المستشار أسامة سعد يكتب: من ذاكرة الانطلاقة

profile
المستشار أسامة سعد كاتب فلسطيني
  • clock 14 ديسمبر 2022, 12:53:35 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

13 ديسمبر 1992 تحركت وحدة من كتائب الشـהــيد عز الدين الـöـسـ.ـام في ذكرى انطلاقة حركة حـ.ـסــاس لتنفيذ عملية أسر للجندي الصـמـيوني نسيم توليدانو، وقد نجحت هذه الوحدة بأسر الجندي الصـמـيوني وطالبت بالإفراج عن مؤسسها الشـהــيد القائد أحمد ياسـ،ـين رحمه الله مقابل الجندي الأسير، وأمهلت الوحدة الخاطفة سلطات الاحتلال عشر ساعات لتنفيذ المطالب، لم يكن رئيس وزراء الاحتلال آنذاك إسحاق رابين في وارد الخضوع لإملاءات حركة حـ.ـסــاس فحاول المماطلة والتسويف، وفي سبيل ذلك أجرى على وجه السرعة مراسل التلفزيون الإسرائيلي لقاءً خاصًّا مع الشيخ أحمد ياسـ،ـين في معتقله الذي بدوره طالب الخاطفين بالحفاظ على حياة الجندي الأسير حتى تلبية مطالبهم، وأذكر أننا كنا نشاهد الأحداث عبر التلفزيون "الإسرائيلي" الذي كان وسيلةَ الإعلام المتاحة لتلقي أخبار العملية، وأذكر أن المذيع طلب من المراسل بث الفيديو في أثناء الطريق لعرضه خلال نشرة الأخبار حتى تصل رسالة الشيخ أحمد ياسـ،ـين للخاطفين قبل مضي الوقت. 


انتهى الموعد دون تحقيق مطالب الوحدة الخاطفة، ولم يكذب الخاطفون خبرًا فقتلوا الجندي، وأظن أن هذا القرار جاء على خلفية فهم الوحدة الخاطفة للعقلية التي يدير بها الاحتلال العملية، وهي عقلية التسويف والمماطلة وكسب الوقت حتى يُحددوا مكان الجندي الأسير، إضافة إلى قلة الإمكانات في ذلك الموقف، التي لا تساعد البتة على الاحتفاظ بالجندي مدة طويلة حتى تنفيذ المطالب.


كانت ردة فعل رابين على جرأة الخاطفين غير مسبوقة، فاتخذ قراره في المجلس الوزاري المصغر المنعقد في 17 ديسمبر 1992م بإبعاد نحو 415 من قادة حركة حـ.ـסــاس إلى لبنان، وقد تمت العملية على وجه السرعة وقبل أن ينتبه أحد من المجتمع الدولي لها، فجُمع من صدر قرار الإبعاد بحقهم سواء أكانوا معتقلين لدى الاحتلال أم اعتُقلوا من بيوتهم ليلة الإبعاد، ووُضعوا في باصات تحت حراسة الجيش الصـמـيوني، وتوجهوا بهم مباشرة نحو جنوب لبنان.


لم يكن يدرك المعتقلون الذين وضعوا في باصات الإبعاد تلك أنهم في طريهم للإبعاد إلا بعد أن توقفت بهم الباصات في الشريط الحدودي المحتل من لبنان آنذاك، وهناك أُنزِلوا وأُغلِقت الحدود دونهم، كان يمكن لهؤلاء المبعدين أن يسيروا على خطى من أبعد قبلهم بالتسليم للأمر الواقع، ولكن رغم هول الصدمة والمفاجأة غير الموقعة اتخذ المبعـ.ـدون قرارهم برفض قرار الاحتلال والتَّمترس على حدود الوطن، وقد عبر عن موقفهم هذا الناطق باسم المبعدين د. عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله. 


كانت المرة الأولى التي يتم فيها تحدي قرار الاحتلال من قبل الطرف الأضعف وهم المبعـ.ـدون وينجح هؤلاء المبعـ.ـدون في فرض قراراتهم، وتكسر قوة صمودهم عنجهية وغطرسة الاحتلال، ويعود المبعـ.ـدون إلى الديار ليغلق ملف الإبعاد بعد هذه العملية للأبد. 


هذه الملحمة الوطنية الكبرى التي خاضتها حركة حـ.ـסــاس في ذكرى انطلاقتها قبل ثلاثين عامًا تخبرنا بأن حركة حـ.ـסــاس لم تصل إلى ما وصلت إليه اليوم إلا من خلال مسيرة طويلة لم تكن فيها ملحمة الإبعاد إلا أحد حلقاتها.


اليوم بعد 35 عامًا من انطلاق حركة حـ.ـסــاس وبعد أن تجاوزت حـ.ـסــاس مرحلة الاجتثاث التي ظن البعض أنهم قادرون عليها، وبعد أن تحدت حركة حـ.ـסــاس الاحتلال المرة تلو المرة، ربما لن تكون حرب سيـ،ـف الـöـدس آخرها، ورغم أن الحركة ما زالت تخضع للحصار منذ 15 عامًا، ما زالت إرادتها تتحدى إرادة الاحتلال وتأبى على نفسها قبول شروط الاحتلال كما رفضت قبل ثلاثين عاماً قرار الإبعاد، وكما نجحت في كسر إرادة العـ.ـدو آنذاك ستبقى على عهدها وستكسر إرادة العـ.ـدو بفرض الحصار.


حـ.ـסــاس ورغم تبوئها مكانة عربية وإقليمية مرموقة لم تتغير ولم تتبدل.


حـ.ـסــاس اليوم ليست مجرد حركة وطنية فلسطينية إسـ،ـلامية التوجه، ولكنها أمل يتعلق به أحرار الأمة العربية والإسـ،ـلامية الذين يرون فيها روح العروبة والإسلام النابض بعد أن ماتت هذه الروح في أجساد كثيرة فشلت في تمثيل آمال طموحات الأمة.


حـ.ـסــاس تحتفل بذكرى انطلاقتها الخامسة والثلاثين، وهي تشق مسارها نحو هدفها الأسمى نحو القدس نحو فلسطين، قد يكون لها كبوة هنا أو هناك كما لكل فارس كبوة وسط الميدان، لكن سرعان ما تتحول الكبوة إلى كرة تصفع كل من راهن على السقوط.

التعليقات (0)