د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: في ذكرى سيف القدس…انتصر برنامج المقاومة

profile
د. محمد إبراهيم المدهون كاتب ووزير فلسطيني سابق
  • clock 29 مايو 2022, 11:51:06 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تعقيباً على ملحمة العزة " سيف القدس " ولىَّ نتنياهو هارباً ولم يعقب. "المشكلة الرئيسة أن البنية العسكرية للمقاومة في قطاع غزة تمثّل مشكلة استراتيجية "لإسرائيل"، والمعضلة هي تعطيلها فضلا عن تدميرها أو سحبها. وبعد وقت قصير نرقب اعترافات نتنياهو مجرم العدوان  المتكرر على غزة، ليقول وبالفم الملآن "هزمنا" كما قالها من قبله أولمرت وشارون ورابين.

في عوامل النصر والهزيمة يمكن العمل على إسقاط منطقية التحليل الاستراتيجي لتقييم نتائج عدوان سيف القدس بأسلوب علمي ومنهجي، بدايةً لابد من توضيح الاشتباه حول إشكاليات المعاني لتقييم المعارك والحروب سواء النصر أو الهزيمة، والنجاح أو الفشل. فالانتصار مفهوم عسكري في كينونته يوحي بتمكن أحد الطرفين المتحاربين من عدوه، وهزم إرادته، وتغير الواقع السياسي والعسكري الذي كان قائماً. بينما الهزيمة مفهوم عسكري في كينونته يوحي بالانكسار، وفقدان الإرادة والرغبة في القتال والاستسلام للطرف المنتصر، والقبول بشروطه مهما كانت مجحفة. أما النجاح مفهوم مدني في كينونته يوحي بالقدرة على اجتياز عقبة كبيرة كانت تعترض الطريق، وعملية النجاح في المفاهيم العسكرية هي عملية تراكمية تؤدي في النهاية لتحقيق الانتصار. بينما الفشل مفهوم مدني في كينونته يوحي بالعجز عن اجتياز عقبة كان يفترض اجتيازها، مما يؤدى إلى بقاء الأوضاع السياسية والعسكرية على حالها دون تغير جوهري. والإخفاق في تحقيق الانتصار المطلوب، لا يمكن أن نسميه هزيمة لأنه لم يترتب عليه تغير الواقع السياسي والعسكري.

على صعيد الأهداف سيف القدس فإن من الواضح أن المقاومة قد انتصرت حيث حققت أهدافها وفي القلب من ذلك بتاء معادلة القدس في قلب المعركة بينما فشل العدو في تحقيق أهدافه. كان التركيز الإسرائيلي على الهدف الاستراتيجي بتغيير معادلة القوة العسكرية، بل الوجود المعنوي الذي يمثل الخطورة الحقيقية على الاحتلال والمشروع الغربي في المنطقة.

وحيث أن حماس حركه مقاومة وطنية، لها امتدادات فكرية وجماهيرية واستمرار حكمها وإحداثها تحولات استراتيجية في معادلة الاشتباك مع الاحتلال أصبح ملهماً وفجَّر ثورة الشعب الفلسطيني في كل مكان.

وعلى صعيد آخر يدرك قادة الاحتلال حجم التغيير الذي ترتب على إدراج القدس في أجندة المقاومة وما يمثله ذلك من رمزية وموقف سياسي متقدم وتأثير ذلك على مشهد المقاومة في الضفة والقدس وفلسطيني 48 وليس على قاعدة أوسلو وبرنامجها المتهاوي. وأيضا سيف القدس أسقطت نهائيا استراتيجية الإقصاء والإلغاء لحماس والتي مورست ضدها شروط الرباعية التي تحولت إلى تأييد ميركل مفاوضات مع حماس بشأن الصراع في الشرق الأوسط، وافتعال الأزمات الداخلية بتخطيط منفق عليه وتنفيذ عناصر فلسطينية في أكثر الأحيان ولم يتم الإنجاز. فكان لابد لإسرائيل من العمل المباشر، فبدأ مسلسل الحصار الاقتصادي وإغلاق المعابر، ومن ثم لم يكن من خيار أمام الكيان إلا استخدام القوة العسكرية المباشرة لإنهاء حكم حماس في جولات متصاعدة العنف والقسوة لن يكون اخرها سيف القدس.

المبادأة بصواريخ القدس وعدم قدرة جيش الاحتلال تأمين الجبهة الداخلية لأي منطقة جغرافية لدولة الكيان. وبدلاً من تحقق ذلك استمرت صواريخ المقاومة في التساقط حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار وتهديد أبي عبيدة الأخير بإغراق كل أرضنا المحتلة بالصواريخ في كل أرضنا المحتلة في لحظة واحدة حال أخل الاحتلال وما كشفه ما خفي أعظم عن رشقة 362 صاروخ، وتوسعت "بقعة الزيت اللاهب" وزاد مدى الصواريخ وتضاعف عدد الصهاينة في الملاجئ إلى الملايين وأغلقت المطارات ومحطات الغاز والقطارات والفنادق وأصبحت الصواريخ تطال بقوة تدميرية ودقة وسرعة كل أرض فلسطين المحتلة.

ومن هنا فإن الاحتلال لم يحقق أيٍ من الأهداف الاستراتيجية، سواءً بإخراج القدس من المعادلة، أو بإعادة توازن الردع المفقود. وكذلك لم ينجز الأهداف التكتيكية سواءً إيقاف إطلاق الصواريخ الفلسطينية على المغتصبات داخل فلسطين، أو منع تطور المقاومة.

وعلى صعيد المقاومة فقد كانت أمام خيارين إما الهزيمة: وهو ما كانت تشير إليه كل المعطيات المادية والعسكرية والسياسية، والتي كانت تقدر أن يتمكن الاحتلال من ردع حماس وبالتالي هزيمتها.  أو النجاح: هو ما كانت تسعى إليه حماس، ولسان حالها التحدي والصمود في وجه العاصفة وهذا ما حدث بالفعل. فقد حققت المقاومة شيئاً من أهدافها الاستراتيجية وذلك بالتمسك بالثوابت الفلسطينية وإدراج القدس بقوة في معادلة الصراع، والعمل على إعادة الصراع إلى أصله وعمقه الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي. وتحقق إنجاز تاريخي بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وكسر الحصار ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني والانتصار البيٍّن في سيف القدس.

المقاومة انتصرت، وكان لهذا الانتصار التاريخي ملامح كثيرة، أهمها ملامح عسكرية تمثلت في إيلام الاحتلال وكي وعي شعبهم إدارة الجبهة الداخلية، وصمود المقاومة على الأرض رغم قلة العتاد والعدة مقارنة بالاحتلال، بقى الجيش الذي لا يقهر تائهاً مرتبكاً نعم إنها بواكير المعارك على أرض فلسطين ولذلك دلالة كبرى، ولم يحدث الاستسلام المنشود رغم حجم كمية المتفجرات التي تم إلقاءها على غزة وتحقق نصر مبين في جولة سيف القدس. وتحققت استراتيجية المقاومة على الأرض بدون خسائر فادحة وذلك بتحقيق الصدمة الأولى للعدو مع الحفاظ على القيادة والضبط والسيطرة والروح المعنوية العالية. وصاحب جمبع جولات العدوان وشراسته مع عدم تحقيق الأهداف وذلك يمثل خسارة ذات مغزى حيث صرح أحدهم انهزمنا استراتيجياً في غزة"، حيث غدا 6 مليون إسرائيلي في الملاجئ وقصفت تلابيب بل أصبحت مستباحة وسحقت صورة الجيش الذي زعموا أنه لا يقهر.

كما كانت هناك ملامح شعبية للانتصار تمثلت في الثبات والطمأنينة والهدوء الشعبي، وازدياد شعبية المقاومة وبرنامجها والقدس وغزة وفلسطين مما ولّد أفكاراً جديدة إبداعية لنصرة القضية علاوة على إحياء القضية في قلوب الملايين " الشارع في العالم انتفض تأييداً لشعبنا" وغدت غزة ملهمة وأصبح عام 2021م هو عام له بصمة خاصة في التحول الاستراتيجي الذي تشهده القضية الفلسطينية.

علاوة على ذلك الاحتضان الشعبي الرسمي للمقاومة وتكريسها كبرنامج شعب يأبى الهزيمة ويحارب التنسيق الأمني.

أما الملامح السياسية للانتصار فقد تمثلت في تحقيق مكسب سياسي متمثل في القدس، وتقديم ضربة لمشروع التسوية في المنطقة، إعلان وقف إطلاق النار من الاحتلال من جانب واحد والتوقيع على شروط غزة دون تحقيق أيٍ من شروطه أو أهدافه، أيضاً الاعتراف بحماس لاعباً أساسياً في الإقليم، المسارعة الدولية لإنقاذ المشروع الصهيوني. وصاحب ذلك تزابد الحضور لقيادة المقاومة الرسمي والشعبي، وتزابد الدور السياسي لجهات مثل التركي والمصري والقطري وتعزيز علاقتها مع فلسطين القضية، تعزيز تيار المقاومة في الدول العربية وإذلال فريق التطبيع، إضعاف حلف اليهود والمنافقين، ولتعزيز ذلك أدعو إلى تحقيق نصر سياسي قانوني بإطلاق أكبر مشروع للمحاكمات الدولية وعلاوة على كل ذلك كانت الهزيمة الأخلاقية للاحتلال بقتل الأطفال والنساء وتدمير البيوت فوق رؤوس أهلها.

وأخيرا بعد عام على " سيف القدس " صمت القبور لفَّ قادة الكيان وأحجار الدومينو ستواصل السقوط بنتنياهو وغانتس وبينت قريبا وتوسع القطاع براً وبحراً بمفهوم نسبي. وما تحقق في غزة ترسيخ مقومات الصمود والثبات، ووضع حجر الأساس لمرحلة الانتصار الكبير، وبعثر معادلات الساسة، وكان ذلك أكثر من مجرد انتصار.

والسؤال الآن هل سيكرر الاحتلال التجربة بالعدوان مجدداً على القدس والأقصى؟ أتوقع ليحاول من خلالها رد الاعتبار وبعثرة نتائج النصر المذهلة في سيف القدس.

إن لكم يا شعب فلسطين مع هذا العدو جولات ستسجل نقاطاً إضافية في ملحمة التحرير المستمرة.

وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)