كارثة الديون السيساوية متى بدأت.؟!

profile
د .عبد الخالق فاروق الخبير فى الشئون الاقتصادية والإدارة الحكومية
  • clock 19 مارس 2021, 2:22:26 م
  • eye 1726
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

حتى نعرف كارثة الديون فى عهد السيسى فلنبدأ حكاية الديون من البداية

وسط أضواء النصر المبهرة، وأقواس النصر العالية؛ كان من الضرورى أن تصاحب قوافل شيلوك مواكب قائد منتصر توا، فلم يكن متصورا أن يتحرك موكب الفرعون ( السادات ) ، خالى الوفاض وسط شعب وجيش صمد لحصار وقاتل بشراسة لاسترداد أرضه المحتلة منذ ست سنوات كاملة.

هذا هو التصوير النفسى والسياسى الوحيد لقفزة غير مشهودة فى وارداتنا خلال العامين التاليين للحرب مباشرة. لقد قفزت الواردات من 757 مليون جنيه عام 1973، إلى 920 مليون عام 1974 ، ثم إلى 1593 مليون جنيه عام 1975 ، وبلغت عام 1976 نحو 1647 مليون جنيه.

لقد آن أوان "وهم الرخاء".

والحقيقة أن المتأمل في حجم التدفقات المالية الضخمة التى دخلت إلى شرايين الاقتصاد المصرى منذ عام 1974 حتى عام 2011 ، والتى تجاوزت 850 مليار دولار يندهش من النتائج العكسية التى جاءت بها هذه السياسات طوال أربعين عاما ، سواء على مستوى تفاقم المديونية الداخلية والخارجية ، أو على مستوى معدلات التضخم وإرتفاع الأسعار الذى إلتهم أية فرص لتحسين مستوى معيشة الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل معا .

وبرغم هذه التدفقات المالية والاستثمارية الهائلة والمتنوعة ، فقد تفاقمت مشكلة المديونية مرة أخرى في التاريخ الاقتصادى لمصر ، ودفعت بالسياسة المصرية إلى مسارات مدمرة ، سواء على صعيد سياستها الإقليمية أو الدولية ، أو حتى على مستوى سياساتها الاقتصادية الداخلية ، تماما كما كشف بحق ضابط الاستخبارات المركزية الأمريكية " جون بيركينز " عبر ما يسمى " مصيدة الديون Debits Trap . ومن قبله أستاذ الاقتصاد والتخطيط المصرى الدكتور رمزى زكى .

فكيف تطورت المديونية المصرية الجديدة ؟

( أ ) الدين الخارجى أو الأجنبى : 

ولم يكن من المتصور أن تأتى هذه السلع الاستهلاكية فى الغالب منحه من البرنامج السلعى للإقراض الأمريكى ، أوحتى من مساعدات الأقطار العربية؛ فكان من اللازم أن تدفع فاتورة العجز الأجيال التالية من خلال المديونية ، ولم تفلح حتى الزيادة الكبيرة التى شهدتها موارد تحويلات المصريين العاملين بالخارج ، ولا الثلاثة الكبار الآخرون من سد فجوة الخطيئة القومية خلال هذه المرحلة والمتمثلة فى الديون الأجنبية.

وهكذا قفز الدين الأجنبى – وكأننا فى عصر الخديوى إسماعيل - من نحو 2300 مليون دولار عام 1973 إلى 5043 مليون دولار عام 1976 (بخلاف الديون العسكرية التى بلغت وفقا لبعض التقديرات 3 مليارات دولار) (81) ، ويشير د. فؤاد مرسى إلى حجم الهرولة على الديون والاقتراض من الخارج بحقيقة أنه خلال عام 1974 وحده اقترضت حكومة د. عبد العزيز حجازى نحو 940 مليون جنيه (ما يعادل 2162 مليون دولار بأسعار الصرف وقتذاك) فى صورة تسهيلات ائتمانية قصيرة الأجل ومن موردين بسعر فائدة كبيرة جدا تجاوز 19% (82).

وبهذا قفز الدين الخارجى المدنى بحلول عام 1979 إلى 12 مليار جنيه (ما يعادل 15.6 مليار دولار بسعر الصرف التشجيعى للدولار) وفقاً لتصريحات رئيس الوزراء المصرى وقتئذ د. مصطفى خليل ، هذا إذا صدقت تقديراته (83).

وعشية أغتيال الرئيس السادات فى السادس من أكتوبر عام 1981، كانت ديون مصر الخارجية قد قاربت 30.0 مليار دولار ، موزعة بين ديون مدنية طويلة ومتوسطة الأجل (14.3 مليار دولار ) ، وديون مدنية قصيرة الأجل بنحو 6.8 مليار دولار ، وديون لدى القطاع الخاص بحوالى 500.0 مليون دولار ، ، أما الديون العسكرية للولايات المتحدة والدول الغربية فقد بلغت 5.0 مليار دولار ، وأخيرا باقى الديون العسكرية للاتحاد السوفيتى بحوالى 3.0 مليار دولار (84) .

والمشكلة التى تفاقمت فى عهدى الرئيسان أنور السادات وحسنى مبارك ، هو إستسهال الإقتراض القصير الأجل ومن تسهيلات الموردين ، التى لم تكن تزيد عشية وفاة الرئيس جمال عبد الناصر عن 148.0 مليون دولار ، فإذا بها تصل إلى 1168.0 مليون دولار عام 1975 ، وأخذت فى التضاعف عدة مرات بعد ذلك (85) .

وهكذا زادت معدلات خدمة الدين الأجنبى بالنسبة للناتج المحلى الإجمالى من 4.1% عام 1973 ، إلى 8.8% عام 1977 ، ثم إلى 8.6% عام 1980 ، ووصلت عام 1984 إلى 10%. كما زاد معدل خدمة الدين كنسبة من إجمالى الصادرات من السلع والخدمات من 21.8% إلى 22.8% ثم إلى 26.5% وفى عام 1984 وصلت إلى 27.5% (86).

لقد بلغ ما سددته مصر فى صورة أقساط وفوائد على الدين الأجنبى عام 1981 حوالى 2.9 مليار دولار ، أى ما يعادل 28% من إجمالى إيرادتها من النقد الأجنبى ذلك العام (87).ولم يكن أمام الرئيس الجديد ( حسنى مبارك ) سوى أن يسير على نفس المسار الشائك ، فزادت ديون مصر المدنية والعسكرية فى يونيه عام 1986 ، إلى أكثر 45.0 مليار دولار ، موزعة بين ديون طويلة ومتوسطة الأجل (24.3 مليار دولار ) ، وديون القطاع الخاص التى زادت من 0.5 مليار دولار عام 1981 إلى 2.7 مليار دولار فى يونيه 1986 ، أما الديون العسكرية للولايات المتحدة ودول أوربا الغربية فقد زادت بدورها من 5.0 مليار إلى 9.0 مليار خلال نفس الفترة ، وهذا الدين لا يشتمل على تسهيلات الموردين ، التى قدرتها السفارة الأمريكية بالقاهرة فى أحد تقاريرها بحوالى 8.0 مليار دولار أخرى (88) .

ولم يكن غريبا أن تتصدر الولايات المتحدة – العائدة توا إلى الساحة المصرية - قائمة الدائنين خلال عامين فحسب (75 – 1976) ، وبحلول عام 1989 كان حجم الديون المدنية للولايات المتحدة الأمريكية على مصر قد بلغ 15 مليار دولار ، موزعه على ثلاث برامج إقراض أساسية هى : برنامج الاستيراد السلعى ، وبرنامج المشروعات (البنية الأساسية وتجديد المصانع) ، وأخيرا برنامج القانون 480 لفائض الحاصلات الزراعية (89).

وإذا جمعنا ما تم إقتراضه لصالح القروض الاستهلاكية (الاستيراد السلعى وفائض الحاصلات) خلال هذه الفترة فأنها ستتجاوز 57% فى المتوسط من إجمالى القروض الأمريكية لمصر ، أما قروض المشروعات فأنها كانت غالبا باستخدام مكاتب خبرة أمريكية ، وخبراء أمريكيين وشركات أمريكية (90).وفى عام 1980 كان قد وصل عدد هؤلاء الخبراء الأمريكيين 1116 خبيرا يراقبون مختلف الوزارات طبقا لبرنامج القروض الأمريكية (91) .وخلال المرحلة الأولى التى تولى فيها حسنى مبارك مقاليد الحكم في البلاد (82 – 1997) تميز وضع المديونية للاقتصاد المصرى بسمات جديدة هى :

أولا : استمر معدل الاقتراض الخارجى على معدله المرتفع حيث زاد الدين الأجنبى من 25 مليار دولار فى نهاية عام 1981 (بخلاف الديون العسكرية) ، إلى أن بلغ 50 مليار دولار بحلول عام 1991 ، مع استمرار الاقتراض لتمويل العجز فى ميزان المدفوعات بسبب تزايد العجز فى الميزان التجارى. ويظهر تقرير لجنة الخطة والموازنة عن الحساب الختامى للموازنة العامة للدولة عام 88/1989 تطور الاقتراض من الخارج خلال هذه السنوات حتى قارب 50.0 مليار دولار .هذا بخلاف 8.7 مليار دولار تم الاتفاق على إعادة جدولتها مع أعضاء نادى باريس فى عام 1987 (92).

إذن الاقتراض الخارجى ظل مستمرا لأن مصدر العجز ظل قائما فى الموازنة وفى الميزان التجارى .

ثانيا : وبرغم أن الثمن الذى تقاضته مصر ونظام الرئيس مبارك من جراء موقفها في حرب غزو العراق للكويت عام 1991 وتداعياته ، كان تخفيض الدين الخارجى لمصر من 50 مليار دولار إلى 25.0 مليار دولار ، علاوة على إلغاء سبعة مليارات دولار أخرى من الديون العسكرية المستحقة للولايات المتحدة الأمريكية ، فأن الدين الخارجى عاد للصعود مرة أخرى في نهاية حكم الرئيس مبارك في مطلع عام 2011 إلى حوالى 34.0 مليار دولار

ثالثـا : وصاحب هذا عقد اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولى لتنفيذ برنامج للتغيير الاقتصادى يتكون من ثلاثة مجموعات من السياسات هى :

( 1 ) : برنامج تثبيت يتضمن تحرير سعر الفائدة ، وإلغاء التخصيص الإدارى للائتمان ، والاعتماد على أذون الخزانة لإدارة السيولة المحلية ، وإنهاء الرقابة على سعرالصرف الأجنبى وتوحيده ، وتخفيض سعر الجنيه فى المرحلة الأولى بنسبة 30% ، ووقف التوسع فى طبع البنكنوت وتحرير أسعار الفائدة .

( 2 ) : برنامج للتعديلات الهيكلية تشتمل على تعديل لأسعار المنتجات الزراعية والصناعية ، وتحرير التجارة وإزالة الحواجز ، والبدء الجدى فيما سمى هيكلة القطاع العام ،وإنهاء القيود أمام الاستثمار الخاص ،وعمليات الخصخصة وبيع الشركات العامة مع إجراء تغييرات تشريعية تناسب الأوضاع الجديدة.

( 3 ) : برنامج تعويض للسياسات الاجتماعية ، وفى طليعتها إنشاء الصندوق الاجتماعى للتنمية لتعويض وتكييف ضحايا هذه السياسات الجديدة (من عمال وخريجين ومتعطلين ... الخ) ، وإتاحة الفرصة لتمويل المشروعات الصغيرة المناسبة لقدراتهم (93).

وارتبطت كل شريحة من شرائح إلغاء الدين بتنفيذ جزء متفق عليه من البرنامج المشار إليه؛ فأسقطت الشريحة الأولى وقدرها 15% من الدين الأجنبى على مصر فى يوليه 1991؛ وتأجل إسقاط الشريحة الثانية وقدرها 15% أخرى من ديسمبر 1992 حتى تنفيذ المتفق عليه من البرنامج فى أكتوبر 1993 ، وأسقطت الشريحة الثالثة والأخيرة وقدرها 20% فى أكتوبر 1996 ، وكان مقدرا لها يوليه 1994 (94).

وبعد إسقاط هذه الشرائح الثلاث وقدرها (50%) ، بلغ حجم الدين الخارجى على مصر فى أواخر عام 1996 نحو 31.0 مليار دولار أمريكى (95).

وكان أخطر ما نص عليه هذا الاتفاق هو إجبار الحكومة المصرية والرئيس مبارك على الإلتزام ببيع أصول الشركات المملوكة للدولة وفقا لبرنامج أطلق عليه الخصخصة ، وتندر عليه المصريون فأطلقوا عليه ( المصمصة ) .؟


الجزء الثالث يوم الأحد القادم

التعليقات (0)