- ℃ 11 تركيا
- 2 مايو 2024
عمرو حمزاوي يكتب: تمكين المرأة العربية… دروس عالمية
عمرو حمزاوي يكتب: تمكين المرأة العربية… دروس عالمية
- 11 نوفمبر 2022, 2:57:17 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من الصعب أن يتعامل أكاديمي عربي مع جامعات أو مؤسسات بحثية وتنموية اسكندنافية دون أن يفكر في ملف المساواة بين المرأة والرجل. فقد تفاعلت خلال الأسابيع الماضية في سياق عملي بمؤسسة كارنيجي للأبحاث مع الوكالة السويدية للتنمية ومع الوكالة النرويجية للتنمية، وشاهدت عملا كيف يتم التمكين للمرأة في الجهات والأجهزة الحكومية بدولتين اسكندنافيتين.
فالسويد والنرويج، شأنهما شأن الدنمارك وفنلندا، حققتا أعلى معدلات المساواة بين الجنسين على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الرئيسية. يمثل النساء أكثر من نصف قوة العمل بالسويد والنرويج وتصل معدلات العمالة بينهن إلى 85٪، في حين يرتفع تمثيلهن بالحياة السياسية (الجهاز التنفيذي والوزارات والبرلمان) ليسجل النسبة الأفضل عالمياً 45٪. كما تتمتع المرأة بشبكة من الضمانات القانونية والرعاية الاجتماعية تمكنها، إن رغبت، من إدارة حياة أسرية بجانب العمل وتحد كثيراً من احتمالات التمييز ضدها.
ووراء كل ذلك التزام فعلي ومؤثر من قبل الحكومات السويدية والنرويجية المتعاقبة، حتى حين يمثل بها اليمين المتطرف، بسياسات تمكين النساء وعمل مستمر لتحفيز صناع القرار بقطاعات العمل المختلفة على إعطاء فرص حقيقية لهن للتميز المهني. بل أن السويد على سبيل المثال تجعل من المساواة والتمكين محاور رئيسية لجهدها التنموي بدول الجنوب العالمي وترصد هيئاتها الحكومية وغير الحكومية بدقة وضعية المرأة خارج الغرب ومساحات التقدم أو التراجع في مسيرة مساواتها بالرجل.
ودون تجاهل للاختلافات الجوهرية بين مجتمعات غنية ومتقدمة كالسويد والنرويج وبين الأوضاع في عالمنا العربي وانطلاقا من الحلم بعالم عربي أجمل وأكثر حرية وعدالة ومساواة، تحفز التجارب الاسكندنافية على التفكير في الواقع المؤسف للتمييز ضد النساء بمجتمعاتنا ومتطلبات تغييره.
أهم ما يلفت النظر هنا هو أن البيئة القانونية والاجتماعية والسياسية في مجتمعات العرب ما تزال غير مواتية للمساواة وتحوي العديد من المضامين والمفردات والممارسات التمييزية إن في المجال الخاص (مجال الأفراد والأسرة وعلاقاتهم بكل ما يرتبه ذلك من حقوق وواجبات) أو في المجال العام (العمل والقطاعات المهنية والتمثيل السياسي وغيرها).
كل تطور إيجابي فيما خص حماية النساء يقربنا خطوة إضافية من بناء المجتمعات الحرة والمتسامحة والدول العادلة والمتقدمة. نحتاج إلى إرادة سياسية ومجتمعية لتحقيق المساواة وتمكين المرأة وتحرير بلادنا من المرجعيات الدينية والثقافية المعيقة للتقدم
وعلى الرغم من محاولات متكررة قادتها بعض الحكومات العربية خلال الأعوام القليلة الماضية لتغيير البيئة القانونية والاجتماعية، جاء بعضها شديد الأهمية والإيجابية كمدونة الأسرة بالمغرب والمساواة بين الأم المصرية والأب المصري فيما يتعلق بنقل الجنسية إلى أبناء الزيجات المختلطة (بين مواطنات أو مواطنين مصريين وغير مصريين) وتجريم زواج القاصرات وتغليظ العقوبات على جرائم التحرش والعنف المنزلي أيضا في مصر ومنح النساء كامل الحقوق السياسية بالكويت، إلا أن التزام النخب لم يتحول بعد إلى سياسة عامة واضحة المعالم.
بل أن الهيئات الحكومية في العالم العربي تبدو في كثير من الأحيان متخبطة وحائرة، بين تكريس للتمييز هنا وبين بحث عن المساواة هناك. فالدول التي تعطي المرأة حقوق المواطنة الرئيسية بعد طول غياب وتحسن من وضعيتها في مجال العلاقات الأسرية هي ذاتها التي تميز ضد العمالة النسائية في مؤسساتها العامة إن على مستوى التشغيل أو مبدأ الأجر الواحد نظير العمل الواحد، وهي كذلك التي تستمر في قبول معدلات شديدة التدني لتمثيل المرأة بالجهاز التنفيذي والمجالس التشريعية وبالقطع بالمؤسسات القضائية.
ومع ذلك فأن تعثر دفع المساواة قدماً لا ينبغي أن يختزل فقط في قصور سياسات وقرارات الحكومات. فمجمل فعاليات المجتمعات العربية غير الحكومية إن في المجال الاقتصادي (القطاع الخاص) أو في المجالات الاجتماعية والسياسية (المجتمع المدني والإعلام والصحافة وغيرها) تمارس بصور مختلفة التمييز ضد النساء. فمعدلات تمثيلهن بالقطاع الخاص وإدارات شركاته وبمنظمات المجتمع المدني ومجالس أمنائها تظل أضعف بكثير من الرجال. كما أن مبدأ الأجر الواحد نظير العمل الواحد لم يستقر بعد بالقطاع الخاص.
بل أن العنف الجسدي ضد النساء في المجالين الخاص والعام لم يتراجع بعد في العدد الأكبر من المجتمعات العربية، وتصل معاناتهن إلى معدلات مأساوية في المجتمعات التي تعاني من الحروب الأهلية كسوريا واليمن وليبيا. وتتسم المنظومات القانونية العربية بحضور ثغرات عديدة فيما خص تعريف جرائم العنف والجرائم الجنسية ضد النساء (جرائم الاغتصاب داخل العلاقة الزوجية نموذجا)، ويتواصل غياب تفعيل أداة إنفاذ القانون وأداة تخصيص الموارد الحكومية لمواجهة تلك الجرائم.
والحقيقة أن كل تطور إيجابي فيما خص حماية النساء يقربنا خطوة إضافية من بناء المجتمعات الحرة والمتسامحة والدول العادلة والمتقدمة. نحتاج إلى إرادة سياسية ومجتمعية لتحقيق المساواة وتمكين المرأة وتحرير بلادنا من المرجعيات الدينية والثقافية المعيقة للتقدم.
أتمنى أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه المرأة العربية حرة وممكنة كالمرأة في السويد والنرويج والجارات الاسكندنافيات.
كاتب من مصر
كلمات دليلية
التعليقات (0)
أخبار متعلقة
إقرأ أيضا
أحدث الموضوعات
أربعاء, 01 مايو 2024
عمدة لوس أنجلوس يدعو لإجراء تحقيق في أعمال العنف بجامعة كاليفورنيا أربعاء, 01 مايو 2024
إيران تكشف تفاصيل جديدة عن قتلى القنصلية في سوريا أربعاء, 01 مايو 2024
سنا كجك تكتب: "إسرائيل " تغري حماس بعرضها ماذا تضمن؟ الأكثر قراءة
جمعة, 08 أكتوبر 2021
مصادر: إبراهيم منير يتخذ قرار بإيقاف ٦ من الشورى العام سبت, 18 سبتمبر 2021
د. أيمن منصور ندا يكتب : عندما تلقيت اتصالاً من الرئيس السيسي خميس, 30 سبتمبر 2021
طارق مهني يكتب : بزنس المعارضة - سبوبة الزنازين اثنين, 01 نوفمبر 2021
تقرير : كيف ساهم " أبو دية " عبر أذرعه المالية في تدجين المعارضة المصرية بالخارج جمعة, 28 مايو 2021
تعرف على مدينة المقاومة تحت أرض غزة ودورها في معركة سيف القدس صحافة عالمية
جمعة, 26 أبريل 2024
عودة شبح فيتنام.. "نيويورك تايمز": احتجاجات الجامعات تنذر بصيف ساخن جمعة, 26 أبريل 2024
"التحرر من الصهيونية".. ننشر الترجمة الكاملة لمقال ناعومي كلاين في الجارديان جمعة, 26 أبريل 2024
إسرائيلي حارب في لبنان 2006: " نحن بلد قذر".. هل اقترب زوال الاحتلال؟