معاناة الشمال السوري.. الزلزال وتداعياته يفاقمان أزمة ممتدة منذ سنوات

profile
  • clock 10 فبراير 2023, 7:54:30 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الشمال السوري الذي يعيش منذ سنوات واقعًا مريرًا، وتكاد إمكاناته تكون معدومة وقواه محطمة هو في مسيس الحاجة إلى العون والمساعدة، والحاصل أنه لا يصله من ذلك إلا النزر اليسير.

وإن كانت مشاهد المأساة جراء الزلزال الذي ضرب المنطقة، تتوزع على جانبي الحدود بين سوريا وتركيا، وصرخات الوجع نسمعها هنا كما نسمعها هناك، لكن الأوضاع في الجانب السوري هي الأكثر إيلاما.

فلا تزال تتواصل عمليات البحث عن ناجين في اليوم الخامس على الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا فجر الإثنين الماضي، وتزامن ذلك مع ارتفاع عدد الضحايا في سوريا بشكل مطرد.

ووفق الدفاع المدني السوري "الخوذ لبيضاء"، فإن الشمال السوري سجل أكثر من 2030 حالة وفاة، وأكثر من 2950 مصابا، مع استمرار عمليات البحث والإنقاذ وسط ظروف صعبة جداً بعد مرور أكثر من 90 ساعة على الزلزال.

ويتوقع أن يرتفع عدد القتلى بشكل كبير بسبب وجود مئات من العائلات تحت أنقاض الأبنية والمنازل المدمرة، وبطء عمليات رفع الأنقاض نتيجة افتقاد المعدات المناسبة، ما يظهر الحاجة الملحة لتلقي مساعدات من الخارج لهذا البلد المنكوب أصلاً بعد 12 عاماً من الحرب.

 

فيما بلغ عدد الأبنية المنهارة بشكل كلي نحو 418 بناءً، والمنهارة جزئيا أكثر من 1300، فضلا عن آلاف المباني المتصدعة.

وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن عدد الذين تضرروا بالزلزال قد يبلغ 23 مليون شخص، بما في ذلك في سوريا، بينهم نحو 5 ملايين في وضع هش.

الكارثة أكبر من الجهد الفردي

ولا يكفي الجهد الفردي أو جهد المنظمات والفرق التطوعية المحلية، إذ إن المسعفين والمتطوعين يقفون عاجزين أمام هول المصيبة.

يقول "أحمد أبوالحسام" أحد متطوعي الدفاع المدني: "الكارثة كبيرة وبدها (تحتاج) 10 دول تحملها، ما عنا (ليس لدينا) شي ننقذ العالم فيه، عم نحاول (نحن نحاول) نشيل الردم (الهدم) بإيدينا بس لو جبنا 100 واحد لنزحزح سقف ماراح نقدر (لن نستطيع)".

وكل المعدّات وآلات العمل التي تستطيع المساعدة في إزالة الأنقاض المتواجدة في شمالي سوريا لا تكفي بلدتَين أو ثلاثة، فكيف بهذه المأساة الكبيرة، حسب المتطوع الآخر "حسام النجار" الذي يقول: "تأتي الجرافة إلى مكان الهدم فيتجمّع حولها الناس، كل له أقارب يريد أن يزيل الركام عنهم، يتحيّر السائق ماذا يفعل ومن أين يبدأ، والناس من حوله تستنجد بأي أحد يمكن أن يكون لديه أمل الإنقاذ أو النجاة لعوائلهم".

ويضيف "النجار" أن "تركيا بكل ما تملكه من أدوات وفرق وبنية تحتية إنسانية ومساعدات دولية وجسور جوية لم تستطع أن تتجاوز هذا الزلزال وتأثيراته، فكيف بنا نحن المنكوبين منذ 10 سنوات ولا أحد ينظر إلينا".

ويتابع: "لن يسمعنا أحد اليوم ولا غدًا، يجب على أيدينا أن تعمل كجرافات لكي نهدئ أنفسنا أمام هذا الكمّ من الضحايا، ومالي عارف هل حأرضي نفسي من هون لبعد 50 سنة أو لأ؟".

وأطلقت العديد من المنظمات والمؤسسات السورية مناشدات لإرسال مساعدات وآليات إلى مناطق الشمال لإنقاذ الناس المتواجدين تحت الركام.

وقالت "الخوذ البيضاء": "نناشد جميع المنظمات الإنسانية والجهات الدولية تقديم الدعم المادي، ومساعدة المنظمات التي تستجيب لهذه الكارثة ومساعدة ضحايا الزلزال بشكل عاجل".

كما أعلنت الفرق والمنظمات العاملة في الشمال السوري أن الآلاف من البيوت إما تدمّرت كليًّا أو جزئيًّا وإما أن حالتها تنذر بالانهيار، فيما أعلنت عن آلاف البيوت المتضررة جزئيًّا، كل هذا يضاف إلى أن الوضع في عموم سوريا كارثي، حيث أعلن النظام السوري أن عدد القتلى نتيجة الزلزال في مناطق سيطرته وصل إلى أكثر من 1100 قتيل، بالإضافة إلى آلاف المصابين إلى الآن.

تأخر المساعدات

وأمام ذلك، لم تدخل إلى المنطقة إلا قافلة واحدة، وصفت بـ"الروتينية"، وذلك عبر معبر "باب الهوي"، ولم تتضمن ما "تحتاجه المنطقة من معدات وآليات بحث ثقيلة لإخراج من هم تحت الأنقاض".

يقول "مازن علوش" مدير المكتب الإعلامي لمعبر "باب الهوى" السوري التركي: "المساعدات تم استئناف دخولها بعد 4 أيام من الكارثة، لكن القافلة الأممية التي أعلن عنها مجدولة روتينيا، وكان من المقرر أن تدخل في اليوم الأول للزلزال".

ويضيف: "تضم القافلة 6 شاحنات، فيها بعض مستلزمات النظافة، وتم تسليمها لإحدى المنظمات الشريكة في المناطق المحررة بشمال غربي سوريا"، مشيرا إلى أنه "من المتوقع أن تدخل مساعدات أكبر في الأيام المقبلة".

في المقابل، يقول "منير مصطفى" نائب مدير الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، إنهم يواجهون منذ اليوم الأول للكارثة صعوبات في قلة المعدات التقنية للبحث والإنقاذ، والآليات الهندسية التي تساهم في رفع الأنقاض.

ويضيف: "هناك صعوبات أخرى تواجه المنظمات الإنسانية في تخديم مراكز الإيواء وقلة عدد الكوادر في المشافي وضعف القدرة على الاستجابة وعدم القدرة على الاستجابة الكاملة لكل المصابين".

ويتابع: "لم تدخل أي فرق مؤازرة إلى شمال غرب سوريا حتى الآن.. العمل جار ومتواصل والأمل كبير في العثور على أحياء تحت الأنقاض".

انتشرت صور كثيرة على مواقع التواصل لاعتماد الأهالي على حفر مقابر جماعية لدفن قتلى الزلزال، وكانت أبرز الصور هي لدفن نحو 50 شخصًا في مقبرة جماعية، بعد أن قضوا في الزلزال المدمّر في منطقة ترحين في منطقة حارم بريف إدلب.

كما انتشرت مقاطع وصور مؤلمة تبيّن حجم الكارثة من خلال افتراش عشرات الجثامين لساحات وممرّات المشافي بعموم الشمال السوري، خاصة تلك المتواجدة في ريف حلب الشرقي وعفرين.

وفي حين تركّزت معظم جهود المنظمات والجهات في الشمال السوري على إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، لا تزال مئات العائلات في الطرقات والأماكن العامة وسط استمرار العاصفة الثلجية وتدني درجات الحرارة.

كما نشرت بعض المواقع والحسابات المحلية على وسائل التواصل قائمة ببعض المواد المطلوبة لإغاثة الناس المنكوبة، والمواد هي: ألبسة وبطانيات وخيّم ومعلبات وخبز، بالإضافة إلى التبرُّع بالمواد العينية للعوائل التي تتواجد في العراء.

ويطالب المسؤولون الصحّيون في المشافي والمراكز الصحية بتوفير سيرومات سكّرية وملحية، ومعقّمات (كحول، بوفيدون)، إضافة إلى جبائر، وشاش معقّم، ومضادات حيوية، وخافضات حرارة مثل السيتامول وريدي، كما طالبوا بتوفير كفوف معقمة وخيوط جراحية.

ولعل السبب الرئيسي في غياب كل هذه المساعدات عن الشمال السوري، هو غياب جهة للتنسيق، خصوصاً أن الكثير من دول العالم لا تعترف بنظام "بشار الأسد" بسبب تورطه الكبير في الحرب الأهلية السورية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف وتسببت بتهجير الملايين، بينما لا تعترف أيّ جهة بالمعارضة المسلحة التي تسيطر على إدلب، وإن كانت تركيا تنسق وتدعم عدداً من فصائل المعارضة.

وقبل وقوع الزلزال كان "باب الهوى" يشهد وبشكل يومي دخول قوافل إنسانية، لمساعدة المحتاجين في شمال غربي البلاد، وكانت تستهدف بالتحديد النازحين المنكوبين المقيمين في مخيمات عشوائية ونظامية.

ورغم أن المنطقة التي أعلنت "منكوبة" ما تزال بحاجة لهذه المساعدات سواء الغذائية والمرتبطة بها، فإن دائرتها توسعت، على خلفية الدمار الكبير الذي خلفه الزلزال المدمّر، مسفرا عن آلاف الجرحى والمصابين، الذين باتت المشافي هناك غير قادرة على استيعاب أعدادهم الكبيرة.

وتُنقل المساعدات الإنسانية المخصصة لشمال غرب سوريا عادة من تركيا عبر "باب الهوى"، نقطة العبور الوحيدة التي يضمنها قرار صادر عن مجلس الأمن حول المساعدات العابرة للحدود.

لكن الطرق المؤدية إلى المعبر تضررت جراء الزلزال، ما أثر موقتا على قدرة الأمم المتحدة على استخدامه، في وقت انتقد فيه مسؤولو إغاثة وعمال إنسانيون التأخير بالاستجابة من قبل الأخيرة لمناطق شمال غرب سوريا.

مأساة مضاعفة

يذكر أن الشمال السوري يعاني أصلًا من وضع مأساوي من ناحية دخول المساعدات الدولية، خاصة بعد أن ضغطت روسيا على الدول من أجل تخفيف عدد المعابر العاملة وجعلها تقتصر على معبر "باب الهوى" فقط.

وفي الأصل فإن المساعدات التي تقتصر على السِّلال الغذائية لم تعد تكفي الناس في هذه الأيام، إذ إن الحالة الآن تستوجب دعمًا دوليًّا بالآليات والمعدّات والمنازل المتنقلة والمشافي الميدانية بشكل عاجل.

ويتخوف عمال إغاثة وناشطون من التداعيات التي قد تنتج عن الكارثة المتواصلة على مناطق شمال غربي سوريا، ولاسيما مع عدم وصول أي مساعدات يطالبون بها حتى الآن، خاصة تلك المتعلقة بمعدات الحفر والآليات الثقيلة لرفع الأنقاض.

وفي حين تعمل فرق البحث والإنقاذ في الوقت الحالي على أولى مراحل مواجهة الكارثة، بإخلاء الجرحى وانتشال الضحايا، فإن المراحل الأخرى التي من المفترض أن تليها لا توجد أي مؤشرات على إمكانية المضي فيها، في وقت يحذر فيه مسؤولون في منظمات إنسانية من ما هو متوقع، مع تقادم الوقت.

ورغم تأخُّر الاستجابة الدولية لشمالي سوريا، فإن بعض الدول أعلنت أنها تقيّم الوضع والاحتياجات في مناطق البلاد لإرسال المساعدات.

ودعت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى فتح الحدود بين تركيا وسوريا، لتأمين تدفُّق المساعدات في ظل الكارثة الإنسانية التي تشهدها مناطق شمال غربي سوريا نتيجة الزلزال المدمّر.

كما دعا المبعوث الأممي الخاص لسوريا "جير بيدرسون"، النظام السوري إلى عدم عرقلة إمدادات الإغاثة للمتضررين من الزلزال في المناطق الخارجة عن سيطرته.

وقال "بيدرسون" إن "ما نحتاج إلى التأكد منه الآن هو عدم وجود عوائق سياسية أمام وصول المساعدات اللازمة إلى المتضررين".

وعلى أية حال، فإنّ المحنة في الشمال السوري تستحق تحركًا دوليًا كبيرًا وجادًا وآنيًا، بدل التذرّع بسوء البنية التحتية وصعوبة الوصول إلى المناطق المتأثرة بالزلزال كحجة للمماطلة.


 

كلمات دليلية
التعليقات (0)