حسين مجدوبي يكتب: تمرد فاغنر أسوأ سيناريو قد يدفع موسكو إلى حرب الأرض المحروقة ضد أوكرانيا أو استعمال السلاح النووي التكتيكي

profile
  • clock 25 يونيو 2023, 4:49:22 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لندن ـ «القدس العربي»: في فيلم «المدمرة بوتمكين» للمخرج السوفييتي سيرجي إيزنشتاين أحد الذين وضعوا أسس اللغة السينمائية، يحكي عن التمرد الذي وقع في هذه السفينة الحربية سنة 1905 وكان من الأسباب الممهدة لسقوط القيصر سنوات لاحقة. ويبدو أن أحداث الفيلم تتكرر الآن مع تمرد تنظيم «فاغنر» وهو تمرد دق نواقيس الخطر في العالم برمته لأن موسكو لن تتردد في استعمال السلاح النووي التكتيكي إذا استغل الغرب الوضع ودفع أوكرانيا إلى مغامرة غير محسوبة العواقب.

وما يحدث في روسيا شكل مفاجأة لأن التمرد يتزامن والحرب، وإن كان المراقبون لم يستبعدوا وقوع حادث من هذا النوع وإن لم يكن بهذه الحدة، وذلك بسبب الحرب الكلامية التي يشنها زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين ضد وزارة الدفاع منذ شهور، والتي وصلت إلى اتهامها بقتل ألفي من مقاتلي هذا الجيش الخاص الذي برز نجمه في القارة الأفريقية خلال الثلاث سنوات الأخيرة.

تضارب بين الجيش وفاغنر

ويوجد تضارب كبير بين خطط الجيش الروسي وقوات فاغنر في الحرب ضد أوكرانيا، إذ يركز الجيش على خطة دفاعية بشكل كبير تشمل حماية الأراضي التي ضمتها موسكو إلى أراضي روسيا وهي إقليم دونباس الذي تتجاوز مساحته مئة ألف كلم، وتدرك أن الهجوم الأوكراني يرمي إلى تحرير هذه الأراضي. ولا يخطط الجيش الروسي لمزيد من السيطرة على أراض جديدة، لأن أراضي دونباس جرى ضمها بموجب قرار من البرلمان الروسي كما حدث مع أراضي شبه جزيرة القرم سنة 2014.
وكانت قوات فاغنر تعمل كعنصر مساعد للجيش الروسي، غير أنها استقلت عسكريا نسبيا عن وزارة الدفاع خاصة في معركة باخموت التي طالت شهورا وحققت فيها هذه القوات النصر. وأصبحت قوات فاغنر تريد نهج استراتيجية خاصة بمعزل عن الجيش وعدم التنسيق معه، وهي التقدم في الأراضي الأوكرانية لوقف تقدم الأوكرانيين قبل التمركز على حدود الدونباس. وهي عملية تحمل الكثير من المخاطر، فمن جهة، تهدد استراتيجية وزارة الدفاع، ومن جهة أخرى تظهر فاغنر أمام الرأي العام الروسي والدولي بمظهر الحركة البطولية على حساب الجيش الوطني ما يسيء إلى صورته وظهوره بمظهر الضعيف. وتعمل هذه القوات على شاكلة «اللفيف الأجنبي» في الجيوش الوطنية.
ولم يتأخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب له السبت من الأسبوع الجاري في اعتبار ما قامت به قوات فاغنر من تمرد عسكري يعد خيانة حقيقية لروسيا في وقت تجري فيه الحرب ضد أوكرانيا قائلا حرفيا في خطابه:  «الأفعال التي تقسم وحدتنا هي في الواقع خيانة للشعب الواحد، وللرفاق في السلاح الذين يقاتلون الآن على الجبهة. هذه طعنة في الظهر لبلدنا وشعبنا». وتوعد المتمردين بالعقاب الشديد.
واتهم بوتين زعيم هذه القوات بالخيانة وبالتهديد القاتل للدولة الروسية، وهذا يعني إما ضرورة استسلامه -زعيم فاغنر- أو تعرضه للملاحقة حتى القبض عليه أو الاغتيال، وقد تتطور الأمور إلى مواجهة حربية على شاكلة حرب أهلية مصغرة بحكم أنها ستكون محصورة في مدينة روستوف التي سيطرت عليها فاغنر ليلة الجمعة من الأسبوع الجاري، علما أن الحركة تهدد بالتوجه إلى العاصمة موسكو وعدم تسليم أي مقاتل نفسه، وفق تصريحات زعيمها السبت من الأسبوع الجاري في رد على خطاب بوتين.

قلق الغرب من رد نووي

شكل تمرد قوات فاغنر ضد وزارة الدفاع مفاجأة كبيرة للدول الغربية. ومنطقيا، سيعم الفرح في العواصم الغربية التي تساند أوكرانيا بالسلاح والدعم السياسي لأن التمرد يعني إضعاف القوات الروسية التي ستصبح مجبرة على إرساء الأمن والسيطرة على الأوضاع. غير أن الصورة في العمق مختلفة. فهذا التمرد يتزامن وشن الجيش الأوكراني الهجوم المضاد ضد تمركز القوات الروسية في إقليم دونباس.
وعمليا، مواجهة الجيش الروسي لقوات فاغنر المتمردة قد يدفع بوزارة الدفاع الروسية إلى الاعتماد على بعض الوحدات المتمركزة في الجبهة وسحبها، ما قد يترك فراغا قد يستغله الأوكرانيون. ويعتبر هذا أخطر وضع ستمر منه الحرب الحالية، وحذّرت بعض وسائل الإعلام الغربية التي لا تكن الود لموسكو من هذا السيناريو، وشددت على ضرورة الحذر الشديد. إذ أن كل تقدم ملموس من القوات الأوكرانية مسلحة بأسلحة غربية متطورة سيكون الرد عليه قاسيا من طرف موسكو. ويوجد سيناريوهان قد يترتبان عن هذا الوضع وهما:
السيناريو الأول:  وهو رفع الجيش الروسي من القوة النارية بشكل خطير، بمعنى استعمال الصواريخ فرط صوتية والطائرات المقنبلة لضرب العاصمة كييف والبنى التحتية المدنية، لخلق الرعب وسط أوكرانيا. وخلال السبت من الأسبوع الجاري، ضربت روسيا عددا من مدن أوكرانيا ومنها كييف بصواريخ وطائرات مسيرة، في رسالة واضحة أن مواجهة التمرد لا يعني التراجع عن مهاجمة هذا البلد.
والسيناريو الثاني: اللجوء إلى استعمال السلاح النووي التكتيكي لوقف أي تقدم عسكري أو ضرب بعض البنيات التحتية مثل السدود لخلق كارثة في أوكرانيا، ما يجعل من الجيش يتحول إلى قوات إنقاذ الشعب بدل التركيز على الاستمرار في الحرب.
لا أحد كان ينتظر تمردا لقوات فاغنر في ظرف تمر منه روسيا بمرحلة حساسة من تاريخها، وهذا المستجد، يدفع المراقبين وخبراء الحرب إلى التخوف من المفاجآت المقبلة سواء داخل «بين السلطة الروسية» أو في تطور درامي للحرب من عناوينه استعمال السلاح النووي التكتيكي.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)