ابراهيم نوار يكتب: حاجة ليبيا إلى فض الاشتباك بين النفط والسياسة

profile
  • clock 3 سبتمبر 2023, 3:38:29 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يعاني قطاع النفط الليبي من ضغوط عوامل سياسية محلية وخارجية، بسبب الانقسام السياسي الحالي بين مناطق الشرق والغرب والجنوب. وكأن ليبيا تسير معصوبة العينين على طريق التحلل إلى عناصرها الجيوسياسية السابقة لعصر الاستعمار والحرب العالمية الأولى. ويعكس توزيع القوة في مجلس القبائل الليبية انقساما في المصالح الاقتصادية بين الأقاليم الثلاثة. وهو انقسام لن يستقيم دون نزع السياسة عن النفط، وإقامة علاقة جديدة متوازنة بين مصالح القبائل وخريطة توزيع عائدات الثروة النفطية، بما في ذلك استخراج النفط والغاز، وشبكة خطوط الأنابيب، ومحطات التكرير وموانئ التصدير. ولم يتفق الفرقاء الليبيون حتى الآن على قواعد واضحة ومستقرة ومستدامة لتوزيع العائدات.
ويتسبب تضارب المصالح بين المناطق الثلاث في إغلاق حقول النفط، ومن أهمها حقلي «الشرارة» و«الفيل» في جنوب غرب ليبيا. ويسهم حقل الشرارة وحده بما يعادل بثلث الإنتاج الليبي، ويقدر الاحتياطي القابل للاستغلال في الحقل بحوالي 3 مليارات برميل من النفط. أما حقل «الفيل» فيبلغ الاحتياطي فيه حوالي 1.2 مليار برميل. ويحول تكرار توقف حقول النفط دون توسيع استثمارات الشركات النفطية. ويتجدد الإغلاق من وقت لآخر لأسباب مختلفة، تتنوع بين احتلال حقول الإنتاج بواسطة مسلحين من رجال القبائل، أو تعطيل خطوط الأنابيب التي تنقل النفط من حقول الإنتاج إلى موانئ التصدير، إلى احتلال الموانئ ومنع التصدير بالقوة. وتتخفى وراء الإغلاق النفطي أيا كان سببه، صراعات اقتسام عائدات تصدير النفط والغاز، ونزاعات شخصية تتعلق باعتبارات المكانة والزعامة، بين السياسيين الذين يتربحون من مكانتهم السياسية.

الصراع الداخلي

في أواخر شهر حزيران/يونيو الماضي قررت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان (حكومة الاستقرار) الحجز الإداري على إيرادات النفط المودعة بحسابات المؤسسات المالية بالعاصمة طرابلس، التي تقدر بنحو 27 مليار دولار، تمثل عائدات صادرات القطاع النفطي عام 2022. هذا الإجراء من شأنه تجديد الصراع السياسي حول النفط، مصدر الدخل الرئيسي للبلاد. وحصل قرار الحجز الإداري على تأييد محكمة الاستئناف بمدينة بنغازي، التي قضت بصحة إجراءات رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان أسامة حماد بالحجز الإداري على أموال النفط المودعة بحسابات مؤسسة النفط والمصرف المركزي والمصرف الليبي الخارجي. وتعاني أنشطة المؤسسات الليبية كلها، بما فيها مؤسسة النفط والبنك المركزي من الانقسام السياسي بين حكومتين واحدة في الشرق، هي حكومة «الاستقرار» برئاسة أسامه حماد، تتمتع بتأييد البرلمان المنتخب عام 2014 برئاسة عقيلة صالح، والقيادة العامة للجيش الوطني الليبي بزعامة الجنرال خليفة حفتر وأولاده الذين أصبحوا يملكون نفوذا كبيرا في معظم أنحاء ليبيا. أما الحكومة الثانية، فهي حكومة «الوفاق الوطني» ويوجد مقرها في العاصمة طرابلس، وهي مدعومة بعدد من قطاعات الجيش الليبي السابق، وكتائب مسلحة أهمها كتائب مصراتة. وهي الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة ويرأسها عبد الحميد الدبيبة.
وقد تضمنت التغييرات الناتجة عن هذا الانقسام، إعفاء رئيس مؤسسة النفط الوطنية مصطفى صنع الله من منصبه في صيف العام الماضي، وتم تعيين فرحات بن قدارة رئيسا جديدا للمؤسسة، بقرار من محمد عون وزير النفط والغاز. واعتبرت الأمم المتحدة قرار عزل صنع الله وتعيين بن قدارة تدخلا سياسيا من جانب الحكومة في شؤون مؤسسة النفط، التي يفترض أن تتمتع باستقلال سياسي يحمي أنشطتها من انقسام ليبيا سياسيا بين حكومتين. وأصدر مكتب الأمين العام للأمم المتحدة بيانا في هذا الشأن، طالب فيه كل الأطراف بالامتناع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها تسييس مؤسسة النفط، مؤكدا أن الأمم المتحدة تدعم وحدة واستقلالية المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا. وفي السياق نفسه أعرب السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند عن قلقه «البالغ» إزاء استبدال حكومة الدبيبة رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط. وقال نورلاند في بيان نشرته السفارة الأمريكية في طرابلس «إننا نتابع بقلق بالغ التطورات المحيطة بالمؤسسة الوطنية للنفط التي تعتبر حيوية لاستقرار ليبيا وازدهارها، والتي ظلت مستقلة سياسيا وكفؤة تقنيا تحت قيادة صنع الله». وقد استفادت «حكومة الاستقرار» برئاسة أسامة حماد من هذا الموقف، ومن قرار محكمة الاستئناف في بنغازي، واعتبرت أن الحكم القضائي وبيان الأمم المتحدة وبيان السفارة الأمريكية من شأنها تعزيز موقفها، وتمنح وزير التخطيط والمالية مشروعية اتخاذ كل الإجراءات الضرورية من أجل «إيقاف استنزاف المال العام بشكل غير مبرر الذي تمارسه حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها». وهدد رئيس حكومة «الاستقرار» بإغلاق المرافق النفطية في شرق ليبيا. وقال في بيان رسمي إنه إذا «إذا استدعى الأمر، سترفع الحكومة الراية الحمراء وتمنع تدفق النفط والغاز ووقف تصديرها باللجوء للقضاء واستصدار أمر بإعلان القوة القاهرة».

خلاف بين الوزارة والمؤسسة

وعلى الرغم من أن قرار تعيين بن قدارة جاء بواسطة حكومة الدبيبة، فقد انفجر خلاف في بداية العام الحالي بين محمد عون وزير النفط والغاز، وفرحات بن قدارة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في شأن طرح مناطق جديدة للاستثمار في قطاع النفط والغاز، واشتعل هذا الخلاف بعد إعلان اتفاق طويل الأمد (25 عاما) بين المؤسسة وبين شركة إيني الإيطالية بقيمة 8 مليارات دولار للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الليبية الخالصة في البحر المتوسط قبالة طرابلس. وكان الاتفاق قد تم توقيعه في حضور رئيسي وزراء كل من إيطاليا جورجيا ميلوني، وليبيا عبد الحميد الدبيبة.

الإنتاج والصادرات

حسب تقديرات عام 2021 تسهم إيرادات تصدير النفط والغاز بنحو 50 في المئة من الإنتاج المحلي الإجمالي، وحوالي 95 في المئة من حصيلة الصادرات. وفي العام نفسه وصل إنتاج ليبيا إلى 1.2 مليون برميل يوميا، وهو أعلى مستوى منذ عام 2016 إضافة إلى 24.2 مليار قدم مكعب من الغاز. وبلغت كمية الصادرات 1.09 مليون برميل يوميا من النفط وحوالي 8 مليارات متر مكعب من الغاز. ويقدر الاحتياطي النفطي المؤكد بحوالي 48.3 مليار برميل، أما احتياطي الغاز الطبيعي فيصل إلى 1.5 تريليون متر مكعب. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يحقق الاقتصاد الليبي هذا العام نموا بنسبة 15 في المئة بفضل سرعة النمو في القطاع النفطي، عقب زيادة النشاط التي جاءت بعد حصار المنشآت النفطية الذي حد من الإنتاج في عام 2022. ومع هذا، سيكون التحدي الرئيسي هو تنويع النشاط الاقتصادي بعيدا عن النفط والغاز، مع تعزيز الجهود لتحقيق نمو أقوى وأكثر شمولا للجميع بقيادة القطاع الخاص. وتشير بيانات مصرف ليبيا المركزي إلى انخفاض إيرادات ليبيا من صادرات النفط إلى 33.4 مليار دينار (6.95 مليار دولار أمريكي) في النصف الأول من 2023 مقابل 37.3 مليار دينار (7.75 مليار دولار) في المدة نفسها من العام الماضي، قبل أن تصل إلى 45.3 مليار دينار (9.42 مليار دولار) في أول 7 أشهر من عام 2023.

الاستثمارات النفطية

أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط خطة لرفع إنتاج ليبيا من النفط إلى 1.3 مليون برميل يوميًا بنهاية العام الجاري 2023. ومن أهم التطورات الأخيرة في تنمية القطاع النفطي في ليبيا، إلغاء حالة وقف العمل تحت ظروف «القوة القاهرة» في ثلاث من أهم مناطق التنقيب عن النفط والغاز، هي المناطق (أ) و (ب) وهي مناطق برية والمنطقة (ج) وهي منطقة بحرية. هذه المناطق كان العمل فيها قد توقف منذ عام 2014 تحت ظروف القوة القاهرة. وقد تم إعلان التوصل إلى اتفاق لرفع حالة القوة القاهرة عنها في الثالث من الشهر الماضي، وقامت شركة إيني الإيطالية بعمل تقييم شامل للموقف الأمني لضمان سلامة الأفراد والمعدات وعمليات التشغيل والتنقيب والاستخراج. وتتولى «إيني» عمليات التشغيل وملكية الامتيازات بنسبة 42.5 في المئة، ومعها بريتش بتروليوم بنسبة مماثلة، ثم هيئة الاستثمار الليبية بنسبة 15 في المئة. كذلك يمثل الاتفاق الجديد بين إيني والمؤسسة الليبية الوطنية للنفط في الشهر الأول من العام الحالي، أول استثمار نفطي ضخم في ليبيا منذ عام 2000. ويهدف الاتفاق إلى إنتاج 750 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا، تستخدم لأغراض الاستهلاك المحلي والتصدير. ويتم تصدير الغاز الليبي إلى إيطاليا عبر مجمع ميلليته الذي ستضاف إليه وحدة حديثة للفلترة واستخلاص الكربون، سعيا إلى تخفيض نسبة الكربون في الغاز. وتبلغ استثمارات المشروع حوالي 8 مليارات دولار.
السباق الأوروبي- الأمريكي

تتسابق على نفط ليبيا شركات النفط الكبرى في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، من أجل الفوز بعقود جديدة في مجالات التنقيب عن النفط والغاز، سواء في الصحراء الليبية أو في المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط قبالة الساحل الليبي الممتد بطول 1850 كيلومترا. وتعتبر شركات «إيني» الايطالية، و«ريبسول» الإسبانية، و«توتال إنرجيز» الفرنسية، و«غازبروم» الروسية، و«بي بي» البريطانية، وشركة «شل» الهولندية-البريطانية، و«كونوكو فيليبس» الأمريكية، إلى جانب المؤسسة الوطنية الليبية أهم الشركات العاملة في تطوير قطاع النفط الليبي. وتقدر شركة «إيني» أكبر مستثمر في القطاع النفطي في ليبيا، أن صادرات النفط والغاز يمكن أن تتضاعف بمقدار ثلاث مرات بسهولة، ما يجعل ليبيا أكبر مصدر للطاقة للنفط والغاز معا في شرق البحر المتوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق تم توقيع الاتفاق الجديد بين حكومة الوفاق الوطني وشركة إيني للتنقيب عن الغاز في المنطقة البحرية الخالصة إلى الغرب من طرابلس. لكن الخلافات السياسية والإدارية بين المؤسسة وبين وزارة النفط والغاز الليبية، قد تؤدي عمليا إلى تجميد سريانها إلى حين إتمام اتفاق بين الوزارة والمؤسسة مع ضرورة حدوث توافق أيضا مع حكومة بنغازي، وما يزيد من هذا الاحتمال هو أن مناطق التنقيب الواردة في الاتفاق تتركز في القطاع البحري للمنطقة الاقتصادية الخالصة في غرب طرابلس حيث لا يوجد اتفاق على كيفية توزيع عائدات التصدير، خصوصا وأن نسبة المشاركة في امتيازات استخراج النفط في المناطق البحرية طبقا للاتفاق الجديد تختلف عنها في الاتفاقات السابقة المعمول بها.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)