محمد إبراهيم المدهون يكتب: نتنياهو أمام غزة حسابات معقدة

profile
د. محمد إبراهيم المدهون كاتب ووزير فلسطيني سابق
  • clock 9 مايو 2023, 9:00:00 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عدوان عسكري نذل وجبان على بيوت امنة وأطفال في غزة يغتال 14 شهيدا وغالبا سيفضي إلى مواجهة واسعة وفي وهم نتنياهو أن يفضى إلى شطب غزة عسكريا، مع استحضار منه لمساهمة ذلك في القضاء على عدو استراتيجي، وفتح الباب لتعزيز وعودة سلطة رام الله إلى غزة، على قاعدة البرنامج المطبق في الضفة (التنسيق الأمني)، وتعود غزة بذلك إلى سوق عمالة رخيص، مع تجديد للعلاقة الاقتصادية عبر المناطق الصناعية على معابر غزة، وما تمثله ذلك من تعاطي (إسرائيل) مع الرؤية الإقليمية في شطب الإسلام السياسي، وكذا من تحقيق لرؤية (إسرائيل) جزء من محور يتشكل في المنطقة باسم الهلال المعتدل، فضلاً عن إعادة الاعتبار لــ(إسرائيل) كقوة ردع، بعد أن تهاوت مع جميع الجولات الملحمية الخالدة التي خاضتها غزة والتي توجه مسدس في ثقب جدارها مسقطا عقيدة "الحدود المحصنة ومن وراء جدر" وبعد اشتعال الضفة بيد تتهم فيها غزة.

في المقابل، حساب السرايا ليس كحساب القرايا، فغزة التي تعطلت أمامها ماكينة العدوان مع إذلال غير مسبوق فإن استقراء (إسرائيل) للوقائع التاريخية ودراسة المعلومات الميدانية فإنها ستكون أمام قرار عسكري مُعقد، ربما يذهب بإتجاه حرب إقليمية او يذهب باستقرار المنطقة الذي سعت له (إسرائيل) بعد ما عطلت ما يعرف بالربيع العربي، فضلاً عن احتمالية عالية لاشتعال الضفة على أوسع مدى، مما سيسقط شرعية السلطة، وسقوط ورقة (التنسيق الأمني) الهامة، وكذا اشتعال وحدة الساحات حال كانت استراتيجية تزامن الجبهات معتمدة حقا لدى أطرافها.

كما أن تأثير ذلك سيطال مشروع تصفية القضية الفلسطينية فيما يعرف بـصفقة القرن التي ينفذها بايدن بصمت مرتديا قفازات حرير، والتي أودعت القدس والجولان بشكل رسمي أمريكي، وما زال في انتظار ضم غير معلن للضفة وغور الأردن. فضلاً عن تعطيله للشق الاقتصادي منها والقائم على تطبيع عربي من الباب للمحراب، والمنافسة شاهد بين دول عدة في حيازة الرضى الإسرائيلي.

وفي ذات الوقت الهجوم على المقاومة واغتيال واعتقال رجالها يفتح شهية نتنياهو على مصراعيه عله يصل مبتغاه دون أثمان تمس مستقبله وإئتلافه الواهن.

وحتى حال تحقق إعادة احتلال غزة فإن ذلك سيضع (إسرائيل) أمام المسؤولية الاقتصادية والأمنية المعقدة، مما سيشكل تناقضًا مركزيًا مع سياسة (إسرائيل) في عدم تحمل عبء السكان الفلسطينيين لصالح أكبر سيطرة على الأرض، فضلاً عن سقوط الاتفاقات التي رعتها المنظومة الدولية، وإذا رغبت (إسرائيل) في ترك غزة تفاوضياً لصالح السلطة فإنها ستعود إلى نقطة صفر في مشروع حل الدولتين الذي نقضته الحكومة اليمينية، وكذا إدارة ترمب ويتبناه بايدن على الورق على أساس من حدود كوشنير وليس 67، وحال الانسحاب من غزة دون توفير البديل ستكون (إسرائيل) أمام سيناريو الفوضى، وربما خلاله سيكون بقاء الحال الخيار السيء لنتنياهو هو الأفضل بالمقارنة.

لذلك وأمام حكومة يمينية فاشية غير مستقرة، والمسار الإجباري لنتنياهو المتوج ببنغفير وسموتردرش مستفيدا من عقيدة "تحسبهم جميع وقلوبهم شتى". يقف نتنياهو صاغرا على هذا المفترق الصعب والحساس بينما يتقدم غانتس في استطلاعات الرأي كثيرا.

ولكنه بدهاء يسير على هذا الخيط المشدود بمنتهى الدقة والحساسية، ويتجرع صورته المهينة وهو يأوي إلى تسهيلات خجولة لغزة علها تنجيه من لعنتها التي طالت رابين وشارون وأولمرت  وهو شخصيا في دورة انتخابية سابقة ومزيد لا حصر له من القيادة الأقل وزنًا منهم ليست بمنأى عنهم.

وتقديري أنه على مفترق بالغ الحساسية بل والمنطقة كلها أمام هذا المفترق الذي سيجعل من ذكرى #نكبة 75 يمضي بالإتجاه العكسي لرغائب نتنياهو بأن تصل (إسرائيل) إلى المئوية.

نتنياهو أمام غزة وحساباتها شديد الحساسية، وسيكون دومًا ضعيفًا في قراراته في مواجهتها 
"ولله في خلقه شؤون".

" وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (يوسف: 21)

كلمات دليلية
التعليقات (0)