ماجد كيالي يكتب: ليس لدى الرّئيس الفلسطيني محمود عباس مَن يخاطبه

profile
  • clock 21 مايو 2023, 4:40:57 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بدا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لدى إلقاء كلمته في فعالية إحياء الذكرى الـ75 للنكبة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك (15/5/2023)، متعباً، بجسمه وصوته وإحساسه وسنّه، وأيضاً في مضمون خطابه، الذي عبّر عن بالغ المرارة والإحباط من طريقة التعامل الدولي مع حقوق الفلسطينيين وقضيتهم، منذ 75 عاماً.

اللافت أن خطاب الرئيس كشف، عن قصد أو من دونه، خطأ مراهنات القيادة الفلسطينية وخياراتها التي تبيّنت عن مجرد أوهام، منذ ثلاثة عقود، إلا أنه لم يبد الشجاعة الأخلاقية والسياسية لتحمل المسؤولية، بإجراء مراجعة نقدية لتلك المراهنات والخيارات، التي كان له دور كبير في الترويج لها، والسير بها، منذ مطلع التسعينات حتى الآن.

من جهة المضمون، جاء خطاب الرئيس على تناقض مع المسيرة السياسية التي اختطتها منظمة التحرير، وحركة “فتح”، في العقود الثلاثة الماضية، أي منذ إقامة السلطة الفلسطينية، أولاً، بالانزياح من ملف النكبة (1948)، الذي يتمحور على التصارع مع إسرائيل على كل فلسطين، إلى ملف التصارع معها على ملف الاحتلال الذي بدأ في عام (1967)، على جزء من فلسطين. ثانياً، بالتحول من تمثيل الشعب الفلسطيني بحقوقه وقضيته، في كيانه الوطني الجامع ممثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية، إلى تمثيل جزء منه، في الضفة وغزة والقدس الشرقية، عبر السلطة، المنبثقة من اتفاق أوسلو (1993)، والتي أضحت سلطتين، لـ”فتح” في الضفة، ولـ”حماس” في غزة. ثالثاً، باختزال هدف الفلسطينيين، وقضيتهم، بإقامة دولة لجزء منهم في الجزء من أراضيهم الذي احتلته إسرائيل عام 1967، بعدما كان الهدف يتمحور حول حق العودة، وتقويض المشروع الصهيوني، الذي نهض على محو شعب فلسطين من الزمان والمكان، وباعتبار أن الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة نهضت على أكتاف مجتمعات اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان؛ منذ أواسط الستينات من القرن الماضي.

في هذا الإطار، فإن حديث الرئيس عن قراري التقسيم (181، لعام 1947)، وحق العودة للاجئين (194، لعام 1948) مع أهميتهما، بدا خارج سياق الخيارات السياسية للقيادة الفلسطينية، كونها لم تستند إليهما، من الأصل، كمرجعية لدى توقيعها اتفاق أوسلو (1993)، وكان سبق للرئيس أن صرّح بإمكان التخلّي عن حق العودة بقوله: “اريد أن أرى صفد. حقي أن أراها، لكن ليس أن أعيش هناك”! (تشرين الثاني/نوفمبر 2012). أيضاً فإن القيادة الفلسطينية، قبل توقيع ذلك الاتفاق، لم تضغط على الإدارة الأميركية لإلغاء القانون الذي يعتبر منظمة التحرير إرهابية، ولم تطرح قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية للإفراج عنهم، في إطار التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية. وبالمحصلة فإن ذلك الاتفاق لم تنتج منه سوى سلطة تحت الاحتلال، من دون البت بقضايا اللاجئين والاستيطان والقدس والحدود، ما حوّله إلى شرك لإنهاء منظمة التحرير، وتجويف الحركة الوطنية الفلسطينية، وتجزئة شعب فلسطين وقضيته.

وقد يجدر التذكير هنا بنص الخطاب الرسمي الفلسطيني، في شأن الصراع مع إسرائيل، الذي بات بمثابة لازمة في كل القرارات الصادرة عن اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني، في السنوات الماضية، والذي يقول: “يؤكد المجلس الوطني الفلسطيني أن علاقة شعبنا ودولته مع إسرائيل، هي علاقة تقوم على الصراع بين شعبنا ودولته الواقعة تحت الاحتلال، وقوة الاحتلال، ويدعو إلى إعادة النظر في كل الالتزامات المتعارضة مع ذلك… إن الهدف المباشر هو استقلال دولة فلسطين؛ ما يتطلب الانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي إلى مرحلة الدولة التي تناضل من أجل استقلالها، وبدء تجسيد سيادة دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967”. (الدورة 23 للمجلس الوطني، رام الله، أيار/مايو، 2018).

من ناحية أخرى، فإن الرئيس الفلسطيني في غمرة حماسته لخطابه العاطفي، والإنشائي، بدا كأنه يقدم درساً في التاريخ، هو لزوم ما لا يلزم، لأن الأطراف المعنية، لا تنقصها معرفة ما صنعته بأيديها، بهذا القدر أو ذاك، ولن تغير زيادة معرفتها به شيئاً.

وفي الواقع، فإن هذا الخطاب لا يتوجه حتى إلى الشعب الفلسطيني، الذي بات بسبب طريقة عمل قيادته، وهي قيادة المنظمة والسلطة و”فتح”، وكلها بقيادة الرئيس محمود عباس ذاته، خارج المعادلات، وهذا ينطبق على فلسطينيي بلدان اللجوء والشتات، بعد إزاحة حق العودة، وتهميش منظمة التحرير، كما ينطبق على الفلسطينيين في فلسطين التاريخية، من النهر إلى البحر، ففلسطينيو 48 هم من الأصل خارج الحقل السياسي الفلسطيني، إذ إن التعامل معهم يجري بدلالة مواطنيتهم الإسرائيلية، وليس بدلالة كونهم جزءاً من الشعب الفلسطيني، أما فلسطينيو الضفة وغزة والقدس الشرقية، فباتوا على الهامش، لأن السلطة، بحكم سيطرتها على المجال العام، وتغوّل أجهزتها الأمنية، أضعفت المجتمع المدني، وقوّضت فاعليته وحيويته، بحيث بات يمكن الاستنتاج أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة كانوا قبل إقامة السلطة أكثر وحدة وتحرراً وجرأة في مواجهة الاحتلال عنهم بعد إقامة السلطة، وقد انعكس ذلك أيضاً على السلطة التي أضحت ضعيفة، أيضاً، إزاء التحديات الإسرائيلية.

على ذلك، فإن الرئيس وهو يتحدث على هذا النحو، متوسلاً الأطراف الدولية الفاعلة، ينسى أن خياراته، وطريقة إدارته للوضع الفلسطيني، أسهمت في إضعاف شعبه، وإضعاف كيانه الوطني (منظمة التحرير)، بل أدى ذلك إلى تصدع وحدة الشعب الفلسطيني، وتفكيك قضيته، مع افتقاده رؤية وطنية جامعة. ويأتي ضمن ذلك حل المجلس التشريعي الفلسطيني، وحل مجلس القضاء الأعلى، وإلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية، إضافة إلى تهميش منظمة التحرير الفلسطينية التي لم يجتمع مجلسها الوطني سوى مرتين (2009 و2018) في عهده الطويل، علماً أن القرارات التي اتخذها المجلسان الوطني والمركزي بشأن مراجعة الاعتراف بإسرائيل ووقف التنسيق الأمني معها ظلت حبيسة الأدراج بقرار من الرئيس.

على أي حال، ففي عهد الرئيس أبو مازن في القيادة، افتقد الشعب الفلسطيني القيادة، كما افتقد وحدته، ومنظمته الجامعة، وفي عهده خسرت “فتح” مكانتها، ودورها، وروحها، وباتت منظمة التحرير مجرد هيكل لا معنى ولا فاعلية له، كما خسرت قطاع غزة. والسؤال هنا: ما الرسالة التي يوجهها الرئيس محمود عباس إلى العالم، وهو في كل مناصبه في أواخر الثمانينات، وله في منصب الرئاسة 18 عاماً؟! فهل هذا هو النموذج المنشود للشعب الفلسطيني الذي يتوق للتحرر من الاحتلال؟! هل هذا الوضع يجلب احترام العالم وتعاطفه مع الشعب الفلسطيني، وهو بالكاد يستطيع سماع صوت رئيس هذا الشعب؟!


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)