عدنان منصور يكتب: مروحة الصين: من الدول النامية إلى افريقيا

profile
  • clock 2 سبتمبر 2023, 4:31:45 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

سياسة الصين تجاه الدول النامية
منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، اتسمت علاقاتها بدعم الدول النامية وشعوبها، وأيضا حركات التحرر الوطني في أمريكا اللاتينية، وافريقيا وآسيا. هذه العلاقات كانت لها خصائصها المرحلية، التي رافقت مسيرتها منذ تأسيس جمهوريتها الشعبية، لذلك يمكن القول أن لكل مرحلة ميزتها، وخصوصيتها التي يجدر التوقف عندها:
الفترة الممتدة من عام 1949 حتى أواخر السبعينيات: في فترة ما قبل السبعينيات من القرن الماضي، كان الدعم الصيني يتركز ويتوجه بغالبيته إلى حركات التحرر الوطني، التي كانت تناضل ضد الاستعمار، من أجل تحقيق الاستقلال لبلادها، وحق تقرير مصيرها. كما كانت الصين في الوقت ذاته، تساعد على تعزيز جبهة عالمية ضد الإمبريالية والقوى الاستعمارية، فوقفت مع فيتنام وكوريا الشمالية ضد الغزو الأمريكي، وجانب مصر ضد العدوان الثلاثي عليها عام 1956. كما دعمت جبهة التحرير الوطني الجزائرية عند انطلاق ثورتها عام 1954 ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر، ووقفت إلى جانب كوبا ضد الولايات المتحدة أثناء أزمة خليج الخنازير، وإلى جانب الكونغو عام 1964، ومعارضتها للسياسة الأمريكية في هذا البلد. كما أيدت حركة المقاومة لشعب بنما ضد سياسة واشنطن، وأيدت مقاومة شعب الدومينيكان ضد الغزو العسكري الأمريكي لبلده عام 1965، ووقفت إلى جانب الدول العربية ضد العدوان الإسرائيلي عام 1967، وشجبت الغزو الأمريكي لكمبوديا واللاوس عام1971، حيث قدمت مساعدات كبيرة للأمير نوردوم سيهانوك. وقدمت مساعدات اقتصادية للدول حديثة الاستقلال، ولحركات التحرر الوطنية، وأنشأت «مصلحة الاتصال العامة للمساعدات الاقتصادية الخارجية»، ومهمتها الإشراف على المساعدات الاقتصادية للدول النامية في أمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا، وهذه المساعدات لم تكن تخضع لشروط أو امتيازات للحصول عليها. هكذا امتدت المساعدات الاقتصادية الصينية لتشمل مروحة واسعة من الدول لاسيما في آسيا، حيث استفادت منها معظم الدول القريبة والمجاورة للصين مثل باكستان، أفغانستان، ميانمار، سريلانكا، لاوس، كمبوديا وغيرها. إن نسبة المساعدات الخارجية الصينية للدول النامية، ولسنوات طويلة بلغت 7% من إجمالي الناتج القومي الصيني، متجاوزة بكثير المساعدات المقدمة من الدول الاقتصادية الكبرى، كالولايات المتحدة، واليابان، وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول الغنية. يمكن القول إن علاقات الصين مع دول العالم الثالث، بعد تأسيس جمهوريتها الشعبية، خضعت إلى حد بعيد، لنهج ومفهوم أيديولوجي معين، ارتضته الصين لنفسها. إلا أن هذا النهج والمفهوم، سيطرأ عليه لاحقا تعديلٌ يطال النظرية والنهج والتطبيق بعد أن بدأت الصين مع أواخر السبعينيات، اعتماد سياسة الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي، والانفتاح على العالم كله.
2 –  الفترة ما بعد السبعينيات: بعد دعم الصين لحركات التحرر الوطنية في القارات الثلاث، أمريكا الجنوبية، وافريقيا وآسيا، وبعد نيل الدول الخاضعة للاستعمار استقلالها وحريتها، بدأت الصين تركز على تطوير العلاقات مع دول العالم الثالث، في مختلف الميادين، وتعزيز التعاون المشترك القائم على مبدأ المساواة والمصالح المشتركة والمنفعة العامة. علما أن الصين ظلت تقدم المساعدات الممكنة للدول النامية، التي بلغ عددها 64 دولة. ومع مطلع الثمانينيات أضيف إلى هذا العدد، 24 دولة جديدة استفادت من المساعدات الصينية. آثرت بكين ألا تقتصر المساعدات الصينية على طرف واحد، وإنما العمل على إيجاد تعاون اقتصادي وتجاري وتقني مشترك مع دول العالم الثالث، ما جعل حجم التبادل التجاري بين الطرفين يزداد سنة بعد سنة. كما نوعت الصين أشكال المساعدات الاقتصادية لدول العالم الثالث، من خلال قيامها بتنفيذ مشاريع تنموية، عن طريق تقديم القروض الميسرة، أو التعاون برأسمال مشترك. هذا النوع من التعاون، جعل حجم التبادل التجاري بين الصين ودول العالم الثالث الذي بلغ عام 1970 (177 مليون دولار)، يقفز عام 1980 إلى مليار و131 مليون دولار.
3 – الصين والدول النامية: مأسسة جديدة للعلاقات: بعد أفول الحرب الباردة، مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي، ولاسيما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وانهيار المنظومة الشيوعية في أوروبا الشرقية، شهدت علاقات الصين مع الدول النامية، قفزة نوعية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والتنموية والثقافية، ما حتم بلورة العلاقات بين الطرفين، في إطار مؤسساتي استراتيجي جديد، يعزز المصالح والمنفعة المشتركة، واستطاعت الصين بعد سنوات من التعاون مع الدول النامية، أن تظفر بمكانة سياسية ودبلوماسية دولية، نتيجة دعم ووقوف دول العالم الثالث إلى جانبها في المحافل والمنظمات الدولية، عند طرح مسائل حساسة تتعلق ببكين، كمسألة تايوان، وحقوق الإنسان في الصين، إذ أن دعم هذه الدول للصين، ساعد هذه الأخيرة على الصمود في وجه الضغوط السياسية الغربية، والوقوف في وجه أحادية القطب الواحد، الذي أرادت الولايات المتحدة اعتماده والسير فيه. كانت الدول النامية، خاصة الدول الكبيرة منها، ذراع الصين في مواجهة القطبية الأحادية، وبالتالي، أصبحت الدول النامية مجالا حيويا رحبا للفضاء الدبلوماسي والاقتصادي الصيني، والداعم القوي للصين في تحقيق التنمية، لعدة أسباب:

استمر تطور العلاقات الصينية الافريقية ليأخذ بعدا تنمويا، وتعاونا استراتيجيا مشتركا، يتعزز أكثر فأكثر مع كل قمة تعقد بين الصين وافريقيا

أ – أهمية الدول النامية للصين، تكمن في ما تشكله من سوق استهلاكية كبيرة للمنتجات الصينية المصدرة إليها، لاسيما وأن هناك أكثر من 130 دولة في العالم الثالث، بتعداد سكاني يتجاوز 5 مليارات نسمة، لكن حتى ذلك التاريخ كان حجم التبادل التجاري هزيلا إذا ما قورن مع الحجم التجاري في الوقت الحاضر. أما في المجال العسكري، فقد شهدت السوق العسكرية الصينية إقبالا ملحوظا من الدول الافريقية، حيث سجلت مشتريات الاسلحة ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة، وفي هذا المجال يشير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، أن ثلث السلاح الذي تستورده افريقيا يأتي من الصين، علما أن الصين تملك قاعدة عسكرية في جيبوتي، وهي تسعى أيضا إلى إيجاد مواقع قدم عسكرية في أكثر من مكان.
ب – تتزود الصين وتستورد من الدول النامية بموارد عديدة استراتيجية هي بحاجة إليها، في عملية النهوض الاقتصادي والتنموي. فإنتاجها من النفط لا يسد حاجتها الماسة إليه، لذلك تعتمد على استيراد النفط من الدول المنتجة له. وغالبية الدول المنتجة والمصدرة للنفط، هي دول نامية موجودة في منطقة الشرق الأوسط، وافريقيا وأمريكا الجنوبية، بالإضافة إلى حاجتها إلى المواد الخام لصناعاتها مثل النحاس والكوبالت والبلاتين والذهب والماس، وغيرها من السلع بما فيها الغذائية.
ج ـ إن نمو الاقتصاد الصيني بشكل كبير، نتيجة الإصلاحات والانفتاح على العالم، وبالذات على الدول النامية، أعطى القدرة لبكين على توسيع مروحة التقديمات والمساعدات الاقتصادية الضرورية للتنمية الاقتصادية في هذه الدول. هذه السياسة أتاحت للصين فتح أسواق العالم الثالث أمام الصادرات الصينية، وأيضا تأمين الصين لما تحتاجه من مواد خام لصناعاتها المتنامية. كان على الصين بعد التطور الملحوظ في علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول النامية، أن تبحث عن آليات جديدة لتعزيز وتفعيل العلاقات معها، من خلال منتديات تأسست بينها وبين العديد من دول العالم، في الشرق الأوسط وافريقيا وأمريكا اللاتينية، فكان منتدى التعاون الصيني – الافريقي، والصيني – العربي، ومنتدى الصين وأمريكا اللاتينية.

العلاقات الصينية الأفريقية:   نموذج للتعاون المشترك البناء

من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي مع القارة الافريقية، بادرت الصين إلى تأسيس المنتدى الصيني الافريقي (FOCAC) عام 2000، وكانت الغاية منه، تفعيل العلاقات التجارية والاستثمارية بين الصين والبلدان الافريقية في القطاعين العام والخاص. يضم المنتدى اليوم أكثر من 45 دولة افريقية، حيث وجد طريقه إلى التنفيذ العملي، مع أول قمة صينية افريقية عقدت عام 2006 في بكين. في اجتماع القمة، أعلنت الصين عن ثماني مبادرات ستتخذها حيال افريقيا. تتمثل هذه المبادرات، بزيادة المعونات التي تقدم إلى الدول الافريقية، وإقامة منطقة تعاون في المجال الاقتصادي والتجاري، وتنمية قطاعات الموارد البشرية والصحية والزراعية والتعليم. وفي مؤتمر القمة الصينية الافريقية الثانية التي عقدت في جوهانسبورغ (جنوب افريقيا) عام 2015، أعلن فيها الرئيس الصيني شي جين بينغ، عن أكبر حزمة دعم مالي لافريقيا، مقدمة من الصين شملت 60 مليار دولار لمشروعات التنمية، بالإضافة إلى إلغاء بعض الديون المترتبة على بعض البلدان التي تواجه صعوبات جمة، وكذلك تطوير الزراعة في دول افريقية وفق خطة مدتها ثلاث سنوات. استمر تطور العلاقات الصينية الافريقية ليأخذ بعدا تنمويا، وتعاونا استراتيجيا مشتركا، يتعزز أكثر فأكثر مع كل قمة تعقد بين الصين وافريقيا.
مما لا شك فيه، أن هذه المنتديات المختلفة، وفرت للصين مكانة دولية، وتأثيرا كبيرا، ووجودا ملموسا في أكثر من مكان، لاسيما في القارة الافريقية، حيث استفادت من الموارد والمواد الأولية، ومن الأسواق الافريقية، وحققت نموا سريعا لاقتصادها. كما قامت الصين من جانبها بإلغاء الديون المستحقة على الدول الافريقية الأقل نموا التي تواجه صعوبات ثقيلة، والتي وصل حجم ديونها إلى عشرة مليارات دولار، عدا قيام بكين بتدريب كادرات افريقية في مختلف المجالات العلمية والفنية والتقنية والصناعية والزراعية، وكذلك العمل على إقامة مشاريع تنموية، وتقديم قروض كبيرة تجاوزت 10 مليار دولار، كما أعفت 95% من البضائع المصدرة إلى الصين من الدول الأقل نموا، من الرسوم الجمركية بشكل تدريجي، وزيادة المساعدات لها.
المنتدى الصيني – الافريقي أعطى أكله، إذ إن الدول الافريقية النامية حققت نسبة نمو اقتصادي 5% كمعدل سنوي، كما أن حجم التبادل التجاري بين الصين وافريقيا ارتفع من 1.6 مليار دولار عام 2000، ليصل إلى 106.8 مليار دولار عام 2008. وإلى 115 مليار دولار عام 2010، وإلى 220 مليار دولار عام 2014. لكن حجم التبادل تراجع عام 2015 ليسجل 146.6 مليار دولار، ليعاود الارتفاع ليصل إلى 170 مليار دولار عام 2018 . لقد بلغ عدد الشركات الصينية العاملة في افريقيا ما يزيد عن 1700 شركة، وتجاوز حجم استثماراتها 9 مليارات دولار. ورغم الأزمة الاقتصادية الحادة التي شهدها العالم عامي 2008 و2009، التي دفعت العديد من الدول المتقدمة والغنية إلى تقليص استثماراتها في افريقيا، أو توقف البعض عن تقديم المساعدات لها، نجد أن الصين في هذه الفترة، زادت من استثماراتها المباشرة لتصل عام 2009 إلى 1.36 مليار دولار، بزيادة قدرها 36% عما كانت عليه عام 2008 حيث كانت حينذاك بقيمة مليار دولار. في هذا المجال أشار تقرير صدر عن البنك الدولي، إلى أن الصين منذ عام 2009 أصبحت أكبر شريك تجاري لافريقيا، وأكبر مستثمر فيها. ووفقا لبيانات وزارة التجارة الصينية، فإن الصين تستثمر سنويا منذ عام 2015، في الدول الافريقية حوالي 15 مليار دولار.
ومن جهتها، قامت وكالة ماكينزي الأمريكية بوضع دراسة عن التجارة بين الصين وافريقيا، ذكرت فيها أن قيمة الأرباح المالية المتوقع أن تجنيها الصين من افريقيا عام 2025 ستصل إلى 440 مليار دولار، مع العلم أنه من أصل 256.30 مليار دولار تراكمي من المساعدات الخارجية التي قدمتها الصين إلى دول العالم في نهاية عام 2009، فإن 45.7% من هذه المساعدات قدمت لافريقيا. إن التعاون الصيني الافريقي، أثار في ما بعد، شهية العديد من الدول المتقدمة، كي تعيد النظر في سياساتها تجاه دول القارة الافريقية. فبعد تأجيل مؤتمر القمة الأوروبية – الافريقية لمدة ست سنوات، نظم الاتحاد الأوروبي عام 2007، مؤتمر القمة هذا، بغية تأسيس شراكة بين الطرفين. كما قامت اليابان والهند وروسيا والبرازيل وكوريا الجنوبية وغيرها بعد ذلك، بخطوات متقدمة لتوسيع مروحة التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع افريقيا. إن تفعيل آليات التعاون الاقتصادي المشترك بين الصين وافريقيا، يسير بشكل متواصل، وهو في تطور مستمر يخدم الأهداف والمصالح المشتركة للطرفين. هو تعاون مبني على الاحترام المتبادل، بمعزل عن أنظمة الدول الأفريقية ونهجها، وعقائدها، وتوجهاتها السياسية وتحالفاتها وانتماءاتها. تنظر الدول الغربية نظرة غريبة ومتحفظة إزاء التعاون والشراكة الصينية الافريقية، لاسيما حيال الاستثمارات الصينية في الدول الافريقية التي تتعرض من آن إلى آخر لانتقادات شديدة حول أهداف الصين البعيدة المدى، كما تسلط الضوء على الارتفاع الكبير في مديونية بعض الدول الافريقية، وتحذر من التبرعات الناجمة عن القروض الصينية المقدمة للدول الأفريقية، التي أثارت أيضا قلق صندوق النقد الدولي، فاستنادا إلى المكتب الأمريكي، مبادرة الأبحاث الصينية الافريقية التابع لجامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins في واشنطن، فإن الصين أقرضت افريقيا ما مجموعه 125 مليار دولار بين عامي 2000 و2016.
إن شراكة الصين مع افريقيا لم تسلم من الحملات السياسية والإعلامية للغرب، لتشويه صورة التعاون المشترك، والتشكيك فيه، من خلال اتهام الصين بالسيطرة على افريقيا. في هذا الإطار، نشرت مجلة Harvard Political Review في 3 فبراير 2017، مقالا تحت عنوان: «استثمارات الصين في افريقيا: الاستعمار الجديد». سبق ذلك عام 2014 أن صدر كتاب لـ Howard.W. French، حمل عنوان « China’s Second Continent» أي « افريقيا، القارة الثانية للصين»، والذي يشير اليه الكاتب، كيف أن مليون صيني موجودون في افريقيا ويبنون عليها إمبراطورية صينية جديدة. في 31 يوليو عام 2018، نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية مقالة للكاتب لنك فان مد تحت عنوان «الصين في افريقيا: تنمية الكسب المشترك، أم استعمار جديد؟» يشكك فيها بالدور الصيني في القارة الافريقية.
أمام تقدم الصين في افريقيا، ومن أجل مواجهة المد الصيني، والنفوذ الكبير لبكين في الدول النامية في افريقيا، أعلنت الولايات المتحدة عن استعدادها لاستثمار 5 مليارات دولار في إثيوبيا، من خلال مؤسسة تنموية جديدة حملت اسم DFC، لها قدرة إقراض ضخمة تقدر بـ60 مليار دولار. حلت هذه المؤسسة مكان المؤسسة الأمريكية للتمويل الخاص الخارجي OPIC، على أن تكون أنشطة DFC التمويلي موجهة لخدمة المصالح السياسية الأمريكية، وفي مقدمها، مواجهة النفوذ الصيني في افريقيا ودول أخرى في العالم. وفي عام 2019، ومن أجل الحد من النفوذ الصيني، أعطت واشنطن الضوء الأخضر لصندوق النقد الدولي، لتقديم قرض بقيمة 2.9 مليار دولار إلى إثيوبيا لدعم ميزان المدفوعات لديها. إلا أنه رغم كل الانتقادات والاتهامات الموجهة للصين، فإن افريقيا لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من الأنشطة الاقتصادية الخارجية للصين، فنسبة الاستثمارات والتجارة الصينية مع الدول الافريقية، لا تمثل سوى 5.3% من الاستثمارات والتجارة الصينية الدولية.
مما لا شك فيه، أن الحملات الإعلامية الغربية على الشراكة الاستراتيجية بين الصين وافريقيا، تنبع من الخوف بأن يؤدي الوجود الصيني في القارة إلى كبح جماح النفوذ الغربي فيها، ويضع حدا لاستغلال الغرب لثرواتها، الذي يستمر منذ عدة قرون، إلا أن هذا، لا يحجب الإنجازات الكبيرة التي حققتها الصين لأفريقيا في مجالات البنى التحتية، وإقامة المشاريع الضخمة، في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات الصحية والتعليمية والتدريبية، التي تبدو جلية من خلال المشاريع الكبيرة التي نفذتها الصين في دول عديدة في افريقيا، منها على سبيل المثال لا الحصر: قيام الصين في إثيوبيا، ببناء خط سكة حديد كهربائية بطول 470 كلم، يمتد من العاصمة اديس ابابا إلى ميناء جيبوتي. وقد تم افتتاحه عام 2018، بتكلفة قدرها 2.5 مليار جنيه استرليني، وبتمويل من بنك صيني، وتنفيذ  من قبل شركات صينية. في مقابل ذلك حصلت جيبوتي على استثمارات كبيرة وقروض ميسرة، وخط أنابيب وبناء مطارين وغيرها من المشاريع. وتشير البيانات إلى أن الصين، استثمرت في تمويل وبناء السدود في 22 دولة افريقية خلال العقد الأخير، ففي عام 2006، قامت بكين بتمويل سد «تركيزي» بقيمة 224 مليون دولار في إثيوبيا، عبر كونسورتيوم من الشركات الصينية. وفي ما بعد تعزز الوجود الصيني في منطقة حوض النيل عام 2012، حين قررت الصين استثمار 500 مليون دولار في سد «جايب» على نهر أونو، ما تسبب بغضب كينيا، الدولة المجاورة لإثيوبيا لتضررها من بناء السد.
عام 2013، تعهدت الصين بتقديم قرض بقيمة 1.2 مليار دولار لتمويل خطوط الكهرباء والبنى التحتية، لنقل الكهرباء المولدة من السد إلى المدن والبلدات الرئيسة..
عام 2021، أعلنت الصين عن منح قرض بقيمة 1.8 مليار دولار لإثيوبيا، حيث خصص جزء كبير منه لشراء التوربينات اللازمة لتشغيل السد، وحصلت الصين على عقود لشركاتها للمشاركة في أعمال الإنشاءات المتعلقة به، بالإضافة إلى شركات إيطالية وفرنسية وأمريكية.
وفي مجال آخر، تم توقيع اتفاقية اقتصادية وتجارية بين الصين وكل من كينيا وإثيوبيا في منتدى الحزام والطريق (BARF) في بكين مايو 2017. يرمي هذا الاتفاق، إلى إقامة خط سكك حديدية في كينيا بطول 290 ميلا، من العاصمة نيروبي إلى مدينة مومباسا الساحلية، وتمديد الشبكة إلى جنوب السودان، وأوغندا، ورواندا، وبورندي. يعد هذا المشروع من أكبر مشاريع البنى التحتية في كينيا منذ استقلالها وحتى اليوم. مبادرة الحزام والطريق تهدف أيضآ إلى مد مشاريع البنى التحتية إلى الساحل الغربي لافريقيا، ليشمل نيجيريا وانغولا، مع الموانئ المخطط لإنشائها على طول الساحل الممتد من دكار (السنغال) إلى ليبرفيل (لببيريا) ولاغوس (نيجيريا). كذلك اقترحت الصين إنشاء شبكة سكك حديد فائقة السرعة تربط دول القارة الافريقية ببعضها بعضا.
هكذا يتعزز الحضور الصيني في افريقيا من خلال المشاريع التنموية والقروض التي توفرها الصين لدول القارة الافريقية. حضور مبني على الثقة المتبادلة وعلى صدقية الصين في مساعدة الدول التي تطمح إلى تحقيق التنمية المستدامة لشعوبها. وما افريقيا الا النموذج الحي، لعلاقات صينية افريقية، تتعزز وتنمو عاما بعد عام، لتحقق المصالح المشتركة لكلا الطرفين الصيني والافريقي، أيا كانت الشكوك الخارجية والحملات الإعلامية التي تقودها جهات دولية خارجية لا تريد للصين أن يكون لها الحضور الفاعل والمؤثر، أكان ذلك في افريقيا أو خارجها، أو في أي مكان من العالم.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)