حكايات إحسان عبدالقدوس : حجر الفيروز

profile
  • clock 13 يوليو 2021, 2:28:47 م
  • eye 690
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 كان يضع في إصبعه خاتماً له فص كبير من حجر "الفيروز الأزرق"، وكان يعتز بهذا الحجر ويتفائل به، لم يخلعه أبدا من فوق إصبعه، منذ أهداه له أكرم وأطهر وأرق فتاة أحبته وأحبها!  لاحظ أن لون الحجر أخذ يخفت .. اللون الأزرق الصافي كزرقة البحيرة العميقة، بدأ يخبو، وتسري فيه خيوط صفراء كأنها الشعرات البيض في رأس العجوز .

وحمله إلى الصائغ كأنه يحمل أحب اعزائه إلى الطبيب .. وفحص الصائغ الحجر من خلف العدسة المكبرة، ثم رفع رأسه ونظر إليه وقال في صوت حزين: أنه يموت!! 

قالها كأنه يسأله: لماذا قتلته؟! 

وقال للصائغ وبين عينيه دهشة ولوعة: كيف يموت .. إنه حجر!! 

يخونها .. ثم أصبح يجهر بسفالته .. تركها تعلم أنه يقضي لياليه في المراقص، ويبعثر شبابه فوق الأجساد الرخيصة، لم يعد يكلف نفسه حتى مشقة إخفاء سفالته عنها .. 

وكان دائماً يحمل حجر الفيروز فوق إصبعه .. يحمله وهو في المراقص، ويحمله في رحلاته فوق الأجساد .. منذ متى بدأ يلاحظ دبيب الإصفرار في لون الحجر؟ 

وأجهد نفسه ليتذكر  .. وتذكر .. أن الحجر بدأ يموت منذ بدأ يخون .. منذ بدأ يمارس سفالته .. منذ أبتعد عن حبيبته بروحه وجسده!! 

هل تعود الحياة إلى خاتمه .. لو عاد إليها .. لو كفر عن سفالته؟! 

وذهب إليها يحمل الحجر فوق إصبعه وهو يزفر آخر ما بقي فيه من لونه الأزرق الصافي الجميل .. وطرق الباب .. وأطل عليه وجه كالح، صاح في حدة: ماتت!! 

وفغر فاه كأنه لا يصدق أذنيه .. ثم أحنى رأسه كأن دموعه تشدها من فوق رقبته .. ونظر إلى الحجر .. لقد أصبح شيئاً أصفر باهتاً .. مات هو الآخر!! 

وسار في خطى بطيئة يشيع جنازة فقيد عزيز .. وخلع الخاتم من فوق إصبعه ودفنه في أحد أدراج مكتبه .. وبكى!! 

التعليقات (0)