المستشار/ أسامة سعد يكتب: هل تنجز حكومة نتنياهو المتطرفة وعودها؟

profile
المستشار أسامة سعد كاتب فلسطيني
  • clock 28 ديسمبر 2022, 9:20:32 ص
  • eye 237
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

انشغل المجتمع الفلسطيني خلال المدة الماضية كثيراً بقضية تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولقد انتابني شعور عميق بأن كل من يتابع الشأن الإسرائيلي لديه رغبة جامحة بألا يستطيع نتنياهو تشكيل الحكومة التي عدّوها أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ (إسرائيل) القصير، بل لقد أسرف البعض في نقل حديث الساسة الصـהـاينة المناوئين لنتنياهو بشأن فساد أعضاء الحكومة الجديدة والقضايا التي رُصدت ضدهم في المحاكم الإسرائيلية، وكذلك نقل المحللون خوف بعض الضباط الصـהـاينة على الكيان من غلو الحكومة الجديدة، وتحدثوا عن رسالة أرسلها هؤلاء الضباط الكبار للمحكمة الإسرائيلية العليا يطلبون فيها تدارك الأمر بصتفها الجدار الأخير للحفاظ على (الدولة)، ثم تحدث البعض بشأن تحفظ الإدارة الأمريكية على بعض الشخصيات التي ستتشكل منها الحكومة.

ربما يعذر المرء المحللين والخبراء على هذا الانجراف الشديد نحو الانسياق اللاشعوري في طبيعة التفكير الصـמـيوني، وذلك بسبب التأثير الشديد للسياسة الصـמـيونية في الأحداث التي تجري على الأرض الفلسطينية، ولكن يبدو أننا ننسى في غمار هذه الزوبعة أن الشعوب المحتلة الـمـöـ.ـاومة لم يكن بوارد حسبانها قط أن تراهن على سياسات الحكومات القائمة بالاحتلال، وإنما كان تركيزها دائمًا على الـمـöـ.ـاومة التي تجبر الاحتلال على الرحيل أيًّا كانت الحكومة التي تحكم، ولا أظن أن أي حكومة صـמـيونية سواء تلك التي تدّعي أنها يمينية أو يسارية قد يراود خيالها فكرة منح الشعب الفلسطيني حقه كنوع من ترف الفكر السياسي الذي قد يخطر ببال زعمائها دون أن تكون الـمـöـ.ـاومة العنيدة والصلبة هي التي تدفعهم إلى ذلك مضطرين، وهذا ما تخبرنا به تجارب كل الشعوب التي ناضلت ضد الاحتلال.

حكومة نتنياهو الجديدة بكل ما يرفعه أعضاؤها من شعارات عنصرية وخطط استيطانية تتوجه بوضوح نحو الصدام الحتمي مع الـمـöـ.ـاومة التي خاضت حربًا قاسية مع الحكومة الصـמـيونية السابقة من أجل الدفاع عن القدس والتصدي لممارسة الغطرسة والقمع ضد أبناء شعبنا في الضفة الغربية ومدينة القدس على وجه الخصوص.

الصدام الحتمي بين الـمـöـ.ـاومة والمحتل هو العلاقة الطبيعية بين المتضادات، وهو الأمر الذي سيبقى قائماً ما بقي الاحتلال، صحيح أن زيادة القمع ورفع وتيرة الاعتداء ستؤدي إلى تصاعد الـمـöـ.ـاومة، ولكن لا يعني ذلك   أن يُعد الصدام بحد ذاته أمرًا طارئًا بين الـمـöـ.ـاومة والاحتلال، وعليه فإنني أجزم بأن حكومة نتنياهو الجديدة وكامل أعضائها يدركون هذه الحقيقة جيدًا، وخير من يدرك هذه المعادلة هو رئيسها نتنياهو الذي سعى جاهدًا طوال مدة حكمه السابقة -وهي الأطول في تاريخ رؤساء وزراء العـ.ـدو- للحفاظ على التوازن القائم بين الـمـöـ.ـاومة والاحتلال حتى لو كان هشًّا، وفي سبيل ذلك مثلاً أمر جهاز أمنه بنقل الأموال القطرية مباشرة من مطار اللد إلى معبر إيرز لتسليمه للحكومة في غزة رغم ما صاحب هذه الحركة من شكل إذلال لقوات الاحتلال التي تسلم المال مرغمة وهي تعلم جيدًا أن جزء منه يذهب إلى جهات غير تلك التي اتفق عليها.

لا أقول إن نتنياهو سيمارس نفس سياسته السابقة بالحفاظ على التوازن، ولكنها الوسيلة المثلى لبقائه في الحكم أطول مدة ممكنة، ومرد ذلك أن الولايات المتحدة والإقليم والدول المطبعة يرغبون في تهدئة المنطقة لتمرير مخططهم للشرق الأوسط الذي يتعامل مع (إسرائيل) على أنها عضوًا طبيعيًّا في المنطقة.

وعلى الرغم من عدم الرضى المعلن من قبل الإدارة الأمريكية عن توجهات بعض أعضاء حكومة نتنياهو العنصرية المتطرفة فإن موقف الولايات المتحدة لن يختلف عن مواقفها السابقة عند أي صدام يحدث بين الـمـöـ.ـاومة وحكومة نتنياهو المتطرفة، وسترفع الولايات المتحدة شعار "من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها"، إلا أنها ستسعى جاهدة من خلال الوسطاء لاحتواء النزاع في أضيق صورة ممكنة كما كانت تفعل في كل مرة.

وحتى حدوث هذا الصدام سيسعى جاهداً ابن غفير وسموتريتش إلى فرض بعض الوقائع التي يمكن تحقيقها على الأرض، وستذهب بقية شعاراتهم أدراج الرياح كما ذهبت شعارات ليبرمان قبل ذلك حينما وعد أنصاره بالتخلص من السيد إسـסـاعيل הـنية خلال 48 ساعة إذا ما تسلم وزارة الدفاع الصـמـيونية، ثم ظهر جليًا فشله الذي حاول تحميله لنتنياهو معللاً ذلك بأن نتنياهو منعه من تحقيق وعده.

السياسة الصـמـيونية منذ قيام دولة الكيان لا تتغير، فهي قائمة على إنكار وجود الشعب الفلسطيني، ناهيك بالاعتراف بحقوقه، وفي سبيل الصعود السياسي كان الساسة الصـהـاينة يرفعون شعارات العنصرية ضد العرب، ولقد قالوا سابقاً إن دولة (إسرائيل) من النيل إلى الفرات، وقال ديان: حدودنا حيث تصل جنودنا، ولكن الذي يحدث على الأرض أن الكيان في حالة تراجع رغم نغمة العنصرية النشاز التي يعزفها أغرار السياسة الصـמـيونية، قد يجمعون الأصوات على أنغام العنصرية والتطرف، ولكنهم سيصطدمون بحائط صد عظيم أفشل عتاة الفكر الصـמـيوني الذين أسسوا كيانهم، ذلك الجدار هو الشعب الفلسطيني العظيم.
غزة في 28/12/2022م


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)