محند امقران عبدلي يكتب.. عن الاستقلال و "جدلية الاحتقلال

profile
محند امقران كاتب جزائري وخبير في شؤون التنمية
  • clock 9 يوليو 2022, 3:42:07 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يمثل الاستقلال مرحلة الانعتاق من التبعية القسرية،الكلية او الجزئية مع طرف ثان،أكان دولة أو  قوة اقليمية مهيمنة  ،هذا الانعتاق مرتبط إلى حد بعيد بالفرد، أكان داخل نخبة،صفوة حاكمة تابعة،نخبة الخماسين،أو مجموعات طفيلية تابعة ،تستفيد من فتات الاستعمار و تقتات من فضلاته.
"اه يا جسدي ،اجعل مني إنسانا يساؤل دائما " كانت هذه آخر كلمات فرانتز فانون،الثوري و العالم النفساني الذي خدم الجزائر و إفريقيا و العالم المتحرر من براثن الاستدمار. ماذا بقي لنا من فكره الان؟ ،ماذا نعرف عنه و الجزائر الرسمية منتشية بمرور ستين عاما على" استقلالها" ،وسط عروض و احتفالات و استعراض للقدرات المادية ،العسكرية خاصة و غياب للانجازات العلمية ،الميدانية،و التي تعنى ببناء الإنسان خاصة. إنه الاحتفال بالامجاد و التغني بالماضي وهذا ليس بجديد على بلدان العالم المتخلف.فمثل تلك الاستعراضات نراها كثيرا في مصر ،المغرب،الجزائر، و بلدان المشرق و بلدان الكتلة الشيوعية سابقا.
اعتقد انه من أهداف الاستقلال الأولى، تحرير الإنسان و بناؤه بالعلم و المعرفة و التحضر و التمدن و تهيئته ليكون فاعلا في المجتمع بعيدا عن غوغاءية الوطنية الزاءفة و العواطف النرجسية الهاءجة. 
ماذا فعل الجزائريون بوطنهم،و باستقلالهم، بعد 60 سنة من الانعتاق من اغلال المستدمر الفرنسي المتوحش؟ و هل "سيعود الشهداء حقيقة هذا الشهر " ؟ شخصيا لا اتمنى ذلك ،حفاظا على أرواحهم الطاهرة و ذاكرتهم الجماعية الثورية الأصيلة. 
ان عبثية الاستقلال المزيف ،بادية للعيان،فلا الماضي التليد و لا الامجاد و لا الفولكلور و التهريج بقادر على تغطية المشهد السوداوي القاتم الذي يطغى على يوميات البؤساء ،فالمعيشة ضنكة،غالية،و الطوابير تمثل نسبة معتبرة في حياة المواطن اليومية ،طوابير الحليب،الخبز،الماء،صرف الرواتب و المعاشات ممزوجة بسوء المعاملة ،الفساد،العنف الاجتماعي لينتج لنا خلطة اجتماعية سرطانية تنم على عجز فادح على صون ما يسمى أمانة الاستقلال ،و لا حتى فهم معناها الحقيقي ،رغم انهم علمونا في المدارس ،ان المثابرة على العلم و العمل و البناء بعد الاستقلال هو الجهاد الأكبر. تاهت أجيال الاستقلال المزيف بين الجهادين الأصغر و الأكبر. 
أصبحت عبثية الاستقلال المزيف مقترنة بالحيوانية الجديدة ،فالانسان المستقل يعيش ظاهرا في كنف الحرية و العدالة و المواطنة و في الحقيقة هو ذلك الحيوان الذي يتكاثر ،يمشي،يفترس،يأكل و يمارس وظائفه البيولوجية . بضياع سلم القيم في المجتمعات العربية المتخلفة ،لم يعد للعلم و المعرفة و بناء الإنسان فائدة ،فكم من كتاب بإمكان انسان شمال أفريقيا و الشرق الأوسط ان يطالع،و كم من بحث جاد و محترم بإمكانه ان ينتج و ينشر و ان يعرضه على اقرانه من العوالم الاخرى،الاوربية،الأمريكية و الاسيوية .شيئا فشيءا و بفعل التراكمية السلبية و الاداءات المحبطة ،تولدت جماهير النادمين على مغادرة فرنسا للجزائر مثلا ،ظنا منهم ان كل ما يمكن نسبه من معمار و تهيئه حضرية و تعليم جيد و مواصلات و رعاية صحية كان بفضل فرنسا الاستعمارية، ماالذي جعل هذا الشعور الناتج عن سلسلة الاحباطات ينمو لدى فئات من المواطنين، بعد أكثر من 60. سنة  على استقلال البلد القارة ،أغنى بلد في أفريقيا و المتوسط.
سوف اعتمد على مزيج من النظرة التحليلية النفسية لدى فرانتز فانون و شيء من النظرة التحليلية لإنسان النصف لدى مالك بن نبي .التقيت بالعديد من الشباب و المواطنين المحبطين و لسان حالهم ،التأشيرة لفرنسا،و الحسرة على خروجها من الجزائر  بعدما كانت رمزا للحضارة و الرفاهية .لقد قالها المناضل عبد الحميد مهري -رحمه الله ،في إحدى مداخلاته ،انهم يريدون اقناعنا ان الاستقلال كان خطيئة و ان الثورة كانت اثما .
أثناء بداية رحلة التحصيل العلمي في فرنسا ،كان لي الحظ و ان اشتغلت في استقبال الجماهير الوافدة على ملاعب الروغبي بجنوب فرنسا و بهذه المناسبة كنت اتواصل كثيرا مع أفراد الشرطة و في بعض من المناسبات الوطنية الفرنسية مع عسكريين بمناسبة العروض العسكرية المقدمة ،كانت زميلتي في العمل من أصول مغربية كثيرة الاهتمام بطريقة التعامل بين النظاميين و المواطنين التي تتميز باللباقة و الابتسامة ،عكس ماهو موجود في بلدان المغرب الكبير و الشرق الأوسط، لماذا يحس الكثير من المنتمين لهذا العالم العربي الكبير ،بالاحباط،بالحقرة،بعدم الارتياح،بالخوف،بحتمية التزلف لاستعطاف العسكري ورجل الأمن  الذي من المفترض أن يكون حاميا له و في خدمته .هل الأمر راجع فقط إلى رواسب الاستدمار الذي دام لعقود ،132 سنة في الحالة الجزائرية؟، ام ذلك راجع إلى تشوهات حصلت في المراحل الأولى لميلاد الدولة الوطنية المستقلة بعد حركة تصفية الاستعمار.؟
ماهو الشعور الذي يمكن أن ينتاب الإنسان المغاربي و العربي و هو يعيش مرحلة استدمار داخلي و باياد داخلية؟ ،ألم يكن الجنود البريطانيون و الفرنسيون يمارسون الأفعال المشينة من احتقار،فساد و سلب في الأرياف و المدن المصرية،الجزائرية، التونسية،المغربية ،،،الا يحس الإنسان في هذه الرقعة الجغرافية المترامية الأطراف و المفعمة بالامجاد بأنه يعيش فترة استعمارية مستنسخة و لكن بأدوات و ممارسات محلية ؟ ما الذي يدفع الانظمة العربية و الأفريقية التي تتغنى بالبطولات لمعاملة شعوبها بقسوة و بقمع ووحشية و عنف مفرط.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)