ديفيد هيرست: القدس ستفجر المنطقة وبايدن تحول إلى نسخة من ترامب

profile
  • clock 29 مايو 2022, 10:03:00 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يبتعد الرئيس الأمريكي "جو بايدن" شيئا فشيء عن أجندته التي تعهد بها خلال حملته الانتخابية بما في ذلك إحياء الاتفاق النووي مع إيران، ويميل "بايدن" حاليا نحو دفع السعودية للتطبيع مع إسرائيل، وهو الأمر الذي لم يكتمل من "اتفاقات إبراهيم" التي أشرف عليها الرئيس السابق "دونالد ترامب".

وإذا ما تم هذا فسيكون من الصعب تمييز سياسة "بايدن" في الشرق الأوسط عن سياسة سلفه "ترامب". صحيح أن قطر لن تكون تحت الحصار، لكن أقصى العقوبات ستظل مفروضة على إيران، وسينصب كل اهتمام الولايات المتحدة على ارتباطات إسرائيل المتنامية مع دول المنطقة.

وبمرور الأيام يظهر أن إرث "ترامب" في الشرق الأوسط ما زال مستمرا. وبالرغم من إدانة "بايدن" للسياسات السعودية وتعهده بتحويل الممملكة إلى "دولة منبوذة"، فقد أصبح مستعدا الآن للتعامل مع المنبوذين، ويبدو كأنه يسير معصب العينين على خطى "ترامب".

ويعد أوضح مؤشر على ذلك ما فعله "بايدن" بهدف إحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه "ترامب" من جانب واحد قبل 4 أعوام. وكان نتاج 11 شهرا من المحادثات مع إدارتين إيرانيتين متعاقبتين أن تخرج الولايات المتحدة في نهاية مارس/آذار بما وصفه متحدث باسم الخارجية الأمريكية بـ"العدد الصغير من القضايا العالقة".

ومنذ ذلك الحين، يتعرض كبير المفاوضين الأمريكيين "روب مالي" لحملة انتقادات قاسية في وسائل الإعلام الأمريكية التي تعتبره خاضعا للغاية مع إيران. ورفض "بايدن" اقتراحه بإزالة تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية أجنبية، ويبدو أن الاتفاق بأكمله يتجه نحو الانهيار.

وفي آخر تصريح علني له، قال "مالي" إن فرص إبرام اتفاق أصبحت ضعيفة في أفضل الأحوال. وخلف الكواليس، يعرب "مالي" عن إحباطه الذي لا يعتبر أن المتسبب فيه إيران فقط.

إشارات متناقضة

وعلى الجانب الإيراني، توجد مخاوف من أن تتسبب قضية رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب في انهيار الاتفاق. ويكاد يكون هذا التصنيف بلاغياً لا أكثر، ولن يؤثر اتخاذ قرار برفعه في العقوبات التي تفرضها الخزانة الأمريكية على الحرس الثوري، والتي ستستمر على حالها.

لكن هذه ليست القضية الوحيدة، فالجانب الأمريكي ما زال يرسل إشارات متناقضة حول مسألتين أساسيتين في هذا الاتفاق وهما التحقق ورفع العقوبات. 

لنكن واضحين، فإيران كانت ستوافق بموجب هذا الاتفاق على شحن جميع اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى خارج البلاد مقابل الكعكة الصفراء الروسية. وفجأة توقف الجميع عن الحديث عن ذلك، فلا أحد يتحدث عن قدرة إيران على الوصول إلى "اختراق نووي"، وهو الأمر الذي قيل لنا إنه قد يكون على بعد أيام فقط. فإذا كان الهدف الحقيقي هو منع إيران من امتلاك القدرة على إنتاج قنبلة نووية، فهنا تبتعد الولايات المتحدة عن اتفاق يحرم طهران من هذه القدرة بشكل يمكن التحقق منه.

وإذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل قلقتين كما تدعيان بشأن احتمال تصنيع إيران لقنبلة، والانتشار النووي اللاحق في الخليج، فلماذا ينسحب أحدهما ويصفق له الآخر على ذلك؟

ومن المثير أن الصحفي المطلع "باراك رافيد" قال إن أحد كبار ضباط الدفاع الإسرائيليين اللواء المتقاعد "درور شالوم" أخبر مسؤولي الخارجية الأمريكية أثناء زيارة أخيرة أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ عندما انسحبت من الاتفاق الإيراني في عام 2018. وقال "شالوم" إن الانسحاب الأمريكي جعل إيران أقرب إلى امتلاك سلاح نووي.

وإذا اتبعنا هذا المنطق، فلماذا لا ترغب الولايات المتحدة وإسرائيل في توقيع الاتفاق كما هو الآن؟

بالطبع، يمكن للإيرانيين الآن أن يقولوا إن برنامجهم النووي كان حجة تذرع بها الغرب لفرض العقوبات، وذلك أن الغاية الحقيقية من تلك العقوبات هو إحداث تغيير في النظام داخل إيران. ولا أعتقد، بناء على هذا الدليل، أنهم مخطئون فيما يذهبون إليه.

تيران وصنافير

لكن الاتفاق التي تم تعليقه مع إيران ليس العلامة الوحيدة على تحول سياسة "بايدن"، بل دخل مسؤولو إدارته على قضية نقل جزيرتي "تيران وصنافير" من مصر إلى السعودية.

وعندما قررت مصر قبل 5 أعوام نقل ملكية الجزيرتين إلى السعودية، اندلعت الاحتجاجات في القاهرة، وأثارت هذه الخطوة غضب المصريين الذين اعتبروا الصفقة بمثابة تنازل عن الأرض مقابل استمرار الدعم المالي لنظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي".

وفي البداية، لم يتدخل الأمريكيون في هذه القضية أما الآن فهم ضالعون فيها، وليس أي أمريكان، وإنما مسؤول  بحجم "إنهبريت ماكجورك"، منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، والذي حسبما يصفه الناس الذين يعرفونه جيداً ويعملون معه "يضرم النار بالبيت ثم يظهر وبيده خرطوم المياه لإطفاء الحريق".

وبحسب ما ورد، يقود "ماكجورك" محادثات سرية بين السعودية وإسرائيل ومصر بشأن نقل ملكية الجزيرتين.

وتتحكم الجزيرتان بمضيق تيران، وهو ممر مائي حيوي يفضي إلى ميناء العقبة في الأردن وميناء إيلات في إسرائيل. وتم نزع السلاح من الجزيرتين بموجب معاهدة السلام التي أبرمت في عام 1979 بين إسرائيل ومصر، والتي تمنح إسرائيل صلاحية البت في العمل المستمر لقوة حفظ سلام متعددة الجنسيات مهمتها مراقبة الجزيرتين لضمان بقاء الممر المائي مفتوحاً.

ويقال إن إسرائيل لديها شروطها الخاصة، فهي تريد من السعودية السماح لخطوط الطيران الإسرائيلية بالعبور من الأجواء السعودية لاختصار رحلاتها الجوية إلى الهند وتايلاند والصين، وكذلك السماح برحلات جوية مباشرة بين إسرائيل والمملكة لنقل الحجاج المسلمين إلى كل من مكة والمدينة.

ويدفع كل هذا بسرعة في اتجاه التطبيع السعودي مع إسرائيل، الجوهرة التي لا تزال مفقودة في تاج "اتفاقات إبراهيم".

تهميش الفلسطينيين

وكما هو معروف الآن، وضع ولي العهد وملك السعودية المستقبلي "محمد بن سلمان" التطبيع مع إسرائيل كهدف أساسي في سياسته الخارجية.

وكان استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بنيامين نتنياهو" في اجتماعات سرية هو طريق الأمير الشاب لتلميع اسمه في البيت الأبيض وبناء علاقة مع أسرة "ترامب".

إلا أن والده، الملك "سلمان"، مازال متمسكا بمبادرة السلام العربية التي تقدمت بها المملكة قبل أكثر من عقدين وماتزال تفتخر بها، وهي المبادرة التي تتعهد باعتراف عربي بإسرائيل ولكن شريطة أن تتوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين.

وكانت هذه آخر فرصة جادة للتوصل إلى اتفاق سلام إقليمي لكن تم تجاهلها من قبل إسرائيل. ثم جاءت "اتفاقيات إبراهيم" لتقلب المبدأ رأساً على عقب من خلال تهميش الفلسطينيين الذين لم يعد لمصيرهم أي اعتبار في الصفقات التي أبرمت مع إسرائيل من قبل كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

وحاليا فإن "بايدن"، الذي بدأ عهد إدارته بترديد ما كان لدى الملك "سلمان" من مخاوف تجاه "اتفاقيات إبراهيم"، يبدي وبشكل متزايد رغبة في التقارب مع نجله "محمد بن سلمان". لكن من غير المرجح أن تنجح تلك المناورة، فلا تزال المملكة تصر على بقاء روسيا شريكة في  ترؤس "أوبك +"، كما أن "بن سلمان" لن يفوت فرصة لاحت أمامه لإبقاء "بايدن" معلقاً.

وفي زيارته القادمة لإسرائيل والخليج، سيقوم "بايدن" بالطقوس المتعارف عليها، ويلتقي بالرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، الذي يرفض التقاعد أو السماح للفلسطينيين بإجراء انتخابات حرة.

لكن الهدف الحقيقي لهذه الزيارة ليس الإبقاء على الوهم القائل بإمكانية استئناف المحادثات بين قيادة فلسطينية ميتة ومؤسسة سياسية إسرائيلية ترفض التفكير في إقامة دولة فلسطينية، بل هو الضغط من أجل التطبيع السعودي مع إسرائيل.

هوة متسعة

ولم تكن الفجوة بين هذا النوع من التصورات والواقع على الأرض بهذا الحجم من قبل. ولم يُعط أي سعودي أو فلسطيني أو مصري كلمة في الاتفاقات التي يتم إبرامها رغم أنوفهم، والتي سيكون لها تأثير عميق على حياتهم، وربما يلقى قادتهم نفس مصير "معمر القذافي" حين يواجهون حشودا من الشعب.

وفي الأشهر الأخيرة، قُتل 14 إسرائيليا على أيدي مهاجمين منفردين لا ينتمون إلى الجماعات الفلسطينية المسلحة. وهذا العدد أكثر من الذي قتلتهم صواريخ "حماس" خلال الحرب الإسرائيلية على غزة العام الماضي.

الواقع بالنسبة للجيل الجديد من الفلسطينيين لا يتعلق بأي زعيم سيصوتون له ولا بما يعلقونه من آمال على قدرة هذا الزعيم على ضمان قيام دولة فلسطينية. ولا يعني تعيين مسؤول كبير في "فتح"، مثل "حسين الشيخ" كخليفة محتمل لـ"عباس"، شيئا بالنسبة لهم. فمؤهلات "حسين الشيخ" للوصول إلى السلطة – أنه كان وزيراً مكلفاً بالتنسيق الأمني مع إسرائيل – هي نفسها السبب الذي من أجله يستحيل أن يحصل على ثقة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.

والخيار الوحيد المتبقي لهم هو أي شكل من المقاومة ضد الاحتلال. وليس لديهم أمل في تحقيق التحرير بأي وسيلة أخرى. لذا فإن خيارهم هو واحد من اثنين لا ثالث لهما إما الموت الآن بسرعة في الهجمات على المستوطنين أو الجنود الإسرائيليين أو الموت ببطء تحت نير الاحتلال.

ولا تمتلك إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أي دولة عربية القدرة على التكلم بلسان الفلسطينيين الآن، وقد رأوا أن مجرد نقل أحداث الصراع، كما فعلت "شيرين أبوعاقلة"، عقوبته رصاصة من قناص إسرائيلي تستهدف رأسك.

وأن تسير في جنازتها وأن تشيعها إلى مثواها الأخير يعني أن تتعرض للضرب وإطلاق الرصاص على يد قوات الشرطة الإسرائيلية. وأن ترفع العلم الإسرائيلي يعني منح رخصة لاستخدام القوة الفتاكة من قبل من يحظون بحراسة قوات الشرطة الإسرائيلية أثناء تنظيمهم مسيرات داخل الأحياء الفلسطينية وهم يرفعون الأعلام الإسرائيلية.

أما "بايدن، فعندما طُلب منه على وجه التحديد إدانة هجمات الشرطة على حاملي النعش، فقد رد على غرار "ترامب" قائلا: "لا أعرف كل التفاصيل، لكنني أعلم أنه يجب التحقيق فيها".

قنبلة أكثر قوة

وعندما ووجه "ترامب" بأدلة على أن "بن سلمان" أمر بقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، صدر عنه شيء مشابه حيث قال: "من المحتمل جدا أن ولي العهد كان على علم بهذا الحدث المأساوي، ربما فعل ذلك وربما لم يفعل! قد لا نعرف أبدا كل الحقائق المتعلقة بمقتل خاشقجي".

ويتعمد كلا الرئيسين الأمريكيين غض الطرف عن تلك الجرائم من أجل الحفاظ على التحالف مع أقل القوى استقراراً في الشرق الأوسط: إسرائيل والسعودية. لكن إلى أي مدى يمكن لـ "بايدن" أن يغض الطرف عن الأحداث التي على وشك أن تنفجر في القدس؟

ويوم الأحد، سينظم الإسرائيليون مسيرة كبيرة تجوب الحي الإسلامي في البلدة القديمة، فيما يعرف باسم "مسيرة الأعلام بالقدس". وأشعل العرض نفسه العام الماضي حربا مع غزة واشتباكات بين عصابات المستوطنين والفلسطينيين في مدن المختلطة في جميع أنحاء إسرائيل.

وللقدس تاريخ طويل في إشعال فتيل الحروب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الحروب الصليبية وحرب القرم. إن إجراءات مثل تهويد القدس الشرقية المحتلة، وما بات الآن مداهمات أسبوعية تقوم بها الشرطة الإسرائيلية داخل المسجد الأقصى، والمطالبات بتفكيك قبة الصخرة، والاعتداءات على الفلسطينيين الذين يلوحون بعلمهم الوطني؛ كل ذلك يجعل من المدينة قنبلة أخطر بكثير من برنامج التخصيب النووي الإيراني.

ومع قرار "ترامب" نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وما تلاه من رفض إدارة "بايدن" الوفاء بوعدها بإعادة فتح قنصليتها للفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة، فإن هذا يترك واشنطن غير قادرة على كبح خطط إسرائيل في المدينة المقدسة.

لقد أُخذت السياسة الخارجية للولايات المتحدة على حين غرة في مناسبات عديدة خلال العقود الثلاثة الماضية. وفوجئت الولايات المتحدة بنتائج غزوها للعراق. وفوجئت بالسقوط المفاجئ لكابل في أيدي "طالبان". وفوجئت بغزو الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لأوكرانيا. إلا أنك لن تجد عاقلاً يزعم بأنه سوف يفاجأ باندلاع انتفاضة ثالثة حول القدس، وما ينبغي أن يفاجئ ذلك إدارة "بايدن".

لقد استغرق الأمر 16 شهرا فقط قبل أن يتحول "بايدن" إلى نسخة من "ترامب" في الشرق الأوسط. ولو كان "نيرو" على قيد الحياة اليوم، لتبسم وهو يرى "بايدن" يعبث بينما تحترق القدس.

 

المصدر | ديفيد هيرست | ميدل إيست آي

التعليقات (0)