنشاوي

profile
مصطفي إبراهيم رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات ورئيس تحرير موقع 180ترك
  • clock 15 أبريل 2021, 3:42:48 ص
  • eye 569
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


*كان معتزاً بنفسه  لا يتملق الحكام ولا يتزلف للرؤساء

*اشترط على فاروق إغلاق المقاهي .. ورد على دعوة عبد الناصر بجواب صادم

*رفض الحضور لاختبار الإذاعة فحضرت إليه واعتدته

* أشهر من رتل القرآن الكريم بقراءة قلبية 

الشيخ محمد صديق المنشاوي (20 يناير 1920 - 20 يونيو 1969) قارئ قرآن مصري، وأحد روّاد التلاوة المتميزين بتلاوته المرتلة والمجوّدة ..ومن أشهر من رتل القرآن بقراءة قلبية خاشعة ،و يعد أحد أعلام هذا المجال البارزين والمشهورين على مستوى العالم الإسلامي، .سجل المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم. وكان قارئاً في الإذاعة المصرية. توفي مبكراً إثر مرض عن 49 عاماً.

مولده

ولد الشيخ محمد بمدينة المنشاة التابعة لمحافظة سوهاج في جمهورية مصر العربية، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره؛ حيث نشأ في أسرة قرآنية عريقة توارثت تلاوة القرآن، فأبوه الشيخ صديق المنشاوي وجده تايب المنشاوي وجد والده كلهم قرّاء للقرآن وفي أسرته الكثير ممن يحفظون القرآن ويجيدون تلاوته منهم شقيقه محمود صديق المنشاوي. تأثر بوالده الذي تعلم منه فن قراءة القرآن الكريم، فأصبحت هذه العائلة رائدة لمدرسة جميلة منفردة بذاتها في تلاوة القرآن، بإمكاننا أن نطلق عليها (المدرسة المنشاوية). رحل إلى القاهرة مع عمه القارئ الشيخ أحمد السيد فحفظ هناك ربع القرآن في عام 1927 ثم عاد إلى بلدته المنشاة وأتم حفظ ودراسة القرآن على مشايخ مثل محمد النمكي ومحمد أبو العلا ورشوان أبو مسلم الذي كان لا يتقاضى أجراً على التعليم.

تلاوة القرآن

للشيخ المنشاوي بصمة خاصة في التلاوة يتميز بصوت خاشع ذي مسحة من الحزن فلُقِّب الشيخ محمد صديق المنشاوي بـ"الصوت الباكي". ابتدأت رحلته مع التلاوة بتجواله مع أبيه وعمه بين السهرات المختلفة، حتى سنحت الفرصة له كي يقرأ منفردًا في ليلة من عام 1952 بمحافظة سوهاج، ومن هنا صار اسمه مترددًا في الأنحاء.

سجل القرآن الكريم كاملاً في ختمة مرتلة، كما سجل ختمة قرآنية مجودة بـالإذاعة المصرية، وله كذلك قراءة مشتركة برواية الدوري مع القارئين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي. وله أيضا العديد من التسجيلات في المسجد الأقصى والكويت وسوريا وليبيا. تلى القرآن في المساجد الرئيسية في العالم الإسلامي كالمسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة والمسجد الأقصى في القدس. زار عددا من الدول الاسلامية كالعراق واندونيسيا وسوريا والكويت وليبيا وفلسطين والمملكة العربية السعودية.

ذاع صيته ولقي قبولاً حسنًا لعذوبة صوته وجماله وانفراده بذلك، إضافة إلى إتقانه لـمقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية. حصل الشيخ "محمد" على أوسمة عدة من دول مختلفة، كإندونيسيا وسوريا ولبنان وباكستان. وكان على رأس قراء مصر في حقبة الخمسينات من القرن العشرين مع القراء أمثال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وغيرهم من القراء وما زالوا إلى يومنا هذا على رأس القراء لما كان عندهم من رونق في صوتهم جعلهم يحرزون المراتب الأولى بين القراء، قال عنه إمام الدعاة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي: «إنه ورفاقه الأربعة مقرئون؛ الآخرون يركبون مركبًا ويبحرون في بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله -سبحانه وتعالى- الأرض ومن عليها».

مواقفه مع الحكام

طلب من فاروق إغلاق المقاهي ورفض اختبار الإذاعة

في حقبة الأربعينيات؛ طلب الملك فاروق من الشيخ محمد صديق المنشاوي أن يكون قارئًا بالقصر الملكي، فاشترط على الملك إغلاق المقاهي، والتوقف عن تقديم المشروبات، اعتبارًا من الساعة الثامنة مساءً وقت إذاعة القرآن الكريم، والذي كانت تنقله الإذاعة من القصر الملكي، قائلاً للملك: إن للقرآن جلاله فهو كلام الله، ولا يجب أن ينشغل الناس عنه وقت تلاوته بالسؤال عن المشروبات ولهو الحديث.

وبحسب كتاب أعلام الصعيد في القرن العشرين لمحمد عبدالشافي القوصى، قال الملك: ذلك يعني أن نكلف حارسًا على كل مقهى! وهذا أمر يتعذر علينا. فقال الشيخ: كذلك؛ فهذا أمر يتعذر علينا أيضًا. وتلا قوله تعالى: "وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون".

أيضًا لم يقبل المنشاوي أن تُختبر تلاوته للانضمام للإذاعة، ما اضطر الإذاعة إلى أن تنتقل إليه لتُسجل له، حيث سبق أن أرسلت إليه تطلب منهُ أن يتقدم بطلب ليُعقد له اختبار، فإن اجتازه، يُعتمد مقرئًا بها، فرفض الشيخ قائلاً: "لا أريد القراءة بالإذاعة، لستُ في حاجة إلى شهرتها، ولا أقبل أن يُعقد لي هذا الامتحان، فما كان من مدير الإذاعة في ذلك الوقت إلا أن أمر بأن تنتقل الإذاعة إلى حيث يقرأ المنشاوي".

مع عبد الناصر

وله موقف آخر مع جمال عبد الناصر حيث قال : لماذا لا يكون هذا الشرف لعبدالناصر نفسه أن يستمع إلى القرآن بصوت محمد صديق المنشاوي؟".. بهذا التساؤل رد شيخ القراء محمد صديق المنشاوي على وزير الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حين طلب منه حضور حفل يحضره الزعيم.

الرد الذي أربك الجميع لم يكن جديدًا على الشيخ الذي اعتز بالقرآن، فرفض أن يذهب للإذاعة التي اشترطت اختبار تلاوته، وطالب الملك فاروق بإغلاق المقاهي إذا صدح بكلام الله في قصره.

مواقف عدة أبرزت مدى اعتزاز الشيخ المنشاوي بالقرآن، لكن أبرزها ما تداولته الصحف، وذُكر في العديد من الكتب، ومنها كتاب "أعلام الصعيد في القرن العشرين" لمحمد عبدالشافي القوصى ، وكتاب "سفراء القرآن" لمحمد عبدالعزيز، حين رفض المنشاوي أن يكون له الشرف بحضور حفل عبدالناصر، مُصححًا لرسول الزعيم أن الشرف لعبد الناصر أن يسمع القرآن بصوت المنشاوي.

ورغم اتفاق المصادر على الواقعة، إلا أن الذهاب للحفل كان غير واضحًا في معظم المواضع التي ذُكرت فيها الواقعة، ما استدعى سؤال أحفاد الشيخ للتقصي عن مدى صحتها.

حفيد: الشيخ ذهب للحفل بعد هذا الموقف.. وآخر: لم يذهب

ويقول محمود السعودي حفيد الشيخ الراحل عن هذه الواقعة أن الشيخ بالفعل استقبل مرسومًا جاء فيه أنه من المقرر تنظم حفل، وسيكون له الشرف أن الرئيس عبد الناصر يحضر فيها، فكان رد الشيخ "طب ليه ما يكونش الشرف للرئيس"، ومع ذلك ذهب إلى الحفل.

أما الرواية الثانية فتأتي على لسان حفيد آخر هو علاء محمد نور، حيث ذكر   أن الشيخ جاءه رسول من الرئيس عبدالناصر، وأخبره أنه سيحظى بشرف حضور الرئيس لحفله، فرد الشيخ بالقول "الرئيس اختار أسوأ رسله"، واعتذر عن الحضور.

ورغم تباين النتيجة بين الحفيدين، إلا أن إثبات الواقع لا ينم إلا عن اعتزاز وفخر بالقرآن، خصوصًا من شيخ متواضع القلب بسيط النفس. 

مرضه ووفاته

وفي عام 1966 أصيب بمرض دوالي المريء ورغم مرضه ظل يقرأ القرآن حتى رحل عن الدنيا في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هـ الموافق 20 يونيو 1969 م.


التعليقات (0)