عبد الله الأشعل يكتب: إسرائيل وثورة مصر في 2011

profile
د.عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية السابق استاذ القانون الدولي والعلوم السياسية
  • clock 1 مايو 2022, 7:57:40 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ملاحظات أولية أساسية قبل الدخول في الموضوع:

أولا: ثورة يناير 2011 تشبه ثورة 1919 في أنها ضمت أطياف الشعب ورفعت شعارات ومطالب مشروعة، ولكن ثورة 1919 كان يقودها سعد زغلول وقامت قبل نشأة الانقسامات الدينية في مصر.

ولذلك فإن كل مصري في أي موقع لا بد أن يفخر بأنه ينتمي إلى شعب يأبى الإذلال والغربة في وطنه، سواء على يد الاحتلال البريطاني أو الحكم الوطني الذي شوه الوطنية واحتكر الوطن، والطريف أنه ديمقراطي أيضا مثل النظم الشيوعية التي وصفت نفسها بالديمقراطية ومثل ليبيا القذافي.

ثانيا: أن التبرؤ من الثورتين يكشف عن موقف غير وطني وغير مقدر لنضال هذا الشعب.

ثالثا: أن الثورتين قد أحبطتا بقوى أجنبية وبأيد مصرية، وأنهما لم تحققا للشعب المصري ما أراده منهما، وهو الاستقلال الفعلي والجلاء والديمقراطية عام 1919، والعيش والاستقلال والكرامة والديمقراطية عام 2011.

الأولى قامت ضد الإنجليز، والثانية قامت ضد حكم استبد بحكم مصر ثلاثة عقود أسهم في عزلها والمزيد من التخلف.

والمقارنة بين حكام مصر وعهودهم تظهر أن مصر عموما تتدهور، ولكن السابق أفضل من اللاحق منذ عام 1952، وقد قرأنا تاريخ مصر كله مزورا ومكتوبا على هوى الحاكم.

والأهم أن ثورة 1919 لم تشهد الإخوان المسلمين ولا إسرائيل، أما ثورة يناير 2011 فقد شهدت كل شيء، والأهم من ذلك أن الحكم العسكري الذي استقر منذ عام 1952 كان إنهاؤه مطلبا من الثورة، ولكن تعقيدات الموقف أتت بنتائج أكثر سوءا.
 

ومقومات بقاء إسرائيل المدعومة تماما من الغرب هي ضعف الحكام العرب وفسادهم وتبعيتهم بدرجات إلى الغرب، قبل أن تعين واشنطن إسرائيل وكيلا رسميا وشفيعا لديها يقصدها الحلفاء


رابعا: أن إسرائيل مشروع استعماري استيطاني غربي، وأن ازدهار إسرائيل تم بترتيب الغرب عموما، وأن البلاد المستعمرة لم تنل حريتها حقيقة، ولذلك ترك الغرب إسرائيل لكي تضمن بقاء نفوذه ومخططاته بعد أن رحلت قواته. فالجلاء ميزة للمحتل، ولا يعني الاستقلال للدولة المحتلة.

ومقومات بقاء إسرائيل المدعومة تماما من الغرب هي ضعف الحكام العرب وفسادهم وتبعيتهم بدرجات إلى الغرب، قبل أن تعين واشنطن إسرائيل وكيلا رسميا وشفيعا لديها يقصدها الحلفاء.

خامسا: هناك مصلحة مشتركة بين إسرائيل والوسط العربي وهو العداء للتقدم والازدهار والديمقراطية، فلا تستطيع إسرائيل أن تبقى يوما واحدا إذا تحولت المنطقة للحكم الديمقراطي.

والمؤكد أن إسرائيل تستهدف مصر بالأساس، ولذلك استماتت إسرائيل حتى تقمع الثورة المصرية، ووجدت تعاونا ممن لهم مصلحة في عدم التغيير.

ولذلك فإن بقاء مصر وإسرائيل معا مستحيل، ولا بد أن تزول إحداهما. وتخطط إسرائيل لزوال مصر، ولذلك فإن ما ينفع مصر يضر إسرائيل بالضرورة، ولا نقاش في هذه القواعد.
 

هناك مصلحة مشتركة بين إسرائيل والوسط العربي وهو العداء للتقدم والازدهار والديمقراطية، فلا تستطيع إسرائيل أن تبقى يوما واحدا إذا تحولت المنطقة للحكم الديمقراطي


كما أن اختراق إسرائيل للمنطقة العربية ومحاربة العروبة هدفه الأساسي ضرب مصر حتى لا تقوم لها قائمة، ولكن الأمل في الله وفي وعي الشعوب العربية جميعا، خاصة وأن واشنطن أقنعت بعض الحكام العرب بأن كسر مصر والعراق واليمن وسوريا مصلحة لنظمهم التي يحرصون عليها بالطبع أكثر من حرصهم على أوطانهم بعد أن ظن الحاكم أنه هو الوطن، فمن والاه استحق مكانه في الوطن، ومن عارضه لا مكان له في هذا الوطن.

وتراهن إسرائيل على قمع الحكام للشعوب وقهرهم على نزع العداء لإسرائيل من قلوبهم، ولذلك تفزع إسرائيل كما قلل برنارد لويس من تداول أدوات كشف الصهيونية، مثل بروتوكولات حكماء صهيون وتفشي مصطلح المؤامرة اليهودية العالمية بين العرب، ويعتبرون التنبيه إلى مكائد الصهيونية جريمة معادة السامية، بينما يفرحون بالسعي إلى تقويض الوجود العربي ووضع نظام الحكام مقابل الوطن، وعلى الشعوب أن تختار اختيارا غير حر.

بل إن قانون مجلس الشيوخ الأمريكي الصادر عام 2002 الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأدان جريمة معاداة السامية؛ صدر بالتباكي على تحول مصر نحو معاداة الصهيونية في مسرحية محمد صبحي ومسلسله "فارس بلا جواد".

هذه خلفية مهمة لفهم موقف إسرائيل من ثورة يناير 2011، والمعنى أنه كلما يُلحق الضرر بمصر بتدبير أمريكي ونأمل أن إحراج أمريكا في أوكرانيا قد يكسر قبضتها على الحكام العرب.

موقف إسرائيل من ثورة يناير في مصر:

عبرت إسرائيل الرسمية كذبا عن حرصها على الثورة في كلمات شيمون بيريز، رئيس إسرائيل حينذاك، في افتتاح مؤتمر هرتزيليا للأمن القومي رقم 11.

وقال بيريز إن جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي باراك أوباما آنذاك، استفهم منه عما يجري في مصر، فأكد بيريز أن الثورة كانت مفاجأة لإسرائيل وأمريكا وحسني مبارك الذين ظنوا أن الشعب المصري قد استكان للمنوم ونزع العقل وغسيل الدماغ بالتعاون بين الأطراف الثلاثة، خلافا لزعم البعض أن واشنطن خططت للثورة وزوروا مذكرات هيلاري كلينتون وابتدعوا مذكرات جديدة نسبوها إليها، واتهموا شباب الثورة بأنهم عملاء تلقوا التدريب والتمويل من أمريكا.

وليتهم تأملوا قليلا في أنه كيف لأمريكا أن تحرض الشعب كله، وأن تدفعه للثورة على من كانت إسرائيل تسميه الكنز الاستراتيجي لإسرائيل.

 

وقال بيريز إن الثورة قد تأتي بأجيال أخرى تؤمن بجدوى السلام (أقصد الاستسلام لإسرائيل).

ولكن بنيامين نتنياهو لم يتخل عن مبارك حتى بعد أن تخلى أوباما لمصلحة بلاده. وقال إن تمسك إسرائيل بمبارك رسالة إلى حلفاء إسرائيل في الأردن والسعودية بأن الغرب لن يتخلى عنهم. وحذر نتنياهو الوفد البرلماني الأوروبي في القدس من خطورة تولي الإسلاميين.

ونقل محمود محارب في دراسته حول إسرائيل والثورة المصرية عن الجنرال جيورا إيلاند، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، أن الثورات العربية تؤثر سلبا على إسرائيل في ثلاثة أمور:

الأول: منع مصر التي أمنت إسرائيل جانبها، فركزت على الجهات الأخرى، ولكن الثورة قلبت المعادلة مؤقتا لحين إخمادها حسابات إسرائيل، واطمأنت إسرائيل إلى أن أي نظام بديل سوف يركز على المشكلات الداخلية، ومع ذلك خصصت إسرائيل 70 في المائة من الميزانية العسكرية لتقوية الجيش لأسوأ احتمالات الجبهة المصرية.

الثاني: أن مصر لن يمكنها حراسة الحدود مع إسرائيل في سيناء، مما يؤدي إلى تهريب السلاح لغزة ودعم قوة المقاومة في مواجهة إسرائيل.
 

الثورة قلبت المعادلة مؤقتا لحين إخمادها حسابات إسرائيل، واطمأنت إسرائيل إلى أن أي نظام بديل سوف يركز على المشكلات الداخلية


الثالث: أن الثورات العربية ستؤثر على عمليات إسرائيل ضد الفلسطينيين، وهذا يجبر إسرائيل على التريث في الاندفاع نحو السلام. وهذا كذب لأن نية الصهاينة هي التهام كل فلسطين

أما أساتذة التاريخ في جامعة تل أبيب فقد اعترفوا صراحة بأن الزلزال العربي أجبر إسرائيل والحكام العرب على التقارب ومقاومة الثورات لإعادة الوضع السابق على الثورة، وقد عاد أقوى مما كان.

أما سفير إسرائيل السابق في القاهرة فرأى أن الثورات قدرت أن إسرائيل ساندت الحكام ضدها، فلو استولت على السلطة كان الضرر محققا لإسرائيل.

ورأى آخرون أن الثورات العربية زادت من جرأة الفلسطينيين على إسرائيل ورفعت لديهم الأمل في الاستقلال والدولة.

المعادلة واضحة، وهي أن الثورات والديمقراطية هي زوال للحاكم المستبد العربي، وبقاء إسرائيل في بقاء العبودية للشعوب العربية بأيدي حكامها الخاضعين لإسرائيل.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)