عبد الحليم قنديل يكتب: الحرب التي تنتظرنا

profile
  • clock 7 مايو 2022, 12:56:00 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

هل تعاود شرارة الحرب انتقالها إلى أراضيها المفضلة، وتعود لاشتعال في ديارنا بعد هجرة مؤقتة إلى أوروبا مع حرب أوكرانيا الجارية فصولها لا تزال؟ ربما يكون الجواب بنعم هو الأقرب للظنون، وربما تتخذ الحرب المتوقعة طابعا دينيا مموها، فالكيان الإسرائيلي في أزمة متفاقمة، وحكومته على كف عفريت، والطبعة اليمينية الدينية من الصهيونية في مركز الحوادث، والاستفزازات «اليهودية» من حول المسجد الأقصى تتصاعد، واتفاقات التطبيع «الإبراهيمية» لن تنقذ «إسرائيل»، والتحرش المتبادل بين إيران والكيان إلى ازدياد، وضيق موسكو من «إسرائيل» تراكمت أماراته في الفترة الأخيرة، وواشنطن تبدو عاجزة عن التصرف، على الرغم من كلام يثارعن احتمالات زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة بعد أسابيع.
وبالجملة، لا تبدو الصلة بعيدة بين حرب أوكرانيا ومنطقتنا العربية الإسلامية، فالحرب هناك تتخذ طابعا عالميا مطردا، وأمريكا حشدت أربعين دولة في الصدام العسكري مع روسيا، وتعتبر أن «إضعاف روسيا» هو الهدف، وأن السماح بانتصار روسي علامة نهاية لتفرد واشنطن بالقيادة الكونية، وعلى الرغم من الضخ الهائل للسلاح الغربي والحليف في الميدان الأوكراني، وسلاسل العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية المريعة ضد موسكو، وبما قد يعيق التقدم العسكري الروسي لشهور، فإن النتائج النهائية قد لا تكون على الأغلب في صالح أمريكا، والحرب تحولت إلى مسألة حياة أو موت عند موسكو وواشنطن معا، وهو ما وضع الكيان الإسرائيلي في مأزق، حاولت حكومة نفتالي بينيت الهشة التعامل معه بحذر، وذهب بينيت للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعرض أدوار وساطة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومن دون نجاح يذكر، فالرئيس الأوكراني يهودي صهيوني ويحمل الجنسية الإسرائيلية، ويزايد على الكيان الإسرائيلي نفسه، ويعلن أن أوكرانيا بمثابة «إسرائيل كبيرة» في مواجهة الروس، وينتظر من حكومة الكيان، ومن «اللوبي الصهيوني» في العالم كله، أن يقف متحدا معه في الصدام ضد موسكو وبوتين، لكن تل أبيب حاولت إمساك العصا من المنتصف، فعلى الرغم من توحدها واندماجها الاستراتيجي مع مؤسسات القوة الأمريكية، وعلى الرغم من افتخار بايدن بصهيونيته الأصيلة، فإن تل أبيب خشيت الذهاب إلى أبعد مدى في التصادم مع موسكو، واكتفت بمواقف دبلوماسية مواتية للرغبة الأمريكية في إدانة روسيا في الأمم المتحدة، وبتقديم خوذات حماية ومستشفى ميداني ومساعدات إنسانية للاجئين الأوكران، ومن دون استجابة ملموسة معلنة لرغبة زيلينسكي في تزويده بأسلحة إسرائيلية، ثم تبين أن الأسلحة ذهبت من دون إعلان إلى كييف، بما دفع موسكو إلى تشديد اللهجة ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، ووصفه عن حق بأنه «أقدم احتلال في العالم».

الحرب تحولت إلى مسألة حياة أو موت عند موسكو وواشنطن معا، ما وضع الكيان الإسرائيلي في مأزق، حاولت حكومة نفتالي بينيت الهشة التعامل معه بحذر

ثم كانت الصدمة الكبرى لإسرائيل، حين أشار وزير الخارجية الروسي إلى ارتباط نازية هتلر نفسه بأصول دم عائلية يهودية، وإلى أدوار ليهود تعاونوا مع النازي وعادوا «السامية»، وهو ما أثار هياجا عند الحكومة الإسرائيلية، التي طلبت اعتذارا لم يأت من الوزير سيرجي لافروف، بل جاء الرد أعنف على لسان ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية، التي اتهمت الكيان الإسرائيلي بدعم ما سمته نظام النازيين الجدد في كييف، وكشفت عن وجود مرتزقة عسكريين إسرائيليين يحاربون مع كتائب نازية أوكرانية مثل «آزوف» وغيرها، وليس بوسع أحد أن يزايد على تضحيات الروس في العهد السوفييتي في الحرب ضد هتلر والنازية، وقد فقد الروس وحدهم 25 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية، لكن تل أبيب قد لا تتوقف كثيرا عند رمي لافروف هو الآخر بتهمة معاداة السامية، ربما لأنها تريد مواصلة العمل باتفاقات أمنية سابقة جمعتها مع موسكو، تكفل لها قدرا من حرية حركة صواريخها وغاراتها في سماء سوريا المنكوبة، وبدعوى ضرب أهداف وتحركات إيران و»حزب الله»، وهو ما لا تبدو موسكو حريصة عليه مع تطورات صدامها ضد واشنطن، وقد كانت طرفا مشاركا وراعيا في اتفاقات موسكو وتل أبيب الضمنية، التي صارت احتمالات تداعيها واردة أكثر، خصوصا مع اصطفافات عالمية جديدة مواكبة لحرب أوكرانيا، قد تجعل موسكو راغبة أكثر بأخذ المصالح الإيرانية الحليفة في الحسبان السياسي والاستراتيجي.
في الوقت نفسه، تبدو أزمة الاتفاق النووي الإيراني ماضية إلى تعقيد مضاف، فقد توقفت مباحثات فيينا بالتواقت مع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بعد أن كانت القطوف دانية أوائل مارس/آذار 2022، وبعد أن كان الاتفاق شبه جاهز للتوقيع على تجديد العمل بما يسمى «الخطة الشاملة المشتركة»، التي جرى التوصل إليها عام 2015، وانسحبت منها واشنطن على عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018، الذي أعاد فرض العقوبات الثقيلة على طهران، وأضاف إليها تصنيفا «إرهابيا» للحرس الثوري الإيراني، طلبت طهران من إدارة بايدن إزالته كشرط لتجديد اتفاق التقييد النووي، وقدمت تسهيلات في التفاوض غير المباشر مع واشنطن، تقبل فيه إيران بالاقتصار على وضع «فيلق القدس»، وليس الحرس الثورى كله، في قائمة الإرهاب الأمريكية، لكن واشنطن بدت مترددة في قبول المقترح الإيراني، فروسيا دخلت على الخط نكاية في أمريكا، وطلبت التزاما خطيا من واشنطن، يستثنى علاقاتها التجارية والنووية مع طهران من دواعي العقوبات المستجدة على روسيا، وأبدت واشنطن قدرا من الليونة الاضطرارية تجاه مطلب موسكو، فروسيا طرف أساسي في الاتفاق النووي الإيراني والتزاماته العملية، ولا يمكن توقيع الاتفاق في غيابها، وطهران أعادت توثيق العلاقة مع موسكو، بعد تحفظ وضجر طارئ من محاولة روسيا وضع العصى في العجلات وإعاقة تجديد الاتفاق، الذي يضمن لإيران استعادة موارد مالية هائلة، وحرية في تصدير بترولها وانعاش وضعها الاقتصادي، لكن مشكلة طهران العارضة مع موسكو توارت، في ما تزايد إحباط إيران من الموقف الأمريكي، الذي تراكمت مشكلاته الداخلية، ومعها مخاوف بايدن من هزيمة مرجحة لحزبه في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس أوائل نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والتراجع المطرد لشعبية بايدن نفسه، على الرغم من مغالاته في دعم أوكرانيا بعشرات المليارات من الدولارات، ومحاولاته الظهور كصقر متصلب في مواجهة حرب بوتين، وهو ما لا يعارضه «الجمهوريون» المتأهبون لوراثة بايدن وحزبه «الديمقراطي»، لكنهم يوالون انتقاد بايدن بشراسة، ويعتبرون أن تجديد الاتفاق مع إيران كأنه عمل إرهابي، يعادي مصالح الحليف الإسرائيلي المقدس، الذي يواصل خططه وتحضيراته لضرب إيران عسكريا، وبدعوى التخوف من إنتاج إيران الوشيك لقنبلتها النووية، ويحاول جر واشنطن للمشاركة معه في حملة عسكرية على إيران، ويحظى بدعم عواصم عربية خليجية، سارع بعضها لتحالف علني مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، بعد التطبيع «الإبراهيمي»، وإن جاءت الرياح بما لا تشتهي سفنهم، وعادت القضية الفلسطينية إلى حضور باهر، مع توالي عمليات المقاومة، وبسالة المرابطين المدافعين عن «المسجد الأقصى» أولى القبلتين ومسرى النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
وقد بدت هذه التطورات المتسارعة لصالح إيران، ولصالح سياسة التيار المتشدد الحاكم في طهران اليوم، صحيح أن طهران محبطة لتأجيل التوقيع على تجديد الاتفاق النووي، لكنها قد لا ترى في ذلك خسارة أكيدة مستديمة، وعلاقاتها النامية مع موسكو وبكين تتيح قدرا من التعويض عن خسائر العقوبات الأمريكية، وربما يمكنها الانتظار حتى تستبين مصائر إدارة بايدن ومواقفها المتلعثمة، ويمكنها مواصلة تطوير برنامجها النووي بغير قيود، وهي تحاول خفض توتراتها المزمنة مع عواصم الخليج العربية، ومع السعودية بالذات، عبر «مفاوضات ظل» تجري في بغداد وفي غيرها، وعبر إطالة عمر الهدنة في حروب اليمن، مع توجيه البوصلة إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، وتصعيد حروب التحرش العسكري، وتهديد إسرائيل بدمار شامل، إن فكرت الأخيرة في الهجوم على منشآتها النووية، وبالاتفاق مع واشنطن أو من دونه، وكان لافتا للأنظار، أن طهران أرسلت لإسرائيل صورا أرضية حديثة لمخازن سلاح العدو النووية والبيولوجية والكيماوية، وكانت إسرائيل غيرت مواقعها خشية هجوم إيراني، وجرى الإرسال التحذيري عبر مخابرات دولة أوروبية، وبدا التحذير صادما للكيان، المهددة حكومته بسقوط وارد، لتلاشي أغلبيتها الحرجة في «الكنيست»، فيما تشعر إسرائيل كلها بتزايد الخطر على وجودها، وبالذات من طهران وجماعاتها الحليفة المسلحة شمالا وجنوبا، وبإنذارات حرب صريحة من حسن نصر الله زعيم «حزب الله» في لبنان، ومن يحيى السنوار قائد حركة «حماس» في غزة، وكان السنوار قد توقع نشوب ما سماها حربا «دينية إقليمية شاملة»، تتواجه فيها إيران مع الكيان الإسرائيلي، وبالأصالة وبالوكالة، وهي حرب تنتظرنا جميعا، حتى إن تلكأت مواعيدها، مع استمرار أغلب حكام العرب كالعادة في نومة أهل الكهف.
كاتب مصري


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)