صادق الطائي يكتب: «أهل القضية» آخر تجليات الحركات المهدوية في العراق

profile
  • clock 24 أبريل 2023, 4:26:02 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

مع إعلان السيد مقتدى الصدر يوم الجمعة 14 نيسان/أبريل الجاري تجميد نشاطات التيار الصدري لمدة لا تقل عن عام، انفتح باب التحليلات والتكهنات حول ما يجري داخل صفوف هذه الحركة الشعبوية الملتفة حول الصدر، الذي قال في تغريدة على منصة تويتر: «أن أكون مصلحاً للعراق ولا أستطع أن أصلح التيار الصدري فهذه خطيئة. وأن أستمر في قيادة التيار الصدري وفيه (أهل القضية) وبعض الفاسدين وبعض الموبقات، فهذا أمر جلل».
لذلك قرر الصدر في تغريدته: أن «من المصلحة تجميد التيار أجمع ما عدا صلاة الجمعة وهيئة التراث و(براني السيد الشهيد)، لمدة لا تقل عن سنة». أعقبت هذه التغريدة حملة اعتقالات شنتها الأجهزة الحكومية على أفراد اتهموا بالانتماء لجماعة «أهل القضية»، إذ أشار تصريح رسمي صدر عن محكمة تحقيق الكرخ ببغداد إلى» توقيف 65 متهماً من أفراد عصابة ما يسمى (أصحاب القضية) التي تروج لأفكار تسبب إثارة الفتن والإخلال بالأمن المجتمعي»، وقد اتخذت المحكمة قرارها بالتنسيق مع جهاز الأمن الوطني كونه الجهة المختصة بالتحقيق.

الحركات المهدوية وتفرعاتها لن تتوقف عن الظهور، طالما بقي الوضع على ما هو عليه غارقا في فساده ومشاكله التي لا يبدو أن لها حلولا في المدى المنظور

هنا انفتح باب التساؤل عن ماهية جماعة «أهل القضية»، إذ تم تداول فيديو على مواقع التواصل والقنوات الإخبارية لأحد أفراد أو قيادات هذه الجماعة دعا فيه إلى «حملة إعلان البيعة للإمام الموعود المنتظر السيد مقتدى الصدر»، في إشارة إلى الإمام المهدي الغائب الذي يمثل فكرة مركزية في التشيع. وللتعرف على ماهية الجماعة الجديدة التي تطلق على نفسها اسم «أهل القضية» وفهم طروحاتها، لا بد من مرور سريع على الحركات المماثلة لها من الجماعات المهدوية، التي ظهرت في العقدين الأخيرين تحديدا، لأن هذه الحركات تبدو وكأنها حلقات متصلة ببعضها خرجت من عباءة التيارات الشيعية الشعبية وأبرزها التيارالصدري، الذي مثل أكبر حاضنة دينية وسياسية لمعدمي ومسحوقي الشيعة في العراق. ومن أقدم الحركات المهدوية التي ظهرت، والتي كانت ذات علاقة أو جذر فكري يربطها بالتيار الصدري، كانت جماعة «السلوكيين» التي ظهرت في نهاية التسعينيات إبان وجود المرجع محمد الصدر والد مقتدى في حوزة النجف، واسم الحركة مرتبط بـ»السالك» وهو مصطلح صوفي يشير إلى المنخرط في الطريقة الصوفية والسائر في طريق الحقيقة والعرفان للوصول إلى اليقين، ويرجح أنها ظهرت عام 1998 بين صفوف طلاب حوزة النجف، وقد اشتهرت هذه الحركة بالدعوة لممارسة الظلم والرذائل ونشر المفاسد للتعجيل بظهور الإمام المهدي، أو تمهيد الظروف لظهوره، وقد طردهم السيد محمد صادق الصدر من مدارسه، وقد انتشرت أفكار هذه الجماعة في النجف وبعض المحافظات الجنوبية، وهناك من عدها تيارا واسعا تنضوي داخله أكثر من جماعة، وقيادتها من عدة أشخاص، وترجح الدلائل أنهم كانوا من اتباع السيد الصرخي الحسني، وقد شعرت السلطات حينها بخطورتهم، فألقت القبض على كثير منهم وشتتهم. الجماعة الأخرى البارزة كانت جماعة السفارة المعروفة باسم حركة اليماني الموعود أحمد الحسن، وهي حركة مسلحة أسسها شاب من البصرة يدعى أحمد إسماعیل كاطع المتخرج في كلية الهندسة، وكان طالبا في الحوزة العلمية وينحدر من عائلة ميسورة في البصرة، بدأ الترويج لحركته التي أطلق عليها اسم (أنصار الإمام المهدي) عام 2002، اعتقل حينذاك بتهمة استثمار الدين لمعارضة النظام، وعندما خرج من السجن نشر دعوته بشكل علني في منطقة جامع السهلة في الكوفة عام 2004، بعد أن کنی نفسه بـ»أحمد الحسن»، وادعى أنه «اليماني الموعود»، واستطاع أن يقنع أتباعه ويثبت لهم بالأدلة الدينية بأن اليماني الموعود حجة من حجج الله ومعصوم، وأول الداعين للإمام المهدي. وبعد مضايقة هذه الجماعة حينذاك من القوات الإسبانية الموجودة في النجف، هرب الحسن مع أتباعه إلى بساتين البصرة، واستطاع تحشيد عدد كبير من الأتباع من العمارة والناصرية والديوانية، وفتحوا حسينيات وجوامع ومكاتب وباتوا يتجمعون فيها بكثرة، وأصدروا جريدتين (الصراط المستقيم، وصرخة الحق)، وشعرت السلطات بخطورتهم على الدولة والمجتمع، نظرا لاستخدامهم السلاح ضد الحكومة، الأمر الذي دفع القوات الحكومية إلى مداهمتهم، وإلقاء القبض على عدد كبير منهم، ما دفعهم إلى الرد والدخول في مواجهات مع قوات الحكومة في عدد من المحافظات الجنوبية، أسفرت عن سقوط قتلى من الطرفين، وما زالت لهذه الحركة بعض البقايا موجودة في محافظة البصرة. أما الحركة التي اشتهرت إعلاميا فكانت «حركة جند السماء» وهي حركة مسلحة أسسها ضياء عبد الزهرة الكرعاوي من محافظة الديوانية، المتخرج في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد، وكان هاويا للغناء والعزف على العود، ادعى أنه هو الإمام المهدي، حين شكّل حركته في النجف على هذا الأساس، واستطاع التأثير في عدد من الأتباع وإقناعهم بفكرته التي أوضحها في كتابه المعنون بـ»قاضي السماء» الذي تم نشره في العراق، وبلغ عدد أفراد الجماعة أكثر من 1500 شخص، أعلنوا الدعوة ضد رجال الدين في الحوزة لضلالتهم، واشتروا أسلحة متوسطة وخفيفة، وجهزوا مزارع في «منطقة الزرقة» الضاحية الشرقية لمدينة النجف، ليتم اتخاذها قاعدة لهم للتدريب وإعداد الأنصار، وقد وصفتهم التقارير الحكومية العراقية حينذاك بـ»الإرهابيين»، واتهمتهم بأن لديهم نوايا لمهاجمة مدينة النجف، والتغلغل في الأوساط الشيعية والاستيلاء عليها، وقتل المراجع واستباحة المدينة المقدسة بشكل أولي، والانطلاق بعد ذلك إلى بقية المحافظات، لذلك هاجمتهم القوات الحكومية بدعم من الطائرات الأمريكية في محرم 2007، في معركة بدأت بسيطة ثم تبين أنها معركة كبرى، تلقوا فيها ضربة عسكرية حاسمة، حدثت على إثرها مجزرة قتل فيها زعيمهم وعدد كبير منهم قارب الـ(1000) قتيل بينهم أطفال ونساء، وجرح واعتقل آخرون، لا يزال الكثير منهم في السجون. خلافا لذلك، تقول مصادر غير حكومية إن حادثة «الزرقة» قد وقعت في ظروف ما زالت غامضة لحد الآن، ويشير عدد من المراقبين المستقلين الى أن أغلب الذين قتلوا هم فلاحون بسطاء كانوا ذاهبين من منطقة «الزرقة» إلى كربلاء لزيارة الإمام الحسين، سيرا على الأقدام ضمن طقوس شهر محرم لدى الشيعة. كما أن هنالك حركة الممهدون التي تدعي أن الإمام المهدي ظهر عام 2008، وأن اليماني هو الوسيط بين الإمام المهدي وبينهم، وقيادة هذه الحركة مجهولة، ويرجح أنهم من اتباع السيد مقتدى الصدر وانشقوا عنه، إذ يدعون أن السيد مقتدى الصدر هو اليماني، وقد انتشرت هذه الحركة في الفرات الأوسط وجنوب العراق، وبعض مناطق ضواحي بغداد الفقيرة، وتعتبر هذه الجماعة ذات نشاط محدود، بينما هنالك جماعة «أهل القضية» التي أشار لها السيد مقتدى الصدر في تغريدته الأخيرة، وهي من الحركات المهدوية التي يعتقد إنها انشقت، أو خرجت من حركات أخرى، وتنتشر في جنوب العراق، ويعدون الأمريكيين هم السفياني المنتظر الذي يحارب الإمام المهدي، وينقسم أتباع هذه الحركة إلى جماعتين: الأولى هي حركة روح الله، التي تعتقد أن السيد الخميني هو المهدي المنتظر، وأنه لم يمت بل غاب وسيظهر ثانية، وأن أوسع انتشار لهذه الجماعة في مدينة العمارة، أما القسم الثاني من الحركة فهم المعروفون باسم « النبأ العظيم»، التي تعتبر السيد مقتدى الصدر هو المهدي المنتظر، وينتشر أتباع هذه الجماعة في محافظة ميسان.
في بحثه الموسوم «الحركات المهدوية في العراق، التحولات والأبعاد السياسية»، يقوم الدكتور نصيف جاسم عاتي الاستاذ في كلية التربية في جامعة ميسان، بتتبع تاريخي لهذه الحركات، إذ يشير إلى أن «هذه الحركات عادت للظهور وبقوة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، بعد انقطاع امتد لسنوات طويلة، والأنكى من ذلك تحولها من التنظير والتبشير الكلاسيكي إلى خيارات أخرى سياسية وعسكرية، في تحول راديكالي شكّل مصدر قلق وإرباك لعملية إعادة النظام الاجتماعي وبناء الدولة الحديثة». ومن الواضح أن هذه الحركات وانقساماتها وتفرعاتها لن تتوقف عن الظهور، طالما بقي الوضع على ما هو عليه غارقا في فساده ومشاكله التي لا يبدو أن لها حلولا في المدى المنظور يمكن أن تخرج الإنسان البسيط من معاناته، فتضطره الظروف إلى اللجوء إلى مثل هذه الحركات الحالمة بتحقيق العدل على يد المنقذ المنتظر.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)