محمد ثابت يكتب : كيف نكتب عن طوفان الأقصى بتوازن؟!

profile
محمد ثابت كاتب وروائي مصري
  • clock 20 نوفمبر 2023, 7:22:23 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 لم ينتظر بعض من الكُتَّاب العرب حتى صباح الأحد 7 من أكتوبر   لينشروا ما أسرعوا فكتبوه عن عملية "طوفان الأقصى" عقب انطلاقها ، 

تتابعت المقالات من مساء السبت إذن على المواقع عن الصدمة الصهيونية والمجتمع الدولي الذي بوغت ,والفشل الاستخباري الأمريكي وداخل دولة الاحتلال، وبقيت في النفس أسئلة بالغ المرارة حولنا ككُتَّاب عرب: هل من مهامنا الحقيقية استشراف الغد؛ والوقوف عند معطيات اليوم وقراءة ما ستؤول الأحداث إليه والتبشير بالإشراق الوشيك؟                                                                                                                 

 

  فلماذا إذن لم يستوعب كاتب عربي واحد يسعى في مهانة الأحداث العربية والدولية الحالية ومعركة السعي وراء تأمين مستلزمات الحياة الحدث المزلزل قبل حدوثه؟ فسواء أكان الكاتب مرفهًا يأكل من كتاباته بشكل جيد؛ أو كان من عامة الذين يعانون من أصحاب الرأي، فليس هناك واحد من أولاء وأولئكم "بشر" بنصر قريب يوشك أن يغطي سماء هذه الأمة الملبدة بغيوم الهزائم الداخلية، سواء نتيجة تحكم حكام ينتمون إلى نفس الأوطان والمرجعية المكانية، أو جراء أفعال أعدائنا الذين صاروا "يتسلون" علينا وعلى افتعال الأزمات المتجددة لنا ولبلادنا؟                                                                                                   

   جاء النصر "القسامي/الحماسي" كالطفل الوليد الذي يبلج فجر ميلاده بين جميع أنواع الكوارث المسببة وغير، فقد نجحت منظمة من عمر أربعيني السن منا، وبإمكانات تكاد تكون منعدمة، نجحت المنظمة فيما فشلت فيه 22 دولة عربية وبضع وخمسون دولة إسلامية ومئات الملايين من البشر ما بينهما أمواتًا وأحياءً ومنذ نحو قرابة 75 عامًا، فشل الجميع في مباغتة دولة الاحتلال وهزيمتها بداية من داخلها ونجحت حماس وكتائب القسام، وهما اللذان تحسرنا على تقاربهما من السفاح بشار الأسد منذ أشهر، لكن هذا جاء في النهاية بما هو أكثر إسعادًا من حياتنا كلها وبما لم يتوقعه عربي واحد، وإن كانت الضريبة فيما قبل وبعد غالية جدًا!                                                                                                                   

  هل نؤمن ككتاب بأننا مثل "زرقاء اليمامة" علينا النصح للأمة كلها مهما كلفنا الأمر؟ وهل نعي أن الله جعل السلاح اليوم في يد طغاة أزلَّوا الأمة؟ ومن الممسكين بالسلاح أبناء لها، اشتروه من حر مالها ليتربحوا به وبإضعافها، هل يؤمن عامة الكُتَّاب أنهم يواجهون أولاء الطغاة بأحبار أقلامهم؟ فلا لايجوز لهم أن يتربحوا أو يعقدوا صفقات كبرى وصغرى للتقوت من كلماتهم؛ فإن عليهم أن يقولوا كلمة الحق مهما كلفتهم، ويغنيهم الله وأسرهم من بعد من واسع فضله!                                                                                      

    لكن أن تتردى الأمة ويؤثر أغلب أصحاب الأقلام أنفسهم فيمالئون الأنظمة وينافقونها، ويأتي آخرون بعجيبة أخرى؛ إذ يمعنون في إذلال أنفسهم لمجموعات كان من المفترض أن تكون "معارضة" للأنظمة الظالمة، ثم كشفت بنفسها الستر عن حقيقتها فإذا هي تتربح بمفردات من مثل: الكفاح، النضال، الحالة الثورية، وبالتالي يسعى كُتّاب لإرضاء أولاء بتدبيج آيات الاحترام والتبجيل؛ وإن المقاومين "المفترضين" على الحق المستبين؛ ولم يكن في الإمكان أفضل مما كان ومما فعلون ويداومون على فعله، فهو ما لم يكن يخطر على بال لشريف مخلص حر يعاني اليوم، وهكذا تكبت الكلمة الحقيقية والحرية بين الظلمة من أنصار الأنظمة ودعاة الإصلاح ـ إلا القليل النادر الرائق مما رحم ربي ـ، وهكذا يظل أولاء وهؤلاء يثبطون في همة الأمة ويقللون من قدراتها، فإذا أفاق طرف منهم فجأة على نصر مؤزر مثل "نصر حماس الأخير" دبجوا آيات المدح فيها وفيه، وفي الحالين لم يخلصوا ـ للأسف المضني ـ نصحًا كاملًا للوطن ولا للأمة، ربما بحسن نية لدى كثير منهم!                                                                                                                        

   لمس أولاء لمسًا مرهفًا رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" خالد مشعل في كلمته لـ"قناة الأقصى" مساء الثلاثاء الماضي لما نادى الجماعات المعارضة للأنظمة بأن تنصر غزة، وظهر من كلماته الأسى والألم لأن الجماعة الأكبر المفترض أن حماس تنتمي إليها غرقت ـ بعيدًا عن غزة وفلسطين ـ في الصراعات والانقسامات وللأسف المهاترات إلا القليل النادر من ملح الأرض الذي لا يملكون مالًا ولا نفوذًا، دعاهم مشعل للتوحد نصرة لقضية الأمة المركزية، وأنّى لهم الاستماع فضلًا عن الفهم بوضعهم الحالي؟                                                                                                                   

    إن كتابنا الذين تغافوا عن زلزال "طوفان الأقصى" استيقظوا عليه ليبشروا بالحرية والكرامة وبداية صعود المقاومة؛ لكنهم غفلوا مرة أخرى عن الثمن الباهظ الذي يدفعه نحو مليونين ونصف المليون من أشقائنا في غزة من المدنيين الذين سيواصلون دفع ثمنًا غاليًا لا نرضاه أو نقبله لهم، وقد بدأ العدو بمساعدة عالمية في حرمانهم من جميع مقومات الحياة للأسف المرير؛ فلا كهرباء ولا غاز ولا مياه ولا طعام، لماذا لم يتحدث اولاء الكُتَّاب عن هذه الأضرار الكبرى المتوقع تفاقمها ـ لا قدر الله ـ خاصة مع إغلاق المعبرين الموصلين للإمدادات لهم من جانب الكيان المحتل ومصر؟ لماذا لم يدع أولاء للبحث عن حل؟ ولماذا اكتفوا بالتيئيس تارة، ولو عبر ادعاء حلول وانفراجات وهمية قبل السبت الماضي، ثم أغرقوا في الأمل بعده؟ دون نظر للواقع المضني الذي يدفع المدنيين ثمنه للأسف وسط إنجاز ضخم لـ"حماس" لكن ثمنه كبير.                            

متى يرزقنا الله بفيض من الكُتَّاب الأحرار ـ زيادة عن الحاليين ـ؟                                          

     ومتى يراعي طرف من كُتَّابنا الله ثم ضمائرهم فيما يكتبون ويطرحون النظر تحت أقدامهم والمكاسب العاجلة حتى يعرفوا التوازن؟ وكيف يكتبون عن فلسطين والأقصى وعملية طوفان الأقصى قبل وبعد بتجرد وبحث عن حلول للاستمرار ومواصلة جني الثمار الحقيقية؟                                                               


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)