قراءة حول رواية “العجوز والبحر” لإرنست همنجواي

profile
  • clock 19 فبراير 2022, 3:07:54 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عاش سنتياجو الصياد العجوز بجوار البحر في كوخه المتواضع الذي كان يحوي حياة سابقه لأسرة شابة. أما الآن فيعيش وحيدا بعد أن فقد أسرته و تقدمت به السن و لم يعد معه أحد إلا فتي صغيرا يدعي “مانولين” تبعه مانولين كعادة أهل تلك المناطق ممن يعملون بالصيد أو بأعمال الموانئ ليتعلم منه حرفة الصيد و رأي مانولين في سنتياجو أفضل معلم و أفضل صياد بل و أفضل الرجال علي الاطلاق. لكن صادف الرجل سوء حظ لازمه لأربع وثمانين يوما لم يعطه البحر أية سمكة.

“ربما لا أكون قويا كما أعتقد، و لكني أعرف كثيرا من الحيل، و أتحلي بالاصرار و العزم” سانتياجو إل كامبيون

سوء حظ سانتياجو دفع والدا مانولين أن يحذرانه من التزامه بالعجوز وإرغامه علي العمل مع صياد آخر و لكن مانولين كان يزور معلمه بين حين و آخر يساعده و يقدم له بعض الغذاء و الشراب و طعم الصيد. رأي “مانولين” في “سنتياجو” أفضل صياد علي مر العصور و أفضل من جميع الصيادين، وفي اليوم الخامس و الثمانين قرر “سنتياجو” الخروج للبحر في محاولة متكرره مليئة بالعزم و التصميم علي اصطياد صيد ثمين يعوض به الايام العجاف و عناد الحظ له و يغنيه بثمنه عن العمل الشاق في فصل الشتاء البارد.. ” سأذهب بعيدا لأعود مع الريح حين تغير اتجاهها.

وهنا ينطلق “سنتياجو” في رحلته العظيمة لاصطياد سمكة ” المارلين” العظيمه بهمة ز إصرار و استبسال في المحيط الواسع ذو النعم الكثيرة , يتوحد فيه الصياد مع فريسته و يحترمها و يقدر قيمة الحياة و قيمة النضال فيها. و تبدأ معها كذلك رحلة “همنجواي” الفلسفيه , رحلته الخاصة في محيطه الخاص مع امكانياته و صفاته و مع أعماله و غفواته و ذنوبه و مع العالم المحيط به من منغصات و من منافسيه و من ذاته … رحلة يعود منها البطل و المؤلف كلاهما .. خاسرين بلا مكتسبات ملموسة و لكنهما محملان بذكريات و خيبات و بعض الفخر .

ندرك عند بداية القصة ان الحياة صعبة جدا عندما تتقدم في السن و تضيق بك الحال و يتخلي الحظ عنك, و لكن تعرف حينها حقا من هم بجوارك , من يحبك فعلا و من منهم يحب سعة حالك فقط .. و عندما تعرفهم فاطمئن لهم. و نري ذلك جليا عندما قام والدا “مانولين” بمنعه من المكوث مع “سنتياجو” و الذهاب للعمل علي قارب اخر. و نتعلم أيضا من العجوز أنه مهما كان حالك و صفاتك الجسدية و التحديات التي تواجهك , فلا تفقد إندفاع روحك و إيجابية تفكيرك و صفاء نفسك و لا شغفك بالحياة.

  •  علاقة سنتياجو بــ “مانولين” 

أراها علاقة جيل قديم بالجيل الجديد كما يجب أن تكون. فعلي عكس ما يقوم به الجيل القديم في تعلميه و تعامله من فرض حكمته المزعومة و تجاربه و معرفته بالعالم و أسبقيته علي الجيل الجديد.., فإن “سنتياجو” لم يقم بأي من ذلك أبدا مع “مانولين”. و علي عكس ما يقوم به الجيل الجديد من تجاهل الجيل القديم أو تجاهل وجوده أو استغلاله للمنفعة الوقتية و عدم الاكتراث لتجاربهم , فإن “مانولين” لم يقم بأي من ذلك أبدا مع “سنتياجو”.

إنما وجد الاثنان أرضية مشتركة بينهما فمانولين يحترم العجوز و يثمن له تعليمه إياه و يقدره كصياد ماهر و كرجل بالحياة خبير , و كذلك سنتياجو يحادثه كصديق مساو له و كزميل نـد , يحادثه يهمهما معا بل و عن رياضة البييسبول , و نحن لا نري كل يوم رجلا عجوز يتحدث عن البيسبول مع طفل او فتي صغير و يناقشه في عدة أمور أخري و يسمع منه… و هكذا يضع “همنجواي” الطريقه السحرية للتواصل بين الجيل القديم و الجيل الناشئ, الاستماع إلي الاخر و تفهمه بدون اعتبارات مسبقة أو أفكار تقليدية.

  • في البحر

وضع “همنجواي” علي لسان “سنتياجو” منهجيته سواء عن قصد منه أم بدون قصد و استخدم الطبيعه من ماء و موج و ريم و قروش و دلافين و نباتات عالقه و طيور جارحه حتي فقاقيع الماء , لصنع الاسقاطات الرائعة لتصوير الحياة و الناس و علاقتهما ببعض فيقول “سنتياجو” : ” إن الطيور تعيش حياة أقسي من حياة البشر, فيما عدا الطيور السارقة و الطيور الضخمة ثقيلة الوطأة. لماذا خلقت الطيور الصغيرة بهذه الرقة و المحيط بهذه القسوة؟”و قال علي لسان “سنتياجو” رأيه في الحظ: ” من الافضل أن يكون الانسان محظوظا . و لكني أوثر أنني إذا عملت عملا أن أتقنه , حينئذ إذا جاء الحظ يكون المرء متأهبا لاستقباله”

  • حديثه مع سمكة “المارلين” أو مع ذاته

كمية الاسئلة الفلسفية والوجودية التي طرحها “همنجواي” في هذا الجزء كفيلة لأن تغطي معاناة الرجل الاوروبي المتشكك في أمور دينه و دنياه , المتسائل عن سبب وجوده في الحياة و عن كيفية عيش تلك الحياة دون أن يضطر الي أ×ذ حقوق ليست له واغتصاب ما لا يملك. أسئلة و جمل حوارية مليئة بالشك و الايمان و بالضعف و الامل و بالعجز و القوة.. و فيها نري توحد الصياد مع فريسته و مقاومة شعوره أنه قضي علي شئ مميز و نبيل من أجل شئ حقير كأن يسد جوعه .. و محاربته لصوت ضميره الذي هو أقوي من محاربته لاسماك القرش المفترسة، إنك لم تقتل السمكة فقط من أجل أن تعيش ولتبيعها كغذاء للناس، إنما إرضاءً لكبريائك واعتدادك بنفسك، ولأنك صياد، لقد أحببتها و هي حية وأحببتها بعد أن فارقت الحياة، وإذا كنت تحبها، فهل قتلك لها يعد خطيئة أو أن ذلك شئ أكبر من الخطيئة؟

  • جمل متكررة في القصه

لاحظت تكرار ما يلي مع كل موقف صعب يواجه البطل: إنك تفكر الان أيها الرجل العجوز!.. لا تفكر أيها العجوز.. إنك تفكر أكثر من اللازم..ليس هذا وقت التفكيروكأن هذا الصراع الدائم داخل للانسان ليصل إلي حقيقته و حقيقة الكون حوله صراع لا ينتهي أبدا و اسقاط علي بعض منتسبي الكنيسه الذين لا يريدون للعبد أن يفكر .. فهل كانت هذه الجمل المتكرره و هذه الرواية مقدمة لانتحار مؤلف يلوح في الأفق.

موقع رؤيا الثقافي

 

كلمات دليلية
التعليقات (0)