قرارات حكومية مزدوجة في ليبيا: هل تقود إلى انقسام جديد؟

profile
  • clock 28 مارس 2022, 2:08:20 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بدأت ملامح الازدواج الحكومي في ليبيا بالظهور بسبب وجود حكومتين، حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، المعترف بها دوليا وتعمل من العاصمة طرابلس، والثانية الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، التي منحت الثقة مطلع مارس/ آذار الحالي، ولم تنل اعترافاً دولياً. 
ومع تمسك حكومة الدبيبة بالسلطة وإصرارها على عدم تسليم المهام إلا لحكومة منتخبة، وتشبث حكومة باشاغا بضرورة تسلم مهام حكومته في العاصمة، برزت ملامح الازدواج، خاصةً بعد سيطرة حكومة باشاغا على ديوان رئاسة الوزراء في عاصمتي الإقليمين الشرقي والجنوبي، بمدينتي بنغازي وسبها. 
وزادت ملامح هذا الازدواج مع بدء حكومة باشاغا في إصدار البيانات والبلاغات والقرارات كحكومة رسمية للبلاد، إذ أصدر باشاغا عدة منشورات وجهها للمؤسسات والمصالح حكومية والهيئات والبلديات يخطرها بعدم تنفيذ أي قرارات أو تعليمات صادرة من حكومة الدبيبة التي يصفها بـ"حكومة تصريف الأعمال منتهية الولاية".

ويحظر باشاغا على تلك الجهات إجراء أي تعديل أو تغيير في المراكز القانونية والإدارية تبعاً للقرارات التي تصدر عن حكومة الدبيبة، محذرا المخالفين من مغبّة المسؤولية القانونية والتعرّض للمساءلة التأديبية والجنائية. 
إلى ذلك، شرع نائبا باشاغا في الحكومة وعدد من الوزراء بالعمل في جنوب البلاد وشرقها، وأصدرا قرارات وتوجيهات، عدا عن إجرائهما زيارات ميدانية لعدة جهات عامة "مدنية وعسكرية وأمنية"، للإيحاء على ما يبدو أن حكومة الدبيبة تقتصر سيطرتها على طرابلس وبعض المناطق المجاورة لها فقط. 
وإضافة إلى الحراك الداخلي، زادت حكومة باشاغا من وتيرة حراكها في الخارج، من خلال لقاء باشاغا عددا من سفراء الدول الخارجية لدى ليبيا، التي اتخذ بعضها طابعًا سياسيًا كلقائه بالسفير الأوكراني لدى ليبيا السبت الماضي، وتأكيده خلال اللقاء دعم ليبيا للشعب الأوكراني "في كفاحه من أجل الحرية"، وفق تغريدة له على حسابه على "تويتر". 
كما أصدرت وزارة الخارجية بحكومة باشاغا بيانًا دانت فيه الهجوم الذي لحق بمنشآت شركة أرامكو السعودية. 
وفي السياق، طالب باشاغا في مناسبات عديدة بوقف ما سماه "التصعيد السياسي والعسكري" الذي يقول إن حكومة الدبيبة "تمارسه عبر اغتصاب السلطة واحتلال المقار الحكومية بالعاصمة استناداً إلى فرض الأمر الواقع واستغلالاً لحرص حكومة باشاغا على عدم استخدام العنف والتصعيد العسكري".
وحذّر باشاغا من أن تهدد تصرفات حكومة الدبيبة اتفاق وقف إطلاق النار، وتقوّض الجهود المحلية والدولية الساعية لإجراء الانتخابات. وجاءت تصريحات باشاغا عقب فشل قوات تابعة له في 11 من الشهر الجاري في دخول العاصمة التي تتمترس فيها قوات أخرى داعمة للدبيبة قامت بنصب بوابات أمنية وعسكرية وتكويم السواتر الترابية بمداخل المدينة. 
ولا زالت حكومة الدبيبة تمارس أعمالها بشكل اعتيادي من طرابلس، وتصدر القرارات والتوجيهات وتتابع أعمال الإنشاءات والصيانة بمؤسسات الدولة، تزامنا مع اجتماعات لم يتوقف الدبيبة عن عقدها مع وزراء حكومته، بما في ذلك عقد اجتماعات مع جهات سيادية في الدولة آخرها لقاؤه محافظ البنك المركزي الصديق الكبير، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، الثلاثاء الماضي، بالتزامن مع إصدار عدد من القرارات لمعالجة أزمة ارتفاع الأسعار، كما يبدو أنها لا تزال تمثل البلاد في الخارج، إذ شاركت وزيرة خارجيته بمنتدى الدوحة في نسخته الـ 20. 
ويرى مراقبون أن ما تقوم به الحكومتان يعد شكلًا واضحًا من أشكال الانقسام السياسي الذي بدأ يعود إلى الواجهة بعد أقل من سنتين من توحيد السلطة التنفيذية، فيما عبر عدة سياسيين عن مخاوفهم من مغبة ذلك وتبعاته على حال البلاد التي تعيش فترة سياسية مؤقتة وأزمات أمنية واقتصادية استمرت 11 عاماً حتى الآن، وتُنبئ بمزيد من الاستمرار. 
ولم يشمل الانقسام السلطات التنفيذية فقط، بل طاول الجهات التشريعية المتمثلة في مجلس النواب (الداعم لحكومة باشاغا) والمجلس الأعلى للدولة (الذي يطالب بتأجيل مسألة النظر في تغيير الحكومة لما بعد البث في القاعدة الدستورية المنظمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة لوقت غير محدد بعد). 
ولم تنجح الجهود الدولية التي قادتها مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة للشأن الليبي، ستيفاني وليامز، في جمع المجلسين على طاولة واحدة، تنفيذاً لمبادرة أطلقتها خلال الشهر الجاري بدعم دولي، بهدف دفعهما للاتفاق على قاعدة دستورية، حيث اقتصر حضور الاجتماعات التشاورية، التي بدأت بها وليامز في تونس الأسبوع الماضي، على لجنة ممثلين عن مجلس الدولة، في حين غاب مجلس النواب عن الصورة، ولم يعقد أي اجتماع منذ تأدية حكومة باشاغا اليمين القانونية أمامه بداية مارس/آذار الحالي.
من جهته، يرى الكاتب الصحافي والمهتم بالشأن العام موسى تيهو ساي، أن الوضع الحالي مقلق جداً على المستويين السياسي والأمني، وقد يُعيد البلاد إلى مرحلة ما قبل اتفاق جنيف الذي أدى لتوحيد السلطة التنفيذية في البلاد العام الماضي. ويقول تيهو ساي لـ"العربي الجديد": "في ظل غياب الأمل بتراجع الدبيبة أو باشاغا عن مواقفهما، نحن فعلاً في مرحلة ازدواج حكومي، وعلى مشارف عودة الانقسام السياسي، والأمر يمكن أن يتطور إلى الأسوأ بالنظر لعدة عوامل سياسية، أهمها ضعف موقف الأمم المتحدة، وعدم توصلها لآلية اتفاق بين مجلسي النواب والدولة، بشكل ينعكس على الاصطفاف الحكومي". 
وفيما يشير الى قرب انتهاء تكليف وليامز بمنصب مستشار للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، يقول "ما يزيد من القلق أن ستيفاني وليامز في شهرها الأخير وأن هناك محاولات روسية لعدم التجديد لها أو تسميتها كمبعوث أممي. بشكل عام قد يؤثر الصراع الدولي القائم حالياً على دور الأمم المتحدة في البحث عن حل للأزمة الليبية". 
وبحسب تيهو ساي، فإن ما يدعو للاطمئنان إلى حد ما هو الإصرار الدولي على استمرار تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وعدم تطور الصراع السياسي القائم وتحوله لمواجهة مسلحة بين أنصار الحكومتين، ويرى أن هذا الإصرار الدولي على تهدئة الجبهات سيؤدي لتخفيض مستوى التوتر، موضحا أن "المصلحة الدولية في ذلك تنبع من ضرورة عدم تأثير الملف الليبي على الصراع الدائر في أوكرانيا، فالصراع هنا مؤثر ومتأثر بما يجري في أوروبا الآن". 
وتبعاً لذلك يستبعد تيهو ساي اندلاع حرب أخرى في البلاد، كالتي وقعت في طرابلس عامي 2019 - 2020، لغياب الدعم العسكري الخارجي لأطراف الصراع.   
ويعتقد تيهو ساي أن ملف الطاقة يأتي على رأس الأولويات الدولية فيما يتعلق بالشأن الليبي اليوم، مشيرًا إلى أن المصلحة الدولية تقتضي إبقاء ملف النفط محايداً في الأزمة، وذلك عبر الحفاظ على تدفقات النفط والغاز الليبي، مضيفًا "هذا أهم أسباب الإبقاء على حالة اللا حرب واللا سلم في البلاد، إلى حين الوصول لتفاهم ما بين الخصوم، يقود لإجراء انتخابات تنهي كل الأجسام السياسية الحالية".

 

التعليقات (0)