توران قشلاقجي يكتب: ثلاث شخصيات عربية في قمة البيروقراطية العثمانية

profile
توران قشلاقجي كاتب وصحافي تركي
  • clock 30 ديسمبر 2021, 9:39:32 ص
  • eye 416
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لا تزال العلاقات التركية – العربية قضية غير مطروحة للنقاش بطريقة جدية إلى اليوم. وجرى تأليف معظم الكتب المتعلقة بها في القرن الماضي، عبر معلومات خاطئة، تستند إلى إشاعات ودراسات أعدها مؤلفون غربيون. وأعتقد أن هذا هو أحد الأسباب الرئيسية لعدم تمكن المفكر العربي والتركي من تحليل القرن الماضي على نحو جيد. نحن لم نستخدم مصادرنا الخاصة في كتابة التاريخ، ولم نستفد بشكل كافٍ من مصادر السياسيين والمفكرين العرب والأتراك، المكتوبة في القرن الماضي. آمل أن يتغلب الأكاديميون لدى الطرفين في القرن الحالي على هذه المشكلة من خلال طرف مؤلفات جديدة في هذا الصدد.

عندما نلقي نظرة على أواخر العهد العثماني، نرى أن هناك جوانب يغفل عنها بعض الكتاب العرب، من بينها تأثيرات السياسيين والمفكرين العرب في السياسة العثمانية. لقد كانت هذه المشكلة من أكثر القضايا التي تم تجاهلها.. وإن شاء الله، سنحاول تدوين ملاحظات حول التاريخ الجديد، عبر التطرق إلى هذه الأمور في مقالاتنا تدريجياً. ونقترح على الأكاديميين أن يتعمّقوا أكثر في دراسة هذه القضايا وأن يَمنحوها بعدا أكبر.

حان الوقت لإجراء بحث حول الشخصيات العربية المؤثرة في السياسة العثمانية، وإعادة دراسة العلاقات التركية – العربية انطلاقًا منها


سأتحدث في مقال اليوم عن ثلاث شخصيات عربية كان لهم دور رئيسي في توجيه السياسة العثمانية، إبان عهد السلطان عبد الحميد الثاني. أولهم؛ أحمد عزت باشا العابد، الذي عاش بين 1851- 1924. وهو شخصية بيروقراطية من دمشق، انضم إلى قصر يلدز في النصف الثاني من حكم عبد الحميد الثاني. عُرف عزت باشا بأنه أحد أقرب الرجال إلى السلطان، وبمثابة اليد، بل والذاكرة بالنسبة إليه إذا جاز التعبير. وعلى الرغم من تعرضه لانتقادات في العديد من الأوجه، إلا أنه صاحب عدد كبير من المشاريع الجديدة في العهد العثماني، مثل «مشروع سكة حديد الحجاز». عُثر على مذكرات عزت باشا المفقودة في السنوات الماضية وجرى نشرها قبل عامين. تلقى أحمد عزت تعليما جيدا للغاية في شبابه، وبعد تخرجه من المدرسة الفرنسية، درس القانون، وعيّنه عبد الحميد في قصر يلدز في تسعينيات القرن التاسع عشر، وأصبح بمرور الوقت المستشار الأكثر ثقة للحاكم. أشرف على إجراء جميع الاتصالات السرية للسلطان طيلة سنوات، فضلاً عن ضمان اتصال السلطان بالعالم الخارجي، وإطلاعه على ما يجري في البلاد، والتنسيق بين وحدات الدولة، ودائما ما كان يعبر عن أفكاره للسلطان في قضايا مهمة. بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد عام 1908، ذهب عزت باشا من إسطنبول إلى أوروبا، وانتقل منها إلى مصر. وعندما توفيت زوجته، جاء إلى إسطنبول لبضعة أسابيع بعد انقطاع دام 14 عاما، بإذن من حكومة أنقرة في أغسطس/آب 1923، ثم عاد إلى مصر وتوفي في القاهرة عام 1924. كان للباشا 17 طفلاً من الزوجة نفسها، لكن عاش منهم 4 فقط. بعد انهيار الإمبراطورية، حصل أطفاله على جنسية البلدان التي عاشوا فيها وقضوا حياة مريحة. كما شغل ابنه محمد علي العابد، منصب رئيس سوريا بين عامي 1932 و1936.

ثاني الشخصيات العربية المهمة والمؤثرة في عهد السلطان عبد الحميد، هو السوري محمد بن حسن وادي، المعروف بلقب أبو الهدى الصيادي، الذي عاش ما بين 1850 و1909. سمي بالشيخ الرفاعي في قصر السلطان عبد الحميد، وأثر في السلطان ببلاغته، وأشرف على إدارة العلاقات بين القصر والعالم العربي لسنوات عديدة. وكان صاحب الكلمة في تحديد الأشخاص الذين سيحصلون على الترقيات في العالم العربي فترة طويلة. تعرض لانتقادات في العديد من القضايا، ويقال إنه قدم شكوى إلى السلطان عبد الحميد، فيها الكثير من الأكاذيب والخداع ضد عدد كبير من الشخصيات الشهيرة مثل، خير الدين باشا التونسي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمود الألوسي، وجمال الدين القاسمي، وعبد الرحمن الكواكبي. وحدثت خلافات بين عبد الحميد وأبو الهدى لأسباب عديدة في أواخر عهد السلطان.

أمّا الشخصية العربية المهمة الثالثة التي كان لها تأثير في السلطان عبد الحميد، فهي الشيخ ظافر زعيم الطريقة الشاذلية في ليبيا، الذي عاش بين عامي 1829 و1903. دعا السلطان عبد الحميد هذا العالم من ليبيا إلى إسطنبول في عام 1875. وعمل الشيخ ظافر كجسر بين العالم العربي وعبد الحميد الثاني، حيث كانت الوفود القادمة من ليبيا وتونس والمغرب والجزائر تمر به أولًا. وهو الشخص الذي يقف وراء إحضار خير الدين باشا التونسي، وعبد القادر الجزائري، ومحمد عبده، إلى العاصمة العثمانية. كما قاد المقاومة ضد الفرنسيين في منطقة المغرب باسم الدولة العثمانية. حزن السلطان عبد الحميد كثيرا عندما توفي الشيخ ظافر في إسطنبول عام 1903.

خلاصة الكلام؛ أعتقد أن الوقت قد حان لإجراء بحث حول الشخصيات المذكورة التي لا يمكن أن يكفي مقال واحد لتناولها، وإعادة دراسة العلاقات التركية – العربية انطلاقًا من هذه الشخصيات. بالطبع، هناك شخصيات أخرى كثيرة إلى جانب هؤلاء، وإن شاء الله، سنواصل تسليط الضوء عليها بشكل تدريجي في مقالاتنا المقبلة.

كاتب تركي

التعليقات (0)