د. الشفيع خضر سعيد يكتب: جبهة مدنية واسعة ضد الحرب في السودان

profile
  • clock 26 يونيو 2023, 5:41:50 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أعتقد، من الضروري جدا فهم طبيعة الحرب التي تحرق الآن مركز البلاد وأطرافها، وتهدد الكيان السوداني برمته. فمن وجهة نظري، لا يمكن إختزال أسباب هذه الحرب في مجرد ما يقال في الميديا العالمية عن الصراع بين الجنرالين على السلطة، مثلما لا يمكن إرجاع أسبابها لخلافات شخصية ممتدة بين البرهان وقادة المكون العسكري من جهة، وحميدتي وقادة الدعم السريع من جهة أخرى، أو للخلاف حول مسألة الدمج والإصلاح الأمني والعسكري كما جاء في الوثيقة الإطارية. صحيح أن أيا من ذلك ربما يمثل أحد الشعيرات الدقيقة المكونة لهذا الفتيل أو ذاك من فتائل إشعال الحرب، لكن الركون إلى أنه هو السبب الوحيد أو الرئيسي للإشعال، فهذا قصر نظر مخل، وقد يصل حد الابتذال. فالحرب المدمرة والملعونة هذه، تمثل في أحد أوجهها تجليا بشعا للأزمة الوطنية العامة التي ظلت تعصف بالبلاد منذ فجر الاستقلال، والمتعلقة بفشلنا في التصدي لأسئلة التأسيس وفي بناء دولة ما بعد الاستقلال الوطنية، إما تجاهلا أو بتقديم الإجابات الناقصة أو الخاطئة التي لا تعبر عن واقع التنوع والتعدد، والتي تأتي على عكس تطلعات وأحلام مكونات فسيفساء بنية وتركيبة المجتمع السوداني. وفي أحد أوجهها الأخرى، اندلعت الحرب للقضاء على ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، مستغلة حقيقة أن إنتصار الثورة كان جزئيا وغير مكتمل ما دام توقف عند الإطاحة برأس سلطة تحالف الاستبداد والفساد، أو غطائها السياسي، بينما جسد هذا التحالف ظل باقيا ينخر في عظام الثورة وينسج خيوط غطاء سياسي بديل، لينقض ويحكم من جديد بقوة الدم المسفوح. وكان واضحا، أنه حتى إذا لم يتمكن جسد هذا التحالف من استرداد السلطة، فلن يهمه أن تدخل البلاد في نزاع دموي شرس، سيكتسب الديمومة بفعل عدد من العوامل الداخلية والخارجية. فداخليا، من الصعب على تحالف الفساد والاستبداد أن يبتلع ضياع ما راكمه من ثروات ضخمة خلال الثلاثة عقود الماضية. وهي ثروات لم تُجن بكدح عرق الجبين أو بتدوير رأسمال متوارث، وإنما باستغلال يد السلطة في نهب موارد البلاد وأحلام مستقبل شبابها.

الفهم الصحيح لطبيعة هذه الحرب سيساعدنا كثيرا في تقييم دور المجتمع الدولي والإقليمي وتبيان حقيقة إن كانا فعلا قادرين على إيقافها ومنع تجددها، أو بصورة أكثر دقة، تبيان حدود إمكانية أي منهما

ومع حقيقة أن الحكومة الانتقالية فشلت في أن تمس هذه الثروات التي ظل يجري استخدامها في التحضير الجدي للانقضاض على الثورة، وحقيقة أن الجرائم البشعة التي أرتكبت خلال عقود الإنقاذ الثلاثة ثم إبان حراك الثورة وعقب إنقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ظلت دون مساءلة أو عقاب، بل ظل مرتكبوها يتبوأون مواقع السلطة، وفي ظل تعدد الجيوش في البلد، ووجود مجموعات مسلحة ضمن هياكل السلطة الانتقالية، تدين بالولاء لتحالف الفساد والاستبداد، وعقيدتها القتالية الانتقام من الشعب ومن ثورته، كان من الصعب تجاهل إمكانية إنقضاض هذا التحالف على الثورة. وعزز من هذه الإمكانية، استقطابات المحاور الخارجية وحربها بالوكالة على أرض السودان، حيث بعضها ظل يواصل تمتين علاقاته مع مجموعات واسعة تتشارك الرؤى وعموميات الفكرة، بهدف خلق غطاء سياسي جديد يعمل على الاستفادة القصوى من جسد تحالف الفساد والاستبداد الذي لا يزال متمكنا في مفاصل الدولة، تمهيدا للانقضاض على الثورة. والبعض الآخر، في الموقع المضاد في ميدان الحرب بالوكالة، ظل يجتهد للانتصار لمصالحه، معلنا إنحيازه للثورة، لكنه ظل يستخدم تكتيكات أضرت كثيرا بالثورة. الإدراك الصحيح لطبيعة هذه الحرب، وهي بالمناسبة لا تقتصر على النقطتين المذكورتين أعلاه، من الأهمية بمكان حتى يمكننا وضع تصور واضح أو إجابات محددة لكيف ستتوقف ومتى.
والفهم الصحيح لطبيعة هذه الحرب سيساعدنا كثيرا في تقييم دور المجتمع الدولي والإقليمي وتبيان حقيقة إن كانا فعلا قادرين على إيقافها ومنع تجددها، أو بصورة أكثر دقة، تبيان حدود إمكانية أي منهما والتي تكاد تقتصر على الإمكانات الفنية في وقف الإقتتال دون إزالة مسببات وجذور الحرب. فإزالة المسببات والجذور هذه تقع على عاتقنا نحن، القوى المدنية السودانية. نحذر هنا من أن حديثنا هذا لا يفهم منه التقليل من هذه الإمكانات الفنية، بل هي ضرورية ونطلبها بشدة ما دمنا لا نملك لوقف الاقتتال سبيلا غيرها. لكن، من الضروري هنا الإشارة إلى ما نلحظه في المنابر الدولية والإقليمية من تنافس بل وتناقضات أحيانا، ومحاولة بعضها إقصاء الآخر أو خطف الملف منه، فهذا قطعا سيقلل من فاعلية هذه المنابر تجاه لعب دور رئيسي في وقف الحرب في بلادنا، بل ستجعلنا ننظر إليها بعين الريبة والشك في مراميها وأهدافها. وهذه المنابر إذا ما أرادت فعلا مساعدة الشعب السوداني للخروج من محنته الراهنة، فلابد من نبذ تعددها، والعمل على توحدها، أو على الأقل، التنسيق فيما بينها، وهذه المهمة قطعا لسنا نحن المنوطين بالتصدي لها أو الخوض في تفاصيلها، وإنما هي مسؤولية أطراف هذه المنابر والمنصات التي تنطلق منها.
أما المسؤولية الأكبر في وقف الحرب، فتقع تعلى عاتقنا نحن السودانيين. وكون أننا، ومنذ اندلاع الكارثة قبل ثلاثة شهور، لم ننتظم حتى اللحظة في أوسع جبهة مدنية ضد الحرب والتدمير الممنهج لبلادنا، فهذا خلل لا يغتفر، وتقاعس يكاد يقترب من جريمة إشعال الحرب. ومن هنا، لابد من الانتظام الفوري لكل الكتل والتنظيمات والمجموعات والمبادرات والأفراد السودانية الرافضة للحرب، في بنيان تنظيمي واضح المعالم من لجان ومجموعات عمل داخل السودان وخارجه، تنسق فيما بينها، وتنسق كذلك مع الجهود الدولية والإقليمية الرامية لوقف الحرب. كما لازلنا عند رأينا حول أهمية تشكيل آلية قومية تضم القوى السياسية والحركات المسلحة والمجتمع المدني والمرأة ولجان المقاومة والشخصيات الوطنية، بإستثناء أزلام النظام البائد، لاستعادة مسار الثورة ولاختيار قيادة الفترة الانتقالية على أساس الكفاءة والقدرة السياسية والتنفيذية، وبعيدا عن المحاصصات السياسية، ثم تواصل الآلية الإطلاع بمهام التشريع والرقابة والمحاسبة.

كاتب سوداني

كلمات دليلية
التعليقات (0)