شريف عبدالبديع عبدالله : ماذا لو فشل انقلاب يوليو 52؟

profile
  • clock 25 يونيو 2021, 6:44:14 م
  • eye 908
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

سألني صديق قائلآ: هل تعتقد أنه كان من الأنسب تاريخيآ لمصر, لو أنها أكملت  سبيل الحياة النيابية دون الحاجة الي نظام الحكم الفردي والحزب الواحد, وبشكل رأسمالي دون الحاجة الي الإصلاح الزراعي والتأميم, فقلت له إن الأمر يحتاج الي جلسة عصف ذهني مكثف. 

وبداية لابد من ضبط المصطلحات (حكم ليبرالي ماذا يعني ؟ ) هل كان النظام السياسي من 1923-1952 حكمآ ديمقراطيآ كما يزعم البعض ؟ 

حين كان علم السياسة يدرسه القانونيون (علم ما ينبغي أن يكون ) كان يعطي دلالات خاطئة لتوصيف أي ظاهرة سياسية ,إذ أنه يقوم علي قاعدة (ماينبغي أن يكون ) دون دراسة لحقائق القوة علي الأرض ,وتحليل الظاهرة السياسية بشكل سليم, حتي قام علم السياسة الماركسي مستخدمآ منهج الديالكتيك والصراع الطبقي بكشف وتحليل الظواهر السياسية, بادئآ من تعريف الطبقة , والملكية الخاصة ,و الدولة والحزب السياسي وطريقة الحكم.

ثم جاء في الستينيات ما عرف بالمدرسة السلوكية لدراسة علم الاجتماع السياسي ,متفقة مع علم السياسة الماركسي وإن تغيرت المصطلحات.

الأمر ببساطة أن الدولة هي تعبير عن الطبقة المالكة للثروة ومنذ نشأة الدولة بشكلها المعروف .

والحزب السياسي هو تنظيم يعبر عن مصالح طبقة ما, يهدف للوصول الي السلطة, ويمارس التنشئة السياسية,والتجنيد, والتثقيف للإعضاء وكوادره مما يؤهلهم لإستلامهم السلطة حال الوصول إليها. 

في العام 1922 حصلت مصر علي إستقلال  إسميي من الإمبراطورية البريطانية, وتم تغيير إسمها من سلطنة (1914-1922 سلطنة ) وتحولت الي مملكة منذ العام 1922-1953 حتي تم إلغاء الملكية.

جاء مجلس النواب المصري في العام 1923 تعبيرآ عن حقيقة الإوضاع, إذ حصل حزب الوفد (حزب الحركة الوطنية المصرية ) علي الأغلبية وشكل الوزارة 

ولكن تأتي المفارقة هنا أن الحزب (الذي يمثًل كبار الملاك والإقطاعيين ) طيلة الربع قرن من التجربة الليبرالية لم يحكم مصر سوي ست سنوات منفصلة .

1926-1928 ثم يقوم الملك صاحب الصلاحيات الواسعة طبقآ لدستور 1923 بعزل الوزارة ثم 1936-1937 ويعزل ثم 1942-1944 حين جاء محمولآ علي دبابات الإحتلال البريطاني والمرة الأخيرة 1950-1952

أي أن احزاب الأقلية حكمت مصر طيلة تلك الحقبة الليبرالية اثنين وعشرين عامآ في حين حكم الوفد ست سنوات منفصلة كما رأينا .

هل يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية والوطن كله تحت الإحتلال البريطاني ؟ 

هل يمكن الحديث عن ديمقراطية في وقت كانت نسبة الأمية لدي المصريين 80% من نسبة السكان ؟ وفي الوقت الذي يملك الإراضي الزراعية والثروة في مصر 7000 شخص 900 فقط هم من يحملون الجنسية المصرية وبنك باركليز البريطاني  يستحوذ علي 56% من الودائع؟

هل يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية و45% من سكان مصر يعانون من البلهارسيا, ونسبة كبيرة تعاني من أمراض متوطنة أخري, يأتي طلبة كليات الطب في العالم كله لدراستها حيث أنها ليست موجودة إلا في مصر, بالاضافة الي أمراض العيون ويكفيك أن تعرف أن خطاب العرش لإي رئيس وزارة  يكون مضمونه  تعهده  بمحاربة الحفاء .

46% من المصريين كانوا يعانون من البطالة وعجز الميزانية في ميزانية 1951-1952 هو 39 مليون جنيه مصري 

إذن نحن نتحدث عن مجتمع نص في المائة منه يملكون 90% من ثرواته فيما يعيش الأغلبية في فقر وجهل ومرض, هل يستطيع أي نظام سياسي أن يعيش وفيه كل هذه التناقضات, ناهيك أنه تحت الإحتلال الأجنبي.

المتغير الأكبر الذي طرأ علي النظام هو قيام الكيان الصهيوني في 15 مايو 1948

إذ أن مستشاري البلاط الملكي ألقوا في روع الملك العابث أن إنشاء الكيان يستهدف مصر بعزلها عن مجالها الحيوي, وأنه يمثل تهديدآ لمصر ويشكل خطرآ داهمآ علي أمن القومي المصري, ونصحوه بخوض الحرب وبالفعل تدخل الجيش المصري.

إنتهت الحرب في بهدنة رودس فبراير 1949  وبهزيمة الجيش المصري والجيوش العربية الأخري وكذلك انتهت بإستيلاء الصهاينة علي أم الرشراش وتحويلها الي ميناء إيلات مارس 1949 .

في إعتقادي أن بريطانيا العظمي هي التي أوحت الي العروش العربية في البلدان الواقعة تحت إحتلالها أن تدخل حرب فلسطين (وهي واثقة من هزيمتها ) حتي تجنب هذه العروش غضب الشعوب العربية, أي أن التدخل كان بإيعاز بريطاني ذرآ للرماد في عيون الشعوب العربية الغاضبة ,حتي لا تثور علي العروش الفاسدة التي يهم بريطانيا الحفاظ عليها ( شرق الأاردن ومصر والعراق )

والدليل علي ذلك أن قائد الجيوش العربية كان بريطاني (الجنرال جلوب باشا ) والتسليح الذي يناسب جيوشآ تمشي في إستعراضات شرفية كان بريطانيآ .

في حين أن ان الصهاينة كونوا ما يسمي الفيلق اليهودي في الحرب العالمية الثانية وطعموا جنودهم بالنار والخبرات اللازمة .

وكان عدد القوات الصهيونية 98 ألف جندي في حين أن مجموع الجيوش العربية كان 46 ألف جندي فقط

المتغير الثاني الذي حدث بعد العام 1946 هي الفضائخ في الأسرة الحاكمة بدءآ من فضائح الملك الشخصية وطلاقه من فريدة ثم فضائح الملكة الأم (نازلي وبناتها ) 

ترصد الوثائق البريطانية والأمريكية والفرنسية عن مصر في تلك الحقبة ,أن غضبآ متزايدآ في صفوف الشعب من ذلك الظلم الإجتماعي المتزايد,  وكذلك من العبث بالدستور والقانون والإنتخابات, وكذلك الإحتلال البريطاني .

دعني اتخيل الوضع لو أن دفعة 1936 لم تلتحق بالجيش (دفعة جمال عبد الناصر والذي كانوا معه ) 

يقوم الإحتلال البريطاني بعزل الملك فاروق وتعيين ولي العهد الإسبق محمد علي إبن الخديوي توفيق حكم مصر .

يظل الأمر علي ماهو عليه من وجود بريطاني في قناة السويس بمقتضي إتفاقية مع حزب الحركة الوطنية (الوفد ) بعد إختراقه بكبار ملاك الإراض الزراعية ,أو يقوم الإحتلال بتشكيل حزب سياسي يكون بديلآ عن الوفد .

تظل قناة السويس تحت ملكية شركة قناة السويس العالمية مع زيادة حصة مصر من مليون جنيه سنويآ الي أكثر قليلآ. 

يتم الإتفاق علي إبرام أتفاق سلام بين مصر والكيان الصهيوني بعد إجتزاء جزء من سيناء لتوطين الفلسطنيين وتوسيع قطاع غزة ليكون (كانتونآ ) يمثل دويلة فلسطينية 

وتظل الثروة تتركز في يد الأسر الإقطاعية والتي بطبيعة الحال سوف تستثمر فائض ارباحها في التصنيع استثماري سريع الربح مثلما هو الحال بعد الإنفتاح مثل المضاربة في العقارات والمواد الغذائية الإستهلاكية والسياحة .

أي أن الذي يريد تخيل شكل مصر لولا ثورة يوليو 1952 يمكنه أن ينظر الي مصر بعد دولة 15 مايو 1971 وإن تغير أسماء العائلات المالكة للثروة 

نحن ننسي أحيانآ أن إنقلاب 23 يوليو والذي تحول الي ثورة فيما بعد وبعد اسابيع من قيامه , وغيًر وجه المنطقة والعالم وأفريقيا قد أجهضت بالإنقلاب المضاد في 15 مايو 1971 

أي أن الذي يريد تخيل عدم قيام ثورة يوليو لينظر الي مصر من 15 مايو 1971 وحتي الآن.

التعليقات (0)