من "معهد واشنطن" إلى "معاريف".. دعوات متزايدة لتوريط مصر في غزة بعد الحرب

profile
عبدالرحمن كمال كاتب صحفي
  • clock 16 نوفمبر 2023, 4:00:36 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بعد 40 يوما من العدوان الإسرائيلي على غزة، فشل جيش الاحتلال في تحقيق أي نصر عسكري، باستثناء استمرار قصف المدنيين والمستشفيات. ورغم عدم تحقيق جيش الاحتلال أي من أهدافه المعلنة قبل العدوان، إلا أن هناك توجها يتصاعد للحديث عن "مستقبل غزة بعد الحرب".

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية مقالا لسفير إسرائيل السابق لدى القاهرة يتسحاق ليفنون، تحدث عن أن بقاء اسرائيل في غزة بعد انتهاء الحرب يعد وصفة مثالية للمشاكل، واقترح أن الحل في وجود مؤقت لمصر، يضبط الأوضاع ويشرف على إعادة إعمار القطاع.
وكان الدبلوماسي الأمريكي دينيس روس، من معهد واشنطن، قد أثار جدلا كبيرا بطرح مقترح احتمالية أن تسيطر قوة مكونة من الدول العربية الخمس التي لديها اتفاق تطبيع مع إسرائيل على غزة بعد الحرب. 
وأهم ما غاب عن مقال معاريف وتحليل معهد واشنطن، أنهما ينطلقان في تحديد مصير غزة ومستقبلها بعد الحرب، دون أدنى اهتمام بما يريده سكان غزة أنفسهم، كما أنهما ينطلقان من واقع أن المقاومة الفلسطينية (وتحديدا حركة حماس) قد اختفت، وهو ما يتنافى مع الحقيقة، ويرفضه الواقع.

توريط مصر في غزة

وقال سفير إسرائيل السابق لدى القاهرة يتسحاق ليفنون، في مقال بصحيفة "معاريف" حمل عنوان "الحل المطلوب: على مصر أن تتحمل مسؤوليتها في قطاع غزة" إنه في إسرائيل وفي الخارج بدأوا بالتفكير في غزة بعد انتهاء الحرب. ما هو النظام الذي سيقام هناك وكيف سيكون شكله مقارنة بما كان تحت حكم حماس. المعاهد وأجهزة الاستخبارات تبحث بهدوء وتحاول إيجاد الصيغة الأفضل.
وأوضح “ليفنون” أن كل المقترحات التي يجري الحديث عنها لإدارة قطاع غزة بعد الحرب خاصة عودة السلطة الفلسطينية ستكون وصفة لمشاكل وصراعات مستقبلية قد تضر اسرائيل ولن تتمكن السلطة الفلسطينية من السيطرة على غزة. كانت هناك سابقا وتم التخلص منها.
وأكد "ليفنون" أن الأفكار عن العودة إلى احتلال غزة وإقامة مستوطنات غوش قطيف، أو بدلاً من ذلك أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في قطاع غزة، هي وصفات لمشاكل مستقبلية. "لا بد من إيجاد حل لم نفكر فيه حتى الآن، ويبعد إسرائيل عن دوامة غزة" يتابع “ليفنون”.
وأضاف: "لذلك تدخل مصر الصورة على شكل حصولها على انتداب على القطاع، على غرار الانتدابين البريطاني والفرنسي الذي كان في الشرق الأوسط في القرن الماضي. وليس الهدف إعادة غزة إلى مصر، بل إعطاء مصر تفويضا مؤقتا للتواجد في غزة. وستشرف مصر خلال هذه الفترة على بناء غزة بمساعدة مالية دولية لتكون مختلفة عما هي عليه اليوم. مصر تعرف غزة وأهل غزة يحترمون المصريين كثيرا. تتمتع القاهرة بثروة من الخبرة والمعلومات حول غزة، وسوف تحافظ على النظام لصالح إعادة تأهيلها".
ورأى مقال "ليفنون" أنه بقبول مصر هذا التفويض، فإنها سوف تخلق استمرارية أمنية من غزة إلى سيناء، وهو ما من شأنه أن يحقق لها الاستقرار الذي تسعى إليه بشدة. وبالتالي ستساهم في أمن مصر القومي. ستكون غزة مفتوحة للعالم من خلال المعابر المؤدية إلى مصر، التي ستسيطر على سيناء وغزة.
وأشار مقال سفير إسرائيل السابق لدى القاهرة إلى أنه قد يبدو اقتراح الانتداب المصري على غزة خيالياً في هذه اللحظة، وربما يصعب تحقيقه، إلا أن المحادثات الهادئة مع القاهرة التي ستسلط الضوء على فوائد هذه الخطوة على أمنها القومي قد تدفعها إلى دراسة الاقتراح بجدية. وهذا سيعطي الأمل لغزة، التي ستصبح غير مهددة، ويقوي مصر في العالم العربي، ويهدئ مخاوفها بشأن نقل السكان الفلسطينيين الى سيناء، وفق زعم المقال.

حديث مبكر عن مستقبل غزة

مقال سفير إسرائيل السابق لدى القاهرة أعاد إلى الأذهان تحليل للسياسات نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الناطق بلسان اللوبي الصهيوني ومصالحه، واستعان فيه برأي مجموعة خبراء منهم الدبلوماسي الأمريكي الداعم للعدوان الإسرائيلي على غزة، دينيس روس.
التحليل نشره المعهد على موقعه الإلكتروني في 17 أكتوبر الماضي -بعد 10 أيام فقط من العدوان- بعنوان "أهداف الحرب الإسرائيلية ومبادئ الإدارة في غزة في مرحلة ما بعد حماس".
ودائما ما يثر الدبلوماسي الأمريكي دينيس روس الجدل بتصريحاته حيث كانت اهم تصريحاته في معركة طوفان الأقصى أن الزعماء العرب الذين تحدثوا إليه له بموقفهم "على انفراد" برغبتهم في القضاء علي حماس بينما مواقفهم العلنية على خلاف ذلك، لأنهم يدركون أنه مع استمرار انتقام إسرائيل وتزايد الخسائر والمعاناة الفلسطينية، فإن مواطنيهم سوف يغضبون.وتابع: لذا فأولئك الزعماء يحتاجون إلى أن يُنظر إليهم على أنهم يدافعون عن الفلسطينيين، على الأقل خطابيا.
وأثار التحليل مبكرا -قبل بدء العملية البرية الإسرائيلية- قضية مستقبل غزة، لافتا أنه "ليس من السابق لأوانه التفكير في اليوم التالي للحرب - فحتى التخطيط الأولي لإنشاء إدارة مؤقتة في غزة سيساعد في توضيح الأهداف للقادة الإسرائيليين، والحفاظ على الدعم الأمريكي، وتوفير مستقبل بديل أكثر إيجابية للفلسطينيين، وإعطاء الحلفاء العرب مبرراً منطقياً لقيامهم بدور أكثر بناء".

عودة السلطة إلى القطاع

وبحسب التحليل، يجب أن تقوم "الإدارة المؤقتة المقترحة في غزة" على ثلاث ركائز أساسية: (1) إدارة مدنية، (2) جهاز للسلامة العامة/إنفاذ القانون تلعب فيه الوحدات العسكرية التابعة للدول العربية دوراً مركزياً، و (3) تحالف دولي لإعادة الإعمار والتنمية.
وطالب تحليل معهد واشنطن أن يتولى الفلسطينيون زمام الإدارة المدنية في غزة في مرحلة ما بعد "حماس". واقترح تولي مجموعة من التكنوقراط من غزة والضفة الغربية والشتات الفلسطيني، بالإضافة إلى شخصيات محلية مهمة من بلدات قطاع غزة وعشائره إدارة إدارات الحكومة المحلية العاملة بكامل طاقتها - الصحة، والتعليم، والنقل، والقضاء، والرعاية الاجتماعية، وما إلى ذلك - تحت قيادة "رئيس الشؤون الإدارية" الفلسطيني. وخلال الفترة الانتقالية المضطربة، تستطيع "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" التابعة للأمم المتحدة" ("الأونروا") الاستمرار في تقديم الخدمات الغذائية والصحية والتعليمية الحالية - ليس أكثر وليس أقل مما كانت تقدمه في الماضي. ومن الممكن إعادة النظر في وضعها على المدى الطويل في سياق العودة النهائية "للسلطة الفلسطينية" إلى المنطقة، بحسب التحليل.

الخماسي المطبع يحفظ الأمن

وبخصوص ما يتعلق بالركيزة الثانية لمقترح الإدارة المؤقتة، قال التحليل إنه يمكن أن يتولى توجيه السلامة العامة وإنفاذ القانون اتحاد من الدول العربية الخمس التي أبرمت اتفاقات سلام مع إسرائيل - مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب. 
وأكد التحليل أن هذه الدول العربية هي الوحيدة التي ستحظى بثقة إسرائيل، وهذه الثقة أساسية لنجاح هذا الجهد. ولفت إلى أنه ينبغي إيلاء اهتمام خاص لضمان عدم النظر إلى هذه القوة على أنها "قوة احتلال"، الأمر الذي سترفضه كل من الدول المساهمة والفلسطينيين المحليين، بل ينبغي تقديمها وتنظيمها كـ"قوة سلامة عامة". 
وأضاف التحليل: "لهذه الغاية، ينبغي على الدول المساهمة إرسال مفارز من الشرطة أو الدرك، وليس وحدات عسكرية نظامية. فضلاً عن ذلك، يجب أن يتزعم القوة ضابط من دولة ليس لها أي صلة إقليمية بالمناطق الفلسطينية، مثل المغرب". 
وتابع: "يمكن بعد ذلك إنشاء مكاتب اتصال مع الجيشين الإسرائيلي والمصري، حيث سيضطلع هذا الأخير بدور خاص يعكس مكانة القاهرة الفريدة باعتبارها الجارة العربية المباشرة لغزة. ومن شأن هذه المكاتب أن توفر منتدى للتعاون بشأن قضايا الحدود وتدفق البضائع والأشخاص".

الدور الإماراتي السعودي بعد الحرب

أما عن إعادة الإعمار، دعا التحليل الجهات المانحة الدولية والأمم المتحدة وغيرها من وكالات المعونة الدولية والمنظمات غير الحكومية الدولية إلى العمل مع الإدارة المدنية في غزة تحت مظلة وكالة جديدة مسؤولة عن الإصلاح وإعادة الإعمار والتنمية. 
وشدد التحليل على أنه ينبغي أن يشكل هذا جهداً يديره العرب، وربما تترأسه دولة الإمارات، التي هي شريك سلام مع إسرائيل، وتمتلك الموارد المالية الكافية لتكون جهة مانحة كبيرة، وتتمتع بسمعة عالمية وحنكة مهنية تخولها إدارة مثل هذه العملية. وستشرف هذه الوكالة على الإصلاح الفوري وإعادة بناء المرافق والأشغال العامة الأخرى، بالإضافة إلى تحديد المشاريع الكبرى وجمع الأموال لها وتنفيذ المشاريع الكبرى. 
وأردف: "ستكون هناك حاجة إلى مليارات الدولارات لتنفيذ مشاريع مثل إنشاء ميناء جديد في غزة وبناء مناطق صناعية جديدة لتوفير خيارات العمل". 
واستبعد التحليل أن تسمح إسرائيل بعودة عمّال قطاع غزة في أي وقت قريب بعد أن لعب بعضهم على ما يبدو دوراً في عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، سواء بشكل مباشر أو من خلال تقديم معلومات استخباراتية للمهاجمين، على حد زعمه. 
كما لم يغفل التحليل المشاركة السعودية في جهود الإصلاح/إعادة الإعمار، التي وصفها بالمهمة أيضاً لنجاح الخطة بشكل عام، ويمكن تأطيرها كجزء من التزام الرياض بإعادة فتح مسار نحو صنع السلام الإسرائيلي الفلسطيني.

الدور الأمريكي وفق الخطة

لم يغفل تحليل معهد واشنطن دور الولايات المتحدة، وشدد عل أنه رغم أن الإداريين والضباط والمسؤولين العرب - بمن فيهم الفلسطينيون - يجب أن يتولّوا القيادة في جميع هذه الجهود، إلا أن هناك أيضاً دوراً حيوياً يجب أن تلعبه الولايات المتحدة وغيرها من الداعمين لمستقبل سلمي وبنّاء ومفعم بالأمل للفلسطينيين. 
ووفق التحليل، ستشارك جهات فاعلة متعددة - من الشركاء الأوروبيين وإلى الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة - ولكن الولايات المتحدة وحدها قادرة على حشد هذه الجهود وتنظيمها وضمان تنفيذ كافة عناصرها. 
ويقوم جزء من دور دور الولايات المتحدة على الشق المالي، وجزء آخر على تقديم الخبرة لعمليات الإدارة وإعادة الإعمار، وجزء آخر على ضمان علاقات سلسة بين إسرائيل والأطراف الثلاثة "للإدارة المؤقتة في غزة"، وبجزء آخر على توفير الشرعية الدولية للجهود بأكملها.

التعليقات (0)