"جيش المعوقين".. آلاف العراقيين يواجهون الإهمال الحكومي

profile
  • clock 9 سبتمبر 2023, 9:54:48 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يُقدر مسؤولون عراقيون أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة بأكثر من 5 ملايين نسمة في عموم البلاد، غالبيتهم أصيبوا في العمليات العسكرية ووقائع العنف والإرهاب التي ضربت العراق خلال العقود الماضية، في حين يشير خبراء إلى أن التعداد السكاني المقرر تنظيمه خلال العام المقبل قد يكشف عن أرقام أكبر. 
ووفق آخر إحصاء لجمعية "رعاية" المعنية بذوي الإعاقة في العاصمة بغداد، فإن أغلب الإعاقات حركية، ويؤكد رئيس الجمعية، موفق الخفاجي، أن "الخدمات الحكومية المقدمة لا تراعي هذه الشريحة لا من ناحية البنى التحتية، ولا من ناحية فرص الاندماج الاجتماعي". 

في المقابل، يؤكد مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية العراقية، لـ"العربي الجديد"، أن "نسبة من يعانون من إعاقة حركية أو إعاقات سمعية وبصرية، وبنسب ضرر متفاوتة، يصل إلى أكثر من 7 في المائة من مجموع السكان البالغ 43 مليون نسمة، ويشكل الذكور نحو 60 في المائة منهم"، مضيفاً أن "الحروب المتواصلة فاقمت ذلك، إلى جانب ارتفاع معدلات حوادث السير والجريمة المنظمة". 
ويعاني عشرات آلاف المعاقين في محافظة نينوى، من أثار نفسية قاسية منذ تعرضها لعمليات عسكرية لتحريرها من تنظيم داعش في عام 2017، وكان نصيب مدينة الموصل منها كبيراً، إذ جرى تدمير أكثر من 56 ألف منزل، وتسجيل 11 ألف مفقود. وحتى إعلان استعادة السيطرة عليها، أدت المعارك مع التنظيم إلى سقوط نحو ربع مليون قتيل وجريح، إلى جانب عشرات آلاف الأشخاص المفقودين، فضلاً عن دمار هائل في البنية التحتية، وتبلغ كلفة إعادة إعمار المدن المحررة، وفقاً لوزارة التخطيط العراقية، نحو 88 مليار دولار. 
مر أكثر من 16 عاماً على إصابة محمد علي في عموده الفقري بعد تعرضه لإطلاق نار عشوائي أثناء لعبه كرة القدم، ما تسبب له في شلل بأطرافه السفلية، ويقول لـ "العربي الجديد": "حين تعرضت للإصابة لم أكن أعرف أنها طلقة نارية، فقد شعرت أن قدماي توقفتا عن الحركة، وذهب بي الأصدقاء إلى المستشفى، لكنها كانت متهالكة وخدماتها سيئة. منذ الحادث، أصبحت لا أستطيع المشي، وانضممت إلى جيش المعوقين". 

الصورة

حجم إنتاج الأجهزة التعويضية لا يقارن بأعداد المعوقين (حسن محمد أحمد/الأناضول)

إنتاج الأطراف التعويضية لا يقارن بأعداد المعوقين (حسن محمد /الأناضول)

ودفع عدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بذوي الإعاقة إلى إطلاق مبادرات أهلية لدعمهم وتعويضهم عن حواسهم وصحتهم التي فقدوها. محمد علي، أحد الأشخاص ذوي الإعاقة، وهو مؤسس فريق "تحفيز" التطوعي لرعاية ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة، ويقول إن فريقه يدعم ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر الكثير من الطرق، من بينها الزيارات. 

ويقول صباح شعبان، وهو أحد مؤسسي فريق "تحفيز"، إنهم شكلوا الفريق بالجهود الذاتية لأنه لا يوجد أيّ دعم لذوي الإعاقة من الحكومة أو المنظمات. موضحاً أن "هذه الفئة تحتاج إلى الدعم، وتوفير الحقوق لخدمة متطلبات الحياة اليومية، ومن ذلك الاهتمام بتوفير أماكن في وسائل المواصلات العامة، وفي الدوائر الرسمية، وخدمات في الشوارع. الدعم المقدم لذوي الاحتياجات الخاصة والمصابين من جراء الحرب محدود، ولا توجد مراكز للتأهيل الفيزيائي أو الدعم النفسي". 

الصورة

مراكز رعاية المعوقين محدودة في العراق (أدري ساليدو/Getty)

مراكز رعاية المعوقين محدودة في العراق (أدري ساليدو/Getty)

وتقول الناشطة والحقوقية ليلى مجاهد: "زاد عدد المعوقين في العراق بعد عام 2014 بنسبة كبيرة مقارنة مع العدد الكلي للسكان". موضحة لـ "العربي الجديد"، أن "الجهود الحكومية التي تقوم بها دائرة الرعاية الاجتماعية ودائرة المعوقين ضعيفة، والأدوات الموجودة غير كافية، أو قديمة، ويقدم الصليب الأحمر بعد التنسيق مع دائرة المعوقين الدعم لاستقبال الحالات وتجهيزها، وربما هو المنظمة الوحيدة في العراق التي تقدم جهداً حقيقياً وفعالاً، فلديهم مركز في الموصل، وورشة  لصناعة الأطراف الصناعية لمن تعرضوا لبتر، أما الحالات الأكثر تعقيداً فترسل إلى مدينتي أربيل والسليمانية في إقليم كردستان العراق، والمركز الذي افتتح في عام 2019، يضم كوادر أجنبية ومحلية محدودة، بواقع أربعة موظفين من الصليب الأحمر، وسبعة من دائرة صحة نينوى". 
وتضيف مجاهد: "ذوو الإعاقة أقلّ حظاً من غيرهم في كل المجالات، سواء في الرعاية الصحية، أو القطاع التعليمي، أو الفرص الاقتصادية، كما أنّهم أكثر فقراً مقارنة بغيرهم، وسبب كل ذلك هو نقص الخدمات المتاحة لهم، سواء من الحكومة أو المنظمات الأهلية، وهناك عقبات كثيرة يواجهونها في حياتهم اليومية، فنحو ثلث ذوي الإعاقة فقط يتلقون مساعدات حكومية عبارة عن مرتبات شهرية بسيطة، والباقون لا يزالون يحاولون الحصول على تلك المساعدات منذ سنوات".
وتلفت رئيسة منظمة "نوتردام" للمرأة والطفل، رقية جمعة، إلى أنه بعد عام 2014، تزايدت أعداد المعوقين، وخاصة الأطفال فاقدي البصر والأطراف، والنسبة إلى ارتفاع في ظل استمرار المسببات، كحوادث السير، والسلاح المنفلت، والنزاعات الدامية التي يشهدها العراق، في حين لا توفّر الحكومة الحد الأدنى من حقوقهم، مثل تجهيز المباني والمؤسسات الحكومية والمستشفيات ومواقف السيارات، أو إنشاء ممرات آمنة لتناسب احتياجاتهم الخاصة.
وتوضح جمعة لـ"العربي الجديد"، أن "الكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة يتمتعون بإمكانيات تؤهلهم للمشاركة كأعضاء نشطين في مجتمعاتهم المحلية في حال ذُللَت العوائق التي يواجهونها. لكنهم على أرض الواقع يواجهون صعوبات في الحصول على الخدمات التي يحتاجونها، وهناك ضرورة لبذل مزيد من الجهود لتحسين فرص حصولهم على تلك الخدمات، وتوفير الضمان الاجتماعي والصحي لهم، وخاصة للأطفال".

ويكشف الطبيب سعد عبد الله، والذي يعمل في مركز تأهيل المعوقين في الموصل، أن عدد المعوقين في محافظة نينوى وحدها يقترب من 27 ألف شخص، من بينهم أطفال ونساء. ويقول لـ "العربي الجديد"، إن "معمل صناعة الأطراف الصناعية في الموصل يفتقد إلى المعدات والأجهزة، ومنظمة الصليب الأحمر الدولي زودت دائرة الصحة بورشة لصناعة الأطراف، وتلك الورشة استطاعت تزويد المعوقين في نينوى بأطراف صناعية وكراسي خاصة وعكازات لإعانتهم على الحركة، لكن هناك المئات الذين ما زالوا ينتظرون دورهم للحصول على ما يحتاجونه من مستلزمات طبية".

 

 

كلمات دليلية
التعليقات (0)