ألطاف موتي يكتب: كيف تهدد أزمة البحر الأحمر التجارة والأمن العالميين؟

profile
ألطاف موتي كاتب باكستاني
  • clock 24 يناير 2024, 3:24:09 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يعد البحر الأحمر منطقة استراتيجية وقيمة للعالم لأنه يربط آسيا وأوروبا وأفريقيا عبر أحد أكثر الطرق البحرية حيوية.

مع ذلك، يواجه البحر الأحمر أزمة خطيرة بسبب هجمات الحوثيين اليمنيين على سفن الشحن التجارية. وأدت الأزمة إلى تعطيل تدفق السلع والوقود، مما تسبب في تأخيرات وإعادة توجيه وزيادة التكاليف على شركات الشحن والمستهلكين. وأدت الأزمة إلى تصعيد التوترات والصراعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تشمل جهات فاعلة ومصالح متعددة مثل إسرائيل وإيران والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. كما أدى إلى تفاقم الحالة الإنسانية في المنطقة وشكل خطرا جسيما على البيئة البحرية والتنوع البيولوجي في البحر الأحمر.

ماذا يحدث في البحر الأحمر؟

كان شرارة الأزمة هو الهجوم الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023 الذي أثار غضب الحوثيين وحلفائهم الإيرانيين. وأعلن الحوثيون الحرب على إسرائيل وأطلقوا صواريخ باليستية على تل أبيب ، لكن الدفاعات الجوية الأمريكية اعترضتها. بعد ذلك، غيّر الحوثيون استراتيجيتهم لاستهداف حركة الشحن في البحر الأحمر وخاصة مضيق باب المندب، وهو ممر ضيق يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي. واستخدم الحوثيون الصواريخ والطائرات المسيرة والألغام والقوارب لمهاجمة ومضايقة السفن المارة عبر المضيق، مما تسبب في أضرار وتعطيل وخوف. وزعم الحوثيون أنهم يستهدفون السفن الإسرائيلية فقط وأنهم لن يتوقفوا حتى تنسحب إسرائيل من غزة.

وقد تزايدت هجمات الحوثيين بشكل كبير منذ منتصف نوفمبر، حيث استهدفت السفن ذات الأغراض المختلفة بما في ذلك ناقلات النفط وسفن الحاويات وناقلات المركبات. تم اختطاف بعض السفن مثل جالاكسي ليدر ، وهي حاملة سيارات تديرها اليابان ومرتبطة برجل أعمال إسرائيلي استولى عليها الحوثيون في 19 نوفمبر ، إلى جانب طاقمها البالغ 25. وأدت هجمات الحوثيين إلى إغلاق أحد أهم الممرات البحرية في العالم فعليا، مما أجبر العديد من شركات الشحن على إيقاف أو تحويل سفنها بعيدًا عن البحر الأحمر.

ما هي عواقب الأزمة؟

إن الأزمة في البحر الأحمر لها آثار خطيرة على الاقتصاد والأمن العالميين وكذلك على الاستقرار والتنمية الإقليميين.

- التجارة والاقتصاد العالمي:

يعد البحر الأحمر أحد أهم الطرق البحرية الحيوية في العالم، حيث يمر عبره حوالي 12٪ من التجارة العالمية بما في ذلك 30٪ من حركة الحاويات العالمية و4.8 مليون برميل نفط يوميا. وقد عطلت هجمات الحوثيين تدفق البضائع والوقود مما تسبب في تأخيرات وتغيير المسار وزيادة التكاليف على الشاحنين والمستهلكين. وتشمل بعض الشركات الكبرى المتضررة من الأزمة شركة بريتيش بتروليوم ، وميرسك ، وشركة إم إس سي ، وشركة سي إم إيه سي جي إم. 

إن إعادة توجيه الشحنات حول رأس الرجاء الصالح تضيف حوالي 3000 إلى 3500 ميل بحري (6000 كيلومتر) إلى الرحلات التي تربط أوروبا بآسيا، مما يضيف حوالي 10 أيام إلى مدة الرحلة. ومن المتوقع أن تكلف إعادة توجيه السفن ما يصل إلى مليون دولار من الوقود الإضافي لكل رحلة ذهابًا وإيابًا بين آسيا وأوروبا، بينما ترتفع تكاليف التأمين أيضًا، مما يزيد من التكلفة الإجمالية للشحنات. 

وتشكل الأزمة خطرا جسيما على النمو الاقتصادي العالمي والتضخم لأنها تؤثر على العرض والطلب على مختلف السلع والسلع الاستهلاكية ومنتجات الطاقة. وقدر البنك الدولي أن الأزمة يمكن أن تؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.5% في عام 2024، وزيادة التضخم العالمي بنسبة 0.7%.

- الأمن والاستقرار الإقليميان:

الأزمة في البحر الأحمر هي أيضا انعكاس للتوترات والمنافسات الأوسع نطاقا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة بين إسرائيل وجيرانها. ويمكن للأزمة أن تصعد الصراع وتشعل حربا إقليمية أوسع نطاقا مع عواقب وخيمة على الناس والبيئة والاقتصاد العالمي. وتعهد الحوثيون بمواصلة هجماتهم حتى توقف إسرائيل عدوانها على غزة.

كيف يتفاعل المجتمع الدولي مع الأزمة؟

يتفاعل المجتمع الدولي مع الأزمة في البحر الأحمر بقلق وعمل لأنها تؤثر على تجارتهم وأمنهم ومصالحهم في المنطقة.

- الولايات المتحدة والغرب:

أعلنت الولايات المتحدة عن تحالف بحري لحماية الممرات الملاحية في البحر الأحمر ونشرت قوات بحرية وطائرات مسيرة في المنطقة. كما صدت الولايات المتحدة محاولات الصعود على متن سفن شحن أخرى، وأسقطت طائرات الحوثيين بدون طيار وصواريخهم. وانضمت المملكة المتحدة وكندا وفرنسا والبحرين والنرويج وإسبانيا إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وساهمت بسفن حربية وطائرات في العملية. كما ساعدت المملكة المتحدة وفرنسا في إسقاط طائرات الحوثيين بدون طيار وصواريخهم. وحذرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة و10 دول أخرى الحوثيين من أنهم سيواجهون عواقب إذا استمروا في مهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر. وأعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه بشأن الأزمة وتداعياتها على اقتصاد الكتلة وأمن الطاقة.

- الصين وآسيا:

أعربت الصين، باعتبارها أكبر مستورد للنفط في العالم وشريك تجاري رئيسي لكل من الشرق الأوسط وأفريقيا، عن قلقها البالغ إزاء الأزمة وتأثيرها على التجارة والاستقرار العالميين. وقد حثت الصين جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس والسعي إلى حل سلمي من خلال الحوار والتشاور. كما عرضت لعب دور بناء في التوسط في الصراع.

أعربت اليابان، باعتبارها رابع أكبر مستورد للنفط في العالم وحليف وثيق للولايات المتحدة، عن تضامنها مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وأدانت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر. كما أرسلت اليابان مدمرة وطائرة دورية إلى المنطقة للانضمام إلى التحالف وحماية الممرات الملاحية. ومع ذلك، فقد ذكرت أيضا أنها لن تشارك في أي عمليات عسكرية ضد الحوثيين، وأن مهمتها هي للدفاع عن النفس فقط. ودعت اليابان أيضًا إلى حل دبلوماسي للصراع الدائر.  كما أعربت دول آسيوية أخرى، مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وإندونيسيا وماليزيا، عن قلقها بشأن الأزمة وتأثيرها على تجارتها وأمنها.

إن الخطوة الأكثر إلحاحا وضرورية لإنهاء الأزمة هي وقف العنف وإراقة الدماء. وينبغي لإسرائيل أن توقف هجماتها على غزة والإبادة الجماعية التي ترتكبها بحق الفلسطينيين، وأن تحترم حقوقهم وكرامتهم. 

ويجب على الولايات المتحدة وحلفائها وقف دعمها لإسرائيل وعدوانها في المنطقة ولعب دور بناء في التوسط في عملية السلام حتى يوقف الحوثيون هجماتهم على السفن الإسرائيلية والسفن التابعة لها في البحر الأحمر والالتزام بالقانون الدولي للبحار. وإن مجرد الخطابات الطنانة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها لن يحل أي شيء ما لم تتخذ هذه الدول إجراءات ملموسة لإنهاء الأزمة واستعادة السلام والأمن في المنطقة.
 

التعليقات (0)