عزام التميمي يكتب: أيها الإصلاحيون... لستم ساسة ولا دبلوماسيين

profile
  • clock 2 يوليو 2023, 6:39:50 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لا أجد آفة يمكن أن تصاب بها مثل هذه الحركات أخطر من تشكل القناعة لدى قادة أو مسؤولين فيها بأنهم يحتاجون إلى التقرب من الظالمين، ومداهنتهم، وكيل المدائح لهم، إما درءاً لشر يُخشى من جهتهم أو طمعاً في تحقيق مصلحة متوهمة لديهم.

في حالة الحركات الإسلامية بالذات، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، يتناقض هذا السلوك تناقضاً تاماً وسافراً مع الغاية التي من أجلها أطلق مؤسسو الحركة مشروعهم، ألا وهي النهوض بالأمة وإعادة الاعتبار للإسلام منهجاً للحياة، يحكم سلوك الناس في تعاملهم مع خالقهم، وفي تعاملهم مع الخلق والخلائق.
 

يتوهم بعض المسؤولين في الحركات الإسلامية أن درء مفسدة أو جلب مصلحة يبرر لهم إطراء المجرمين، من سفاكي الدماء ساجني العلماء قاهري المستضعفين وناهبي ثروات الشعوب، المتواطئين مع أعداء الله في مشارق الأرض ومغاربها


ولا يبرر مثل هذا السلوك من مداهنة الطغاة أن تكون الحركة مطاردة أو محاصرة أو محاربة بأي شكل من الأشكال. فمن انطلق يريد التغيير، ومن ثار على واقع مرير، يعرف مسبقاً أن تكلفة هذا الخيار قد تكون باهظة، وأنه حين قرر السير في هذا الدرب، فإن حياته وماله، بمحض اختياره، باتاً ثمناً لصفقة أبرمها مع الله. "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".

يتوهم بعض المسؤولين في الحركات الإسلامية أن درء مفسدة أو جلب مصلحة يبرر لهم إطراء المجرمين، من سفاكي الدماء ساجني العلماء قاهري المستضعفين وناهبي ثروات الشعوب، المتواطئين مع أعداء الله في مشارق الأرض ومغاربها، وما علموا أن المفسدة كل المفسدة في ما فعلوا، وأن المصلحة أبعد ما تكون عن توجههم نحو إقرار أكبر الكبائر والسكوت عن أبشع الجرائم.

كما أن من أخطر ما يمكن أن تتعرض له الحركات الإصلاحية في أي مكان أو زمان هو أن يحولها المسؤولون فيها إلى صنم يعبد، فيصبح منتهى غايتهم الحفاظ على وجودها ولو على حساب الفكرة التي من أجلها انطلقت. وكلما كبر حجم الحركة وزادت أعباؤها نما الوهم لدى بعض المسؤولين فيها بضرورة تقديم التنازلات تلو التنازلات من أجل درء الأضرار عنها أو جلب المنافع لها. فتساق حينها الحجج تلو الحجج وتقدم المعاذير تلو المعاذير لتبرير مواقف وسلوكيات وتصريحات ما كان يخطر بالبال قبل فترة وجيزة أن تصدر عن مثل هؤلاء القادة أو المسؤولين.

 



ثم ينسى هؤلاء أو يتناسون أن حركاتهم هي بطبيعتها حركات شعبية جماهيرية، نشأت من رحم الجمهور، وبدعم وتضامن وتبرعات – قلت أو كثرت – من قبل أفراد هذا الجمهور، الذي انحاز إليها لما توخاه من نقاء فيها، وما ظنه من إخلاص القائمين عليها، وتفاني المنتمين إليها، في مشروع يتمنى له الفلاح، يدعو لهم في المساء والصباح، أن يسدد الله على طريق الخير خطاهم، وأن يعينهم في مسعاهم، لرفع الظلم عن المظلومين ووضع حد لتجاوزات المفسدين.

ماذا يكون حال هذا الجمهور حينما يشهد بعض المواقف والتصريحات الصادمة، التي لا تتوافق مع ما كان يرجوه ويعول عليه؟ أنّى لهذا الجمهور المستضعف أن يتعاطف مع مداهنة لظالم أو إشادة به وقد قتل الأبرياء وانتهك الحرمات وسلب الممتلكات؟

كمن يرش الملح على الجرح، تسمع بعض من أساء ابتداءً يتطاول على هذا الجمهور استخفافاً به وتكبراً عليه، وادعاءً للعلم والحكمة، ورمياً للمخالفين بما لا يليق.

وهذه أبعد ما تكون عن السلوك السليم والخلق القويم، وخاصة حين تصدر عمن يتوسم الناس فيهم الصدارة والريادة في كل خير.

ولكم يعجب المرء من أناس كانوا دعاة مبرزين وخطباء مفوهين، يستدلون بالآيات والأحاديث التي تحث على الصبر وتحمل البلاء، ويسردون القصص الدال على عظيم مقام من يقفون في وجه الظالمين ويتحدون الطغاة، ولو كلفهم ذلك حياتهم، أو على الأقل هناء معيشتهم، فإذا هم حين صاروا في مواقع صناعة القرار غدوا براغماتيين، نفعيين، بل وانتهازيين حين اللزوم.

من فضل الله علينا أننا نعبد الله الواحد الأحد ولا نقدس إلا ما قدس الله. ومن فضل الله علينا أن مرجعنا وحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كتاب تعهد الله بحفظه بنفسه، إليه نحتكم حين يختلف الناس من بيننا، وبه نسترشد حين يتيهون من حولنا. ومن فضل الله علينا ألا معصوم بعد خاتم النبيين رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فكل البشر يؤخذ من قوله ويترك إلا هو صلى الله عليه وسلم. ومن فضل الله تعالى علينا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن عهدنا مع الله أولى من كل عهد، وميثاقه أسمى من كل ميثاق، وأن من سنن الله في خلقه قوله عز وجل "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم"

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)