المستشار/ أسامة سعد يكتب: لماذا يخوض جنرالات العدو غمار السياسة؟

profile
المستشار أسامة سعد كاتب فلسطيني
  • clock 17 أغسطس 2022, 10:12:44 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يُعرف مصطلح النزعة العسكرية بأنه "اعتقاد أو رغبة حكومة أو شعب ما أن على الدولة الاحتفاظ بقدرة عسكرية قوية واستخدامها بعدوانية لتحقيق مصالح الأمة".
هذه النزعة العسكرية تُفضى إلى الشعور غالباً بتفوق رجال الجيش على من هم سواهم من القادة ومن ثم توليهم دفة العمل السياسي وقيادة الدولة.
ربما لا يوجد دولة على وجه الأرض لديها نزعة عسكرية بالقدر الموجود لدى "إسرائيل" تلك الدولة" التي ولدت من عقدة الخوف التي سيطرت على وجدان الشعب اليهودي بسبب ما لحق بهم من اضطهاد مسيحي أوروبي بلغ ذروته إبان الحرب العالمية الثانية على يد القوات النازية، بغض النظر عن المبالغات التي يدعيها اليهود طلباً للدعم الأوربي كتعويض عما اقترفوه بحق اليهود من جرائم وما صاحبه مصلحة غربية بوجود كيان يمثل اليهود وغلف كل ذلك بنفاق دولي بدأ بما عُرف بوعد بلفور حتى صدور قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين إحداهما للعرب والأخرى لليهود عام 1947م وهو القرار الذي عُرف بقرار التقسيم رقم 181.
(إسرائيل) التي أوجدها قرار أممى بقيت دولة بلا جذور كنبتة ضارة في أرض طيبة مآلها الاجتثاث كمآل أي نبتة ضارة، كان لا بد لهذه "الدولة" أن تحمي نفسها من الاجتثاث فعمدت إلى تعظيم قوتها العسكرية بما لا يناسب البتة مساحة الأرض التي أقُيمت عليها أو عدد سكانها، ولذلك كان عماد وجودها قوة عسكرية متكئة على نزعة عسكرية شديدة رغم الادعاء بمدنية الدولة.


كل ما سبق جعل الشعب الصهيوني شديد الميل إلى اختيار القادة السياسيين من الجنرالات السابقين في تقليد طغى على الحياة السياسية الإسرائيلية على خلاف ما يحدث في كل الديمقراطيات الغربية التي تعد (إسرائيل) نفسها إحداهن.

ورغم أن الأصل في العمل السياسي المرونة والبراغماتية والتحوّر والتكيّف خلافاً للعمل العسكري الذي يميزه الصرامة والانضباط ووحدة الفهم ورسوخ العقيدة العسكرية، الأمر الذي يشير إلى توقع فشل العسكري في التأقلم مع الحياة السياسية وعدم القدرة على التكيف معها إلا أن ذلك لم يحدث في دولة الاحتلال وربما إن أردنا الدقة فإن الذي تكيَّف هو الوسط الذي يعملون فيه وبقوا هم على طبيعتهم العسكرية التي امتازوا بها ولذلك نجد القادة العسكريين مالوا للعمل السياسي بعد تقاعدهم رغبة في استمرار وجودهم في الحياة العامة خاصة وأن لدىهم " حسب فهمهم" سيرة عسكرية تمهد لهم الطريق لتبوء مكانة سياسية بارزة. 
ولذلك ليس غريباً أن نرى كل هذا المقدار من الوحشية في أداء هؤلاء المجرمون في التعامل مع الاحداث السياسية وهي اللغة التي لا يفهمون سواها، ولقد زادهم غطرسة وهمجية وجود محيط عربي مسالم وإن شئت متواطئ وموقف دولي منافق جرأهم على الاستمرار في غيهم، كل ذلك جعل من العمل السياسي تجارة رائجة للجنرالات فهم يتبوؤون قيادة دولة حققت مستويات متقدمة على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري محاطون بتأييد شعبي واسع وإسناد دولي غير مسبوق ناهيك عن المزايا الشخصية التي يوفرها الموقع السياسي.
المشهد الصهيوني يشير بأن القيادة الصهيونية تفتقد إلى الحنكة السياسية التي لا تتأتى إلا من خلال تجربة طويلة في دهاليز العمل السياسي وتلك ميزة كان يتمتع بها القادة الأوائل لدولة الاحتلال أو ما يعرف لديهم "بالآباء المؤسسين"، وأظن أن تشبع القيادة السياسية للإحتلال بالجنرالات سيفقد الاحتلال في المستقبل القدرة على المرونة في التعامل مع التحولات الدولية المستقبلية التي يشهدها العالم خصوصاً في مسألة تعدد الأقطاب.  
وهذا الأمر يبدو جلياً في المواقف (الإسرائيلية) على الصعيد الدولي، إذ تظهر بوضوح قلة الخبرة وعدم الحنكة والافتقار إلى المهارة السياسية في التعامل مع الاحداث الدولية، الأمر الذي أدى إلى تصدع علاقات تاريخية مع قوى عظمى قد يكون لها أثر بالغ على الاحتلال خلال الفترة المقبلة. 
كل ما سبق أدى إلى اضطراب المشهد السياسي لدى الاحتلال خلال السنوات الأخيرة وعدم استقرار الحكومات واللجوء إلى الانتخابات المتكررة التي تعيد رسم نفس المشهد السابق، وهو ما يؤذن بانهيار مستقبلي في حال استمرار المشهد السياسي لدى الاحتلال على ما هو عليه رغم مظاهر القوة التي يحاول القادة الصهاينة إظهارها.

غزة في 17/8/2022م


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)