- ℃ 11 تركيا
- 2 مايو 2024
صلاح زكي أحمد : قواعد العشق الأربعون ١
صلاح زكي أحمد : قواعد العشق الأربعون ١
- 29 أبريل 2021, 5:26:41 م
- 729
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الجزء الأول :
*********
نتذكر جميعاً المسلسل البديع الذي اُذيع منذ بضع سنوات وكان عنوانه " الخواجة عبد القادر " والذي قام ببطولته الفنان الكبير " يحيى الفخراني " وكان موضوعه
قصة حبّ صوفية ، جعلت مواطن بريطاني يعيش في بلاده في وضع انساني طيب ومعقول ، بأن يترك تلك الحياة والبحث عن بديل ،
عن خلاص للروح وانقاذ للنفس ،اذ وجدّ في داخله ما يناديه الى ترك الحياة في تلك البلاد ، بعد أن عاش على أرضها وقائع الحرب العالمية الثانية
وكابد مخاطر الموت من ويلات تلك الحرب والغارات الألمانية المتلاحقة على عاصمة بلاده ، فضلاً عن الحياة وسط ظروف عائلية كئيبة وكارثية ، مما جعله مُدمناً للخمر الى حد مُعانقة الموت ومعايشة العّدم في كل لحظة ....
غير أنهُ ، وبرغم تلك الحياة البائسة كان يناجي نفسه الطيبة ، هاتف سماوي يدعوه الى ترك هذه الأرض والتوجه الى بلاد بعيدة ، ليبدأ فيها حياة جديدة ، طاهرة مُبرأة من كل فساد وضلال وخيبة أمل ووهدة إنكسار وفشل ....
كانت أرض مصر والسودان هي تلك الأرض الجديدة ، التي وجد فيها نفسه ، ففيها لبّى النداء ، وتحول الى مواطن مُسلم ، حاملاً اسماً جديداً هو " عبد القادر " وهو اسم شيخه السوداني ،
شيخ الطريقة الصوفية ، الشيخ الورع النبيل ، الزاهد في مغانم الدنيا الزائلة وحساباتها الخاسرة ، فقد دخل على يديه الى عالم التصوف ، عالم الزُهد والحبّ والورع والإخلاص في محبة الناس والتوق الى دنيا الله : اخلاصاً وطاعةّ وشوقاً وعشقاً ....
غير ان اسمه الجديد لم يفارق أصله ، فقد لُقب باسم " الخواجة عبد القادر " فهو بريطاني الأصل ، وصاحب اللكنة الأعجمية في الحديث ، فرغم إمتلاء قلبه بالإيمان ،
وحفظه للقليل من سور القرآن الكريم ، لم تكن تلك التغيرات الظاهرية والملموسة من الناس الذين أحاطوا به وعاشوا معه ، هو الأمر المهم بالنسبة له ،
أو بالنسبة لمن يعرفونه على حقيقته ، فلم يكن كل هذا هو المُهم ، ولكن كان " قلبه النقي الطيب المُحِب لكل ماهو جميل ، هو المُهم ، كان حبه الى الله ، هو السبيل الوحيد الذي جعله مُحباً للناس " ...
تلك القصة الجميلة والبديعة ، فناً وتمثيلاً وإخراجاً وتأريخاً ، هي واحدة من أهم الأعمال الفنية التي تناولت حالة التصوف والأدب الصوفي في تاريخنا الحديث ،
ولم يسبقها في الريادة سوىّ رائعة " مأساة الحلاج " لشاعرنا الكبير الأستاذ " صلاح عبد الصبور " والتي مُثلت على مسرح الدولة في منتصف الستينيات من القرن الماضي ،
كانت صوتاً جديداً في المسرح الشعري العربي ، لم ينافسها في الجمال والإبداع سوى رائعة " ثأر الله : الحسين ثائراً والحسين شهيداً " لزميله الكبير " عبد الرحمن الشرقاوي "
والتي صدرت في جزئها الأول " الحسين ثائراً " في الفترة نفسها من عقد الستينيات ، وتحديداً في عام ١٩٦٩ ، لكنها لم تّرىّ النور على مسرح الدولة ،
حيث إعترض بعض شيوخ الأزهر الشريف في عقد السبعينيات من القرن الماضي على تجسيدها على خشبة المسرح القومي ، ومن يومها ظلت حبيسة النص المنشور ، والصادر آنذاك عن دار الهلال المصرية !......
هذه الأعمال الإبداعية الرائدة ، والتي تناولت التاريخ الإسلامي في جوانبه الثورية والتقدمية والطليعية هي جوهرة التاج في تاريخ الفكر والإبداع العربي والإسلامي ،
أعمال رائدة بحق لا يفخر بها مبدعوها ، سواء نثراً أو شعراً أو تمثيلاً أو اخراجاً فقط ، ولكن يفخر بها أيضاً ،
كل من أسّعدهُ الحّظ بأن شاهدها ، فبقدر مابقيت كلمات " الحلاج " في مأساته عن تعريف الفقر "... بأنه ليس الجوع الى المأكل أو العُريّ ، ولكن هو قتل الحبّ وزرع البغضاء وحصد الكراهية وإزهاق النفس وقتل الروح ..." ...
بقدر مابقيت تلك الكلمات مشاعل نور في كل نفس ...
كذلك بقيت كلمات " الحسين " في مأساته ، سواء أكان ثائراً أو شهيداً ، هادية لوجدان ونفس من قرأها وعاش معانيها وتمّثل أفكارها وقيمها ،
فالشّرقاوي يقول على لسان بطله " الإمام الحسين بن على "رضي الله عنه وأرضاه ، سيد شهداء شباب أهل الجنة ،
عندما أرادوا انتزاع صوته ليبايع " يزيد بن معاوية بن أبي سفيان " خليفةً على المسلمين ، مُهونّين عليه الأمر بأنه غير مُطالَب سوى بكلمة ، يبايع فيها الخليفة المُغتٍصب وينتهي الأمر ! ....
إلا أنه يُسمع مُطالبي البيعة الزائفة معني الكلمة وقيمتها ، فيقول :
" أتعرفون معنى الكلمة ؟
مُفْتاح الجنة في كلمة ، ودخول النار على كلمة ، وقضاء الله هو الكلمة ...
الكلمة نور ، وبعض الكلمات قبور ، بعض الكلمات قلاع شامخة ، يعتصم بها النُبل البشري ... الكلمة فرقان بين نّبي وبّغي ، بالكلمة تنكشف الغُمة ، الكلمة نور تتبعه الأمة ..."
مسلسل " الخواجة عبد القادر " و " ماسأة الحلاج " و " ثأر الله : الحسين ثائراً والحسين شهيداً " جميعها تتحدث عن موضوع واحد ،
هو " حبّ الله ، وحب الناس " فالحلاج يتحدث عن الفقر والقهر ، والحسين يجسد الموقف الإنساني بمعنى الكلمة ، وكذلك " الخواجة عبد القادر " يتحدث عن الظُّلم والتضليل والطمع والغُلو والتشدد والكذب ...
غير أنهم جميعاً ماكان بمقدورهم مواجهة الفقر والقهر والضلالة سوى ب " الحبّ " ... فبالحب وحده ، يمكن مواجهة الطغيان ، وقهر الفقر ، وبناء النفس، ومعالجة الروح إذا اختلت الموازين وضاعت في متاهات الضلال ...
*********
" قواعد العشق الأربعون " ... هي واحدة من أهم ألأعمال الإبداعية التي تناولت هذا الموضوع ، الذي يربط على نحو رائع وجميل ومُدهش مابين " حب الله ، وحب الناس "
" ... فمن السهل أن تحبّ الله ، الذي يتصف بالكمال ، والنقاء ، والجمال ، والعٍصمة ... لكن من الأصعب من ذلك أن تُحب إخوانك من البشر بكل نقائصهُم وعيوبهم ....
تذكر أن المرء لا يعرف إلاّ ماهو قادر على أن يحبّ ، فلاٌ حكمة من دون حبّ .....
ما لم نتعلم كيف نحبّ الله ، فلن نستطيع أن نحبّ الله حقاً ، ولن نعرف الله حقاً ..."
تلك الرواية الرائعة عن مولانا " جلال الدين الرومي " وصديقه " شمس التبريزي " هي من أجمل وأعذب ما تقع عليه عينيك ويسعد بها عقلك وتسمو بها روحك ،
هي قطعة من الأدب الصوفي الجميل ، الذي يّٰرقى الى حدود الأدب الإنساني النادر ، فهي في مصاف الأعمال الأدبية الخالدة القادرة على تحويل المسار الأخلاقي والتربوي والديني والثقافي لمن يقرأ هذا العمل
، بعقل واعٍ وقلب طيب نبيل ، ونفس طيبة ، واستعداد فطري لأن يكون أفضل وأجمل وأرقى ... )
ملاحظة :
سبق أن نُشرت هذه المعالجة النقدية لتلك الراوية البديعة لمؤلفتها التركية " إليف شافاق " خلال شهر رمضان من العام الماضي ،
ووجدت نفسي مع الشهر المبارك لعامنا هذا مسوقاً الى اعادة النشر ، محبة في تلك الرواية من ناحية ، ومحبة لأصدقاء جُدد ، من ناحية أخرى ، جاء بهم هذا العام المُمتد من رمضان الماضي الى الشهر الكريم لهذا العام ...
ورمضان كريم ، وكل عام وحضراتكم بألف خير وصحة وسعادة .
كلمات دليلية
التعليقات (0)
إقرأ أيضا
أحدث الموضوعات
خميس, 02 مايو 2024
عومر دنك يكتب: عن المفاوضات مع حماس (مترجم) خميس, 02 مايو 2024
واشنطن بوست: إسرائيل أخلت بمفاهيم الأمومة والأبوة في غزة بسبب قتلها الأطفال خميس, 02 مايو 2024
شكاوى إسرائيلية من تأثيرات عدوان غزة على الاقتصاد وانخفاض تصنيفه الدولي الأكثر قراءة
جمعة, 08 أكتوبر 2021
مصادر: إبراهيم منير يتخذ قرار بإيقاف ٦ من الشورى العام سبت, 18 سبتمبر 2021
د. أيمن منصور ندا يكتب : عندما تلقيت اتصالاً من الرئيس السيسي خميس, 30 سبتمبر 2021
طارق مهني يكتب : بزنس المعارضة - سبوبة الزنازين اثنين, 01 نوفمبر 2021
تقرير : كيف ساهم " أبو دية " عبر أذرعه المالية في تدجين المعارضة المصرية بالخارج جمعة, 28 مايو 2021
تعرف على مدينة المقاومة تحت أرض غزة ودورها في معركة سيف القدس وجهة نظر
خميس, 25 أبريل 2024
سعيد البدري يكتب: تركيا ومساعي الشراكة الصلبة مع العراق سبت, 20 أبريل 2024
مجدي الحداد يكتب: سلاح الفيتو الأمريكي ذو الحد الواحد فقط والموجه ضد العرب جمعة, 19 أبريل 2024
مجدي الحداد يكتب: بين الحقيقة والمسرحية في المسألة الإيرانية