بيير لوي ريمون يكتب: اللحظة الافريقية الجديدة

profile
  • clock 5 سبتمبر 2023, 3:39:14 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

هل تمثل الانقلابات في افريقيا عودة للنظم العسكرية أم نهاية للمصالح الفرنسية في المنطقة؟ سؤال طرحناه كإشكالية في نقاش تلفزيوني مؤخرا وقد لفتني تقديم الفرضيتين على شكل احتمالين منفصلين فيما كان يمكن التفكير في علاقة استتباع مباشرة بين عودة هذه النظم ونهاية هذه المصالح.
ثمة عنصر أساسي آخر كان يمكن أن يطرح في الواجهة ألا وهو نصيب الشعوب مما حدث، أو لنكن دقيقين أكثر، مما يحدث حالياً في افريقيا الناطقة باللغة الفرنسية. قد يكون أحد جوانب التفسير القائم على حساسية الشعوب للبروبغاندا أمرا واردا. في نهاية المطاف قد يقول قائل إن قوى الانقلاب في مالي والنيجر لم تعد كونها اعتمدت استراتيجية ولغة مألوفتين: رفض قوة خارجية استعمارية سابقة متواطئة مع نخب محسوبة عليها، انتظار عودة الاستقرار بعد أن يهدأ غضب الشارع، ثم إجراء انتخابات.
لكن حالة الغابون باتت مختلفة على اعتبار أن القيادات الانقلابية لم توجه خطابا معاديا للقوة الاستعمارية السابقة، بل ركز الجنرال بريس أولينجي نجيما قائد الحرس الجمهوري سابقا، أحد مدبري الانقلاب والحاكم الفعلي للبلاد حالياً، على موضوع الفساد دون أي إشارة إلى سلالة بونغو أو إلى خضوعها للمتابعة القضائية في ما بات يسمى بـ «قضية المكتسبات غير المشروعة «.
فهل صار من الممكن أن نشهد دورا إصلاحيا للنظم الانقلابية في افريقيا في ظل ما بدا وكأنها موجة تكتسح المنطقة؟ قد يستغرب البعض من هذا السؤال فالنظام العسكري الانقلابي يبدو محكوما في طبيعته بممارسات استبدادية. لكن ثمة استثناء يشذ عن القاعدة يتمثل في ثورة القرنفل في البرتغال حيث وضع انقلاب عسكري نهاية للنظام العسكري الذي سبقه، بل لنظام الحكم العسكري كليا عن طريق إلغاء «الديكتاتورية الوطنية» ذات الطابع العسكري الاستبدادي التي أوصلت المدني الشهير المتعاون معها، الاقتصادي أنطونيوسلازار، إلى سدة الحكم لستة وثلاثين عاما.

دخلت المستعمرات السابقة في افريقيا دورة جديدة تؤثر على علاقاتها مع مستعمريها السابقين لكن بالدرجة الأولى مع حكامها

وهذا ما يقود فعلا إلى طرح سؤال ما إذا كانت هذه المرحلة من التاريخ تشهد عودة للنظم العسكرية في المنطقة الافريقية، وهنا، يجوز طرح السؤال منفصلا عن تراجع مصالح القوى الخارجية في المنطقة. صحيح. تراجعت هذه المصالح، لكن ضعفت اليوم أيضا رواية تعاون القوى الاستعمارية السابقة مع نخب حاكمة أسست شبكة مصالح متبادلة عمرت طويلا وقد حملت في الحالة الفرنسية عنوان فرنسا في افريقيا (La France Afrique) فقد دخلت المستعمرات السابقة في افريقيا دورة جديدة تؤثر على علاقاتها مع مستعمريها السابقين لكن بالدرجة الأولى مع حكامها. وللوقوف عند ملامح تلك الدورة الجديدة، لا بد من الإحاطة بعناصر برغماتية تؤشر إليها، مثل المقاربة الجديدة التي تبنها للتواجد العسكري الفرنسي في النيجر قبل الانقلاب: مغادرة الصفوف الأمامية والاكتفاء بمهمات تدريبية في ما سمي بـ«نزع البرخنة» أي وضع حد لمهمة برخان في الساحل التي كانت تستهدف مكافحة الجماعات المتطرفة وتعويضها بتعاون تدريبي موجه للقوات المحلية.
لكن نقطة ارتكاز هذه الدورة الجديدة هي أيضا نقطة الضعف الأساسية التي تعاني منها حاليا القوى الاستعمارية السابقة.
أكثر من التركة الاستعمارية التي خلفها التاريخ، نتحدث هنا عن عدم التفات هذه القوى للإنذارات المتعاقبة التي وجهها لها المراقبون والمبنية على ضرورة استباق انسحاباتها العسكرية التي كان لا بد لها أن تتم عاجلا أو آجلا. فلم يقصر الباحثون ولم تقصر مؤسسات التفكير في معاهد الأبحاث (think thank) عن تناول ضرورة تفعيل التنمية المشتركة (co-développement) وهو مصطلح قديم جدا بالكاد طبق، يراد من ورائه تصحيح الاختلالات في المبادلات التجارية حتى تستفيد القارة السمراء من الاستثمارات الخارجية.
هذا التحدي، فهمته دولتان لا يربطهما بافريقيا أي تاريخ مشترك، بل مجرد تصور للمصلحة يختلف جذريا عن التصور السائد لدى القوى الاستعمارية السابقة لأن هذه الدول، ذات الخلفية غير المنحازة والاقتصادات الصاعدة، تراهن على الاستثمارات المحلية.
الإدراك الروسي والصيني بأن افريقيا أيضا تنتمي إلى القرية العالمية الصغيرة خرق المشهد، والقوى الاستعمارية السابقة لم تبال، لم تبال منذ أمد طويل. السياق جديد واللحظة الافريقية جديدة ومقاربتها بالروابط المصلحية القديمة مقاربة انتحارية. عندها، يصبح السؤال المطروح هل تملك القوى الاستعمارية السابقة القدرة على مسايرة المد الجديد الذي تفرضه الاقتصادات العالمية الجديدة مع العلم أنها اقتصادات متداخلة؟
من البديهي أن الدول الصاعدة ومنها دول البريكس أساسا وتلك المنضمة إليها حديثا، كما التي تطرق أبوابها، هي التي تملك اللحظة الافريقية، فقد صارت هذه الأخيرة اقتصادية بالمعنى الأصلي للكلمة، أي توفير النمو والرفاه للبلدان، قبل نخبها التي من المفروض أن تخدم المصلحة العامة وليس مصلحتها.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)