ارتفاع غير مسبوق في معدلات طلاق القاصرات في العراق

profile
  • clock 18 سبتمبر 2022, 8:47:16 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

  تواجه العائلة العراقية تصاعدا مخيفا في أعداد حالات الطلاق، وخاصة بين الفتيات القاصرات، جراء الانهيار الشامل للأوضاع في البلد الذي تتنازعه الصراعات السياسية والفساد وسوء الإدارة.

وكشف مجلس القضاء الأعلى في العراق، عن تسجيل المحاكم الوطنية أكثر من 4 آلاف حالة طلاق لقاصرات، لم يبلغن 15 عاما، خلال العامين الماضيين 2020-2021 وسط قلق حقيقي من استمرار مؤشرات تدهور أوضاع الأسرة العراقية.
وحسب إحصائية رسمية صادرة عن المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى، فأنه سجل خلال العام 2020 1498 حالة طلاق لفتيات دون سن 15 فيما ارتفع العدد إلى 2594 في عام 2021 في محافظات العراق، باستثناء محافظات إقليم كردستان. واحتلت محافظة نينوى المرتبة الأولى بعدد حالات طلاق القاصرات، بتسجيلها 1155 حالة طلاق خلال عامين.
وقد شهد العراق خلال العشرين سنة الأخيرة، ارتفاعا غير مسبوق بحالات الطلاق عموما وطلاق القاصرات خصوصا. وكشفت الإحصائيات الحديثة، التي نشرها مجلس القضاء الأعلى، أرقاما مقلقة عن ارتفاع حالات الطلاق عموما، مؤكدة تسجيل أكثر من 211 حالة في اليوم الواحد أي نحو تسع حالات في الساعة.
وفي الإحصائية الشهرية للمجلس تبيّن أنه «في النصف الأول من عام 2022 وصلت حالات الطلاق إلى أكثر من 29519 حالة. وقد تصدّرت العاصمة بغداد قائمة حالات الطلاق.
وكانت إحصاءات سابقة لمجلس القضاء الأعلى، أشارت إلى ان حالات الطلاق في العراق عام 2020 بلغت «مستويات عالية وغير مسبوقة» فهناك أكثر من 274 طلاقاً في اليوم الواحد، أي ما يعادل 11 طلاقا كل ساعة، بما يزيد عن 100 ألف حالة. فيما بلغت في عام 2021 نحو 73.399 حالة.
ولعل هذه الإحصائيات الخطيرة كانت وراء تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي كشف فيه ارتفاعاً كبيراً في نسب الزواج المبكر للفتيات في العراق، والذي ينتهي غالبا بالطلاق، حيث أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان، في حزيران/يونيو 2022 وصول نسبة النساء اللاتي تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً في العراق 25.5 في المئة أي ربع حالات الزواج، وذلك حسب نتائج المسح الوطني الاجتماعي والصحي للمرأة العراقية الذي تم تنفيذه بالشراكة مع الجهاز المركزي للإحصاء وهيئة إحصاء إقليم كردستان وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان – مكتب العراق عام 2021. وأشار الصندوق الأممي إلى «ازدياد ظاهرة الزواج المبكر بشكل كبير في غضون السنوات العشر الماضية، وفي أحيان كثيرة تؤدي هذه الممارسة إلى حرمان الفتيات والنساء من الوصول لعوامل التمكين وقد تضيف عبئًا وعقبات أمام تعليمها وتنميتها».
كما نظم صندوق الأمم المتحدة للسكان والأمانة العامة لمجلس الوزراء، في حزيران/يونيو 2022 مؤتمرا لمعالجة ظاهرة الزواج المبكر في العراق، سلط الضوء خلاله على الوضع المقلق للزواج المبكر الذي ارتفعت نسبته من 21.7 إلى 25.5 خلال السنوات العشر الماضية.

أبرز حالات طلاق القاصرات

وتزامنا مع نشر إحصائيات طلاق الفتيات، تداولت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، قصصا عديدة عن زواج القاصرات في العراق، أبرزها قصة تزويج طفلة تبلغ من العمر 12 عاما، التي أثارت ضجة من الانتقادات، بعد انتشار مقطع فيديو لوالدتها، وهي تبكي بسبب تزويج طفلتها بالقوة من قبل والدها، مناشدة الحكومة العراقية إنقاذ صغيرتها، حيث انهالت الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، على موقف الحكومة من الحادثة.
فقد جاء رد الشرطة المجتمعية العراقية، انه «تم تشكيل فريق عمل مشترك تابع للشرطة المجتمعية، للوقوف على حقيقة ما ورد في الفيديو». وأضاف بيان الشرطة، أن «الفريق التقى بالفتاة ووالدها وزوجها وشقيقها، وأكدت أن الزواج تم برضاها وهي سعيدة به! من دون أن يكرهها أو يجبرها أحد عليه» مشيرة إلى أن «الفريق اطلع على العقد الشرعي الذي تم بموجبه زواج الفتاة القاصر، وأن الشرع والقانون يجيزان زواج القاصر بوكالة ولي أمرها (الوالد)».
وفي واقعة أخرى، تحدثت مصادر في إحدى المحاكم العراقية عن فتاة قاصر في دعوى طلاق كان الفارق بينها وبين زوجها 37 سنة، وغيرها من آلاف حالات طلاق القاصرات.

تحركات اجتماعية لمواجهة المشكلة

وإزاء تفاقم الظواهر الاجتماعية كالطلاق والعنف الأسري، وتقصير الدولة في مواجهتها، قامت منظمات المجتمع المدني، بتحركات للحد منها، حيث أطلقت ناشطات في مجال حقوق المرأة، مناشدات عديدة إلى مجلس النواب للإسراع بتشريع قانون حماية الأسرة من العنف الأسري الذي يحد في بنوده، من زواج الفتيات القاصرات والعنف الأسري. وكانت مجموعة من الناشطات العراقيات، قمن بإعداد ذلك القانون في عام 2012 وبالتعاون مع وزارة الدولة لشؤون المرأة، إلا انه ما زال مجمدا في أدراج البرلمان بسبب معارضة أحزاب الإسلام السياسي لبعض بنوده.
كما شهدت محافظة ذي قار عام 2021 فعاليات حملة «مناهضة التزويج المبكر للفتيات القاصرات» وحذر المشاركون فيها من مخاطر انتهاك حقوق الطفولة والطلاق المبكر الناجم عن زواج القاصرات داعين إلى تحديد سن الزواج بـ 18 عاما وتشديد العقوبات على منتهكي القانون.
أما «مرصد الحريات للدفاع عن المرأة المعنفة» فإنه أكد بدوره أن «70 في المئة من حالات الطلاق كانت من سن 15 عاماً إلى 30 عاماً» مشيراً إلى أن «الزواج غير الناضج ومواقع التواصل الاجتماعي والظروف الاقتصادية في البلاد تعد من أبرز الأسباب حالات الطلاق في العراق».

أسباب تصاعد الطلاق

ويشير خبراء القانون إلى جملة أسباب لتزايد حالات الطلاق عموما مؤخرا. فقد حدد مجلس القضاء الأعلى أسباب ارتفاع معدلات حالات الطلاق، وأوصى بمعالجة ظاهرة زواج القاصرين. وقال المجلس إن «انتشار الظاهرة أصبح مشكلة تعود أسبابها إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن الظروف التي مرت بالبلاد منها البطالة وأزمة السكن».
وأضاف المجلس أن «اختلال منظومة القيم وعدم احترام هذه الرابطة يعدان سببين رئيسين لاستشراء حالات الطلاق في المجتمع» مشيراً إلى أن «الحد من انتشار ظاهرة الطلاق يحتاج إلى جهد كبير وتعاون من جميع الجهات المسؤولة إلى جانب دور التشريعات، ولا سيما أن القانون العراقي لا يجرم الطلاق خارج المحكمة».
وتابع أن «تجريم الطلاق خارج المحكمة أحد الحلول المساهمة في الحد أو إغلاق عدد كبير من حالات الطلاق، بالإضافة إلى تشريع قانون يمنع زواج القاصرين خارج المحكمة وتغريم من يقوم بهذا الفعل ومعاقبته».
وتحدث المحامي حسن الزبيدي لـ«القدس العربي» عن الأسباب الأخرى لفشل زواج القاصرات، ومنها ما يتعلق بكونهما غير مؤهّلين نفسيا ولا ماديا للزواج، اذ أن مشروع بناء العائلة يحتاج إلى وعي خاص وظروف مناسبة، ولا يمكن أن يُقدم عليه شاب من دون أن يكون مؤهّلا من النواحي كافة، حسب قوله.
وأضاف «لعل المشاكل الاقتصادية، كالبطالة والفقر، من الأسباب المؤثرة في ارتفاع حالات الطلاق، إلا انها ليست وحدها السبب بل هناك عوامل أخرى، مثل استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بافراط من قبل أحد الزوجين، والخيانة الزوجية، والعنف الأسري، وتدخل الأهل، وعدم وجود فرصة كافية لمواصلة التعليم».
وأوضح الزبيدي «لا يخفى ان انتشار مكاتب المأذون الشرعي بشكل كبير في العراق بعد 2003 لعقد الزواج والطلاق خارج المحاكم الشرعية الرسمية، قد ساهم في تسريع الطلاق وعدم إعطاء فرصة للزوجين بمراجعة نفسيهما قبل الطلاق، حسب السياق المعمول في المحاكم». كما يشير المحامي إلى ثغرة في القانون، إذ يشترط القانون العراقي أهلية الزوجين وإكمالهما سن الـ18 عاماً، إلا ان قانون الاحوال الشخصية رقم 188 يذكر انه في حال عدم بلوغ أحدهما السن القانونية يحق للقاضي أن يأذن بعقد القران، بعد الاطلاع على أهليته وقابليته البدنية وأخذ موافقة وليه الشرعي.
وعن الحلول يرى الزبيدي ضرورة تعديل النصوص القانونية وإنهاء موضوع زواج القاصر من خلال اقتران الزواج بسن البلوغ حصرا، إضافة إلى ضرورة تفعيل دور الدولة والمجتمع وجعله مؤثرا في موضوع إصلاح الزوجين قبل إيقاع الطلاق، مشيرا إلى «مسؤولية الدولة في الحد من الطلاق والزواج خارج المحاكم، ومتابعة هذا الملف والتثقيف ونشر الوعي عبر القنوات الإعلامية والمؤتمرات وغير ذلك».
وعموما فإن كشف مجلس القضاء الأعلى في العراق، هذه الأرقام المتعلقة بارتفاع معدلات الطلاق عموما وطلاق القاصرات خصوصا، يعد مؤشرا على مدى تدهور أوضاع الأسرة العراقية، وهي ظاهرة غير مستغربة جراء الانهيار الشامل لكل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية في البلاد، ونتيجة متوقعة لإهمال السلطات والأحزاب الحاكمة، لمشاكل العراقيين وانشغالها بالصراع السياسي على السلطة ومغانمها.

 

«القدس العربي»:

كلمات دليلية
التعليقات (0)