خليل العناني يكتب: لماذا يُصرّ الطغاة على إجراء الانتخابات؟

profile
  • clock 10 أبريل 2023, 3:20:43 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تعدّ الانتخابات من أهم مظاهر الأنظمة الديمقراطية، ولكنها أيضا قد تُستخدم من أجل تعزيز الحكم السلطوي وإطالة أمد بقائه في السلطة، ولذلك تحرص كثير من الأنظمة السلطوية على عقد الانتخابات بشكل دوري ومنتظم. فالأنظمة السلطوية والدكتاتورية، مثل روسيا تحت حكم بوتين والسودان تحت حكم البشير وسوريا تحت حكم حافظ الأسد وابنه بشار وزيمبابوي تحت حكم موغابي وغيرها، كانت حريصة على إجراء الانتخابات سواء البرلمانية والرئاسية بشكل مستمر ومنتظم.

بل إن الأنظمة الدكتاتورية المغلقة مثل الصين وكوريا الشمالية أيضا تجري انتخابات بشكل دوري. ففي الصين، مثلاً، تُجرى الانتخابات (وبالأحرى الاستفتاءات) الرئاسية بشكل منتظم كل 5 سنوات، حيث يصوّت النواب في "المجلس الوطني لنواب الشعب" على اختيار الرئيس. ومؤخرا أُعيد "انتخاب" الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ لولاية ثالثة بعد تصويت النواب بالإجماع لصالح الزعيم الذي يبلغ من العمر 69 عاما. وجاءت نتيجة تصويت النواب على النحو التالي: 2952 صوتا لصالح شي، المعارضة: صفر، الامتناع: صفر، وذلك في ظل غياب أي مرشح منافس.

shutterstock_163900670 Vector illustration of standing cartoon dictator in military uniform.

الأنظمة الدكتاتورية المغلقة مثل الصين وكوريا الشمالية أيضا تجري انتخابات بشكل دوري (شترستوك)

كذلك تُجرى انتخابات على المستوى المحلي، وهي تتم من خلال السيطرة الكاملة للحزب الشيوعي، حيث يجب أن يوافق الحزب على المرشحين قبل الترشح لأي منصب، ولا يسمح للمرشحين المستقلين بالمشاركة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التصويت ليس سريًا، وغالبًا ما يتم الضغط على الناخبين لدعم مرشحي الحزب المختارين. وبالمثل، تُجري كوريا الشمالية انتخابات برلمانية كل 5 سنوات لاختيار أعضاء "المجلس الأعلى للشعب"، وهناك مرشح واحد فقط لكل مقعد يتم التصويت له إما بنعم أو لا.

لذلك فإن السؤال المهم هو: لماذا تصرّ الأنظمة السلطوية على إجراء الانتخابات رغم أنها تعلم جيدا أنها انتخابات صورية وشكلية؟ يمكن القول إن هناك خمسة أسباب أساسية تفسر هذه الظاهرة والمفارقة الغريبة.

أولاً: الحفاظ على الشرعية الشكلية

فالأنظمة السلطوية وإن كانت تحكم بقوة القهر والقمع، إلا أنها في حاجة إلى "ورقة توت" كي تغطي بها عوراتها وسوءاتها السياسية، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال الحفاظ على إطار من الشرعية الشكلية عبر الانتخابات، والتي من خلالها يمكن للحكام المستبدين إعطاء انطباع بأنهم منتخبون ديمقراطيا وأنهم يحظون بدعم الشعب، حتى لو تم التلاعب بالانتخابات بكافة الأشكال. وقد رأينا ذلك في أكثر من حالة عربية ودولية.

فمثلاً، كان الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك حريصا على إجراء الانتخابات الرئاسية (أو بالأحرى استفتاء) كل 6 سنوات، وكان يتم بالفعل انتخابه (الاستفتاء عليه) بشكل دوري كما حدث أعوام: 1981، و1987، و1993، و1999، و2005، وذلك حتى تم إسقاطه قبل أن يحصل على دورة سادسة عام 2011. كذلك الحال كانت مع حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار الأسد في سوريا.

ثانيًا: تدجين المعارضة واحتواؤها وتقسيمها

فمن خلال السماح بقدر محدود من التنافس والمشاركة السياسية، فإن الأنظمة السلطوية تحاول تدجين القوى المعارضة واحتواءها سياسياً من خلال إعطائها بعض المقاعد البرلمانية، بحيث لا تؤثر على هيمنة النظام على البرلمان والحياة السياسية.

 

وقد كان نظام مبارك في مصر بارعاً في هذه المسألة، فقد كان هناك حرص دائم على إجراء الانتخابات البرلمانية بشكل دوري لمدة 30 عاماً، شهدت فيها البلاد 7 دورات انتخابية لمجلس الشعب أعوام: 1984، و1987، و1990، و1995، و2000، و2005، و2010، وفي جميع هذه الانتخابات لم تتمكن أية قوة أو حزب أو حركة سياسية من التأثير في الأجندة التشريعية للبرلمان.

كذلك تستخدم الأنظمة السلطوية الانتخابات من أجل تقسيم المعارضة، خاصة في ظل وجود انقسامات واستقطابات سياسية ومجتمعية حادة، وهو ما حدث أيضا في مصر وتونس والجزائر والسودان. فالأنظمة السلطوية تحكم عن طريق قاعدة "فرّق.. تسدّ"، وبذلك يضمن الطغاة عدم وجود جبهة معارضة واحدة قد تمثل تهديدا سياسيا لحكمهم.

ثالثًا: شراء الولاء وتوزيع المغانم على المؤيدين

فالانتخابات -أو بالأحرى عضوية البرلمان- تمثل جائزة كبرى للموالين والمؤيدين للنظام، حيث تضمن لهم تحقيق مكاسب مادية واجتماعية وسياسية عديدة، كما تسمح لهم بقدر مهم من النفوذ والهيمنة السياسية والمجتمعية. في حين تمنحهم حصانة قانونية تعطيهم غطاءً جيداً لعمليات الفساد والنهب والأعمال غير المشروعة التي قد ينخرطون بها. ولذلك يتقاتل هؤلاء أثناء الانتخابات من أجل شراء مقاعدهم البرلمانية. وفي أحيان كثيرة يتم توريث هذه المقاعد داخل الأسرة أو القبيلة أو الطائفة، كما هي الحال في مصر ولبنان والعراق وسوريا.

رابعًا: أداة لجمع المعلومات

يستخدم الطغاة الانتخابات أداة لجمع المعلومات عن التفضيلات والانتماءات السياسية لمواطنيهم، والتي يمكن استخدامها بعد ذلك من أجل السيطرة عليهم. وفي بعض الحالات، قد يستخدم هؤلاء القادة المعلومات لاستهداف الأفراد أو الجماعات الذين يُنظر إليهم على أنهم قد يشكلون تهديدًا للنظام، أو لتحديد المؤيدين المحتملين الذين يمكن مكافأتهم على ولائهم ودعمهم للنظام. وفي كثير من الأحيان تكون الانتخابات وسيلة جيدة لتخويف المواطنين الذين يعارضون النظام، فالتصويت لغير مرشحي السلطة قد يُفهم باعتباره معارضة وعصيانا وتمردا على النظام، مما يستوجب إيقافه حتى لا تتسع رقعة الرافضين والمعارضين.

خامسًا: وسيلة لاكتساب الاعتراف الدولي

وأخيراً، تمثل الانتخابات -ولو الشكلية والصورية- وسيلة مهمة لاكتساب الاعتراف الدولي بالنظام، خاصة لو أن هناك حضورا لمراقبين دوليين للانتخابات، حيث يمكن للطغاة إعطاء انطباع بأنهم ملتزمون بالعملية الديمقراطية ولو صورياً.

 

يدرك السلطويون جيداً أن المجتمع الدولي بحاجة إلى "صك اعتراف" بالشرعية، ولو شكلياً، وهو ما يتحقق من خلال إجراء الانتخابات بشكل دوري، حتى إن فاز الحاكم بها بنسبة 99.99%، وإن لم تكن هناك أية منافسة أو معارضة له. كذلك تساعد الانتخابات الدورية في تجنيب الأنظمة السلطوية أي شكل من أشكال العقوبات التي قد تحدث نتيجة لتأجيل أو إلغاء الانتخابات، وهو ما قد يؤدي أيضا إلى توقف أو ضعف جذب الاستثمار الأجنبي.

وهكذا تتحول الانتخابات من آلية ديمقراطية وظيفتها محاسبة الحكام والمسؤولين وضمان تداول السلطة، إلى وسيلة ناجعة لتوطين الاستبداد وإطالة أمد الأنظمة القمعية، كما هي الحال في كثير من البلدان السلطوية.


 

 

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)