أحمد السيد النجار بكتب : رسالة طارق عامر وحملة أصحاب المصالح والتكلس الأيديولوجي

profile
احمد السيد النجار خبير اقتصادي ورئيس مجلس إدارة الاهرام سابقا.. و رئيس مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية
  • clock 13 أغسطس 2022, 8:48:34 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

قرأت مقالة أو رسالة محافظ البنك المركزي طارق عامر، وهي أفضل ما فعله الرجل، وأفضل ما خرج عن أحد رجال النظام الحاكم منذ عقود. هناك إدانة واضحة للسياسات التي أفقرت الطبقة الوسطى والفقراء وصنعت ثروات أسطورية لمحاسيب النظام من خلال خصخصة الأصول العامة والاحتيال على المال العام. 

وبغض النظر عن كونه شريكا في تلك السياسات من عدمه، فإن الاعتراف يكشف للمجتمع بؤس وفساد تلك السياسات التي يعاد إنتاجها وبالذات خصخصة الأصول العامة. أحد الذين يقصدهم عامر من مروجي كل ما تهرف به الرأسمالية العالمية لتحقيق مصالحها على حساب الشعوب الأخرى لا يكف عن المطالبة بتخفيض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وتخفيض سعر الفائدة، دون أن يكلف خاطره بالنظر إلى سعر تعادل القوى الشرائية بين الجنيه والدولار وهل يستوجب الأمر المزيد من تخفيض الجنيه أم لا، ودون أن يهتم أصلا بسعر الفائدة الحقيقي الذي من المفترض أن يكون إيجابيا، فهو غير معني بحقوق القطاع العائلي الذي تعود إليه نسبة 81,2% من إجمالي الودائع في الجهاز المصرفي حسب النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي (يونيو 2022).

 وإذا لم تستطع الحكومة السيطرة على الأسعار، فإن أبسط قواعد العدل هي رفع سعر الفائدة ليتجاوز معدل التضخم حتى تكون هناك فائدة إيجابية على ودائع القطاع العائلي وهو في غالبيته الساحقة ينتمني للطبقة الوسطى. لكن الطبقة الرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية التي ترفع أسعار منتجاتها ووارداتها من السلع والخدمات وتتسبب في ارتفاع معدل التضخم، تريد أن تخفض أسعار الفائدة حتى تقترض بتكلفة منخفضة فهي المقترض الرئيسي من الجهاز المصرفي ومعها الحكومة بالطبع.. منتهى الشراهة في الحقيقة. ويجب أن يطرح البنك المركزي الأمر بوضوح: إما أن تعملوا على تخفيض معدل التضخم (معدل ارتفاع أسعار المستهلكين) فنخفض لكم أسعار الفائدة لتكون أعلى من ذلك المعدل بقليل حتى تكون هناك فائدة حقيقية إيجابية، وإما أن تستمروا في رفع الأسعار واستغلال المستهلكين ولن يكون أمام البنك المركزي سوى رفع سعر الفائدة للحفاظ عليه موجبا ولتشجيع الادخار في بلد يعاني من تدني مروع لمعدل الادخار الذي بلغ 3,1% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020/2021 بسبب العجز الحكومي، علما بأن المتوسط العالمي لمعدل الادخار يبلغ نحو 22% من الناتج العالمي، ويصل المعدل لأكثر من 40% في بلدان الشرق الأقصى الناهضة، وإلى أكثر من 30% في دول الدخل المتوسط التي تعتبر مصر واحدة منها. 
وأذكر أنه جمعتني مع أحد المطالبين دائما بتخفيض سعر صرف الجنيه وتخفيض سعر الفائدة، حلقة تلفزيونية حول التعويم عام 2016 وقلت أن سعر تعادل القوى الشرائية بين الدولار والجنيه هو:  دولار واحد= 2,4 جنيه وفقا لقاعدة بيانات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في ذلك العام، وأذهلني أنه لا يعرف أن هناك شئ اسمه سعر تعادل القوى الشرائية تنشره تقارير صندوق النقد الدولي، وهو أحد المتيمين بسلة سياسات الصندوق والبنك الدوليين وأحد المشاركين في برنامج الخصخصة سئ السمعة وهو عنصر أساسي في تلك السياسات، ويبدو أن الغرام الأيديولوجي بسياسات الصندوق لم يقترن بالمتابعة حتى لما يصدر عن الصندوق! وما زال الرجل حتى الآن يطالب بتخفيض سعر الفائدة وتولع الطبقة الوسطى وحقوقها، وتخفيض سعر صرف الجنيه المصري وهي مطالب أيديولوجية منحازة للرأسمالية الكبيرة على حساب الطبقة الوسطى والفقراء ولاتعتد بالعلم أو بواقع تعادل القوى الشرائية بين الجنيه والدولار أو بواقع التضخم وما يقتضيه من رفع سعر الفائدة. وللعلم فإن سعر تعادل القوى الشرائية بين الجنيه والدولار في الوقت الحالي هو: دولار واحد= 4,9 جنيه مصري فقط وفقا لقاعدة بيانات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي.  وقد آن لمصر إذا كان لها أن تعالج مشاكلها الاقتصادية بجدية أن تلقي بهذه الأفكار في المكان المناسب لها وأن تتبنى سياسات قائمة على العلم والدراسة الواقعية وإعلاء اعتبارات الكفاءة والعدالة وفقه الأولويات واستنهاض النمو والتشغيل في القطاعات الإنتاجية بسياسات كلية ونقدية ومالية واقعية ومرنة وعالية الكفاءة، بدلا من الوصفات الأيديولوجية الجامدة والتي تفتقد لأي ذكاء والتي لم تنتج في مصر سوى أزمات متتابعة.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)