كبش فداء وضحية القوانين.. مسلمو فرنسا ومشقة الذبح في عيد الأضحى

profile
  • clock 8 يوليو 2022, 8:08:25 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

باريس– يحرص إبراهيم، منذ استقراره في فرنسا قبل 20 عاما، على قضاء عيد الأضحى في بلدته التونسية الصغيرة غمراسن، للاحتفال بشعائر هذه المناسبة على أحسن وجه، برفقة أسرته الممتدة.

يقول إبراهيم (54 عاما) للجزيرة نت، والحسرة بادية على وجهه، "للأسف الشديد سأقضي عيد الأضحى هذا العام في باريس، وهي من المرات القلائل التي تجبرني ظروف العمل والعائلة على الاحتفال بهذه المناسبة الدينية في فرنسا".

ويضيف ابن مدينة تطاوين (جنوب شرقي تونس) أن الأعياد والمناسبات الدينية في فرنسا ليس لها طعم ولا رائحة، وخاصة عيد الأضحى الذي يرتبط مباشرة بشعيرة ذبح الأضحية، حيث لا يستطيع إقامتها في فرنسا، لأن القوانين تمنع الذبح وإقامة الشعائر الدينية كما يحب، ويتساءل إبراهيم حانقا "هل هذا معقول في دولة تدعي أنها دولة الحقوق والحريات؟"

ويتابع الكهل الخمسيني أنهم لا يملكون الحق -بوصفهم مواطنين فرنسيين مسلمين- أن يحتجوا على هذه القوانين "الجائرة" أو يطالبوا بممارسة شعائرهم الإسلامية، وأن كل من يفعل ذلك يعاقب بشدة ويتهم بالتطرف والإرهاب.

ويرى إبراهيم أن الفرنسي المسلم يشعر بالدونية والاحتقار مقارنة ببقية مكونات المجتمع، وأنه يشعر أنه يعيش في دولة لا تحترم عقيدته أو شعائره الدينية، مما يزيد تشبثه بهويته، حسب قوله.

A customer walks past a halal section in a Casino supermarket in Nice, France, January 16, 2017. REUTERS/Eric Gaillardصورة تعود إلى عام 2017 وتظهر فيها لحوم حلال تباع في سوبر ماركت بمدينة نيس الفرنسية (رويترز)

قوانين جائرة

ويعد إبراهيم وعائلته نموذجا مصغرا لنحو 5 ملايين مسلم يعيشون في فرنسا، حسب آخر أرقام رسمية صدرت عام 2018، تمنعهم القوانين من الذبح المباشر في بيوتهم أو الاحتفال بشعائر عيد الأضحى وفق الشريعة الإسلامية.

وترتبط هذه القوانين بما يعرف في فرنسا وأوروبا باللحم والذبح الحلال، وتتداخل في مكونات هذه القوانين وتطبيقها وتواترها وتصاعدها عدة ظروف سياسية واجتماعية وعقائدية وصحية وتجارية.

ويعود أول هذه القوانين إلى عام 1964، حين صدر مرسوم ينظم عملية ذبح الحيوانات المعدة للاستهلاك، فبحجة التخفيف من آلام الذبح ألزم المرسوم المسالخ الفرنسية باللجوء إلى تقنيات تُفقد المواشي وعيها قبل عملية الذبح، وكانت التقنية الأكثر شيوعا هي الصعق.

وفي عام 1980، صدر مرسوم آخر سمح بتجاوز تقنية الصعق إذا كان الهدف هو الالتزام بتعاليم دينية، كاللحم الحلال للمسلمين ولحم الـ"كوشر" لليهود.

ورغم كل هذه القوانين التي تغرق في تفاصيل الذبح، فإن الدولة كانت أكثر تسامحا في ما يخص الذبح الحلال، وحتى الاحتفال بشعائر عيد الأضحى حتى جاء قانون عام 2012 المعروف بقانون فرانسوا فيون رئيس الوزراء في عهد نيكولا ساركوزي (2007- 2012).

وكان فيون قد فجر آنذاك الجدل حين تحدث عن اللحوم التي تذبح على الطريقتين الإسلامية واليهودية، داعيا الديانات إلى "التفكير في تقاليد الذبح التي كان يطبقها الأسلاف" والتي لم تعد صالحة اليوم في دولة حديثة، حسب زعمه.

Protest in Paris over anti-Muslim draft lawالمسلمون يتظاهرون في باريس ضد الإسلاموفوبيا العام الماضي (الأناضول)

تزايد التضييقات

من ناحيته، يقول رئيس اتحاد المساجد والجمعيات الإسلامية في باريس محمد هنيش إنه قبل هذا القانون كانت عملية الذبح مجرد عملية تجارية روتينية بين مالك الخروف والمسلخ، أما بعد عام 2012، فدخل طرف ثالث في المعادلة وهو الدولة.

ويضيف أن الأمور تعقدت كثيرا، فالمسلخ لا يقبل الخرفان إلا بترخيص من الدولة، وهو مجبر على التبليغ عن عدد الخرفان التي تذبح بطريقة الحلال، ومن الذي يقوم بعملية الذبح وتفاصيل أشبه بعملية تجسس معقدة.

ويقول هنيش للجزيرة نت "عاما بعد عام، نرى تكاثر التضييقات على مسلمي فرنسا، خاصة في ما يخص شعائر عيد الأضحى والاحتفال بهذه المناسبة الدينية، ورغم أن قوانين الاتحاد الأوروبي تنص على ضرورة احترام شعائر المسلمين واليهود فيما يخص الذبح، فإن هذا لا يطبق في فرنسا".

ويؤكد هنيش أن هذه التضييقات القانونية أدت بالفعل إلى تخلي الكثير من مسلمي فرنسا عن هذه الشعيرة، ولم يعودوا يرون فيها "القيمة الدينية والشعيرة الجميلة".

وفي الاتجاه نفسه، لاحظ عبد اللطيف بيدار المختص بذبح الأضاحي والمراقب للحم الحلال في مسلخ بمدينة كون الفرنسية أن عيد الأضحى لا يمكن تذوق شعائره إلا في البلدان الإسلامية.

ويضيف الكهل الخمسيني ذو الأصول المغربية -للجزيرة نت- أنه بخلاف مناسبة عيد الأضحى، هناك تضييقات كبيرة على الذبح الحلال في فرنسا في سائر الأيام، متوقعا أن يحمل المستقبل تهديدات جدية لوقف الذبح الحلال.

ويقول بيدار إن مسلخا كبيرا في مدينة ليون كان يتعامل مع مسجد ليون الكبير وجمعيات إسلامية، وبعد الضغط الكبير عليه من قبل جمعيات الرفق بالحيوان والسلطات واليمين المتطرف، أوقف الذبح الحلال، مما دفع المسلمين ومحلات الجزارة والجمعيات للجوء إلى إسبانيا وبولندا ورومانيا وبريطانيا، لأن القوانين هناك أقل تعقيدا.

A halal certified stamp lies on a make-up table in Birminghamمتجر لبيع اللحوم المذبوحة بالشريعة الإسلامية في برمنغهام البريطانية (رويترز)

تراجع عدد المسالخ

ويلاحظ هنيش أن عدد المسالخ العادية أو الوقتية في تراجع مطرد في الأعوام الأخيرة، حيث كان عدد المسالخ الوقتية التي تخصصها الدولة للمسلمين عام 2019 تقريبا 39 مسلخا، وانخفض خلال الجائحة إلى 19 مسلخا، ثم زاد إلى 33 مسلخا.

ولكن منذ 10 سنوات، وقبل قانون حكومة فيون، كان عدد المسالخ الوقتية يفوق 100 مسلخ، وما زال العدد يتناقص نتيجة السياسة الممنهجة من السلطات الفرنسية للتضييق على المسلمين، حسب قوله.

ويضرب هنيش مثالا على ذلك بمنطقة سان دوني، التي تضم تقريبا حسب الإحصاءات الرسمية عام 2015 1.4 مليون ساكن، من ضمنهم 800 ألف مسلم، ولا يوجد فيها مسلخ واحد في سائر الأيام، والسبب هو خوف السلطات من أن تنعت هذه المدينة بأنها مسلمة.

ومن ناحيته، أشار رشيد مايزة -مساعد رئيس بلدية لاكورناف والمكلف بالديانات والحياة العامة- أن البلدية تعطي أهمية وقيمة كبرى للديانة الإسلامية والمسلمين، ولذلك خصصت لهم مسلخا وقتيا مجهزا بأجود التجهيزات على ذمتهم في العيد.

وأضاف -للجزيرة نت- أن تعداد لاكورناف يبلغ 43 ألف ساكن، ويوفرون لهم 12 مكانا للعبادة، في ما يمثل المسلمين أكثر من 30% منهم.

وفي ما يخص عدم وجود مسلخ طوال العام في لاكورناف وسان دوني، يقول مايزة إن الأمر يعود إلى مشكلة تنظيمية تخص المسلمين أنفسهم، مضيفا "أعتقد أن مسألة إرادة المسلمين والدفاع عن حقهم في وجود مسلخ دائم مهمة جدا. مشكلة التنظيم مهمة لأن الدولة ليست هي من تقرر وحدها".

وعن هجرة التجار والمجازر إلى دول أوروبية أخرى، شدد رشيد مايزة على أن المسألة ليست لها علاقة بالقوانين الفرنسية، وإنما تعود إلى القدرة التنافسية في بقية الدول الأوروبية كإسبانيا وبريطانيا والبرتغال، حيث تنخفض أسعار المواشي والخرفان والمسالخ هناك.

وبالمقابل، قال جمال سونا المسؤول على الذبح الحلال بمسلخ في شمال بريطانيا -للجزيرة نت- إن التجار يذهبون إلى بريطانيا وإسبانيا وبولندا والمجر وأيرلندا، لأن فرنسا تعتمد تضييقات قانونية، وأما في بريطانيا، فرغم المراقبة الحكومية لكن الإجراءات سهلة، كما أن لوبي التجار يضغط على الحكومة، لأن هناك فائدة اقتصادية كبيرة تعود على الفلاحين والمزارعين والتجار البريطانيين أو البرتغاليين أو البولنديين، حسب قوله.

ويضيف "في هذه الدول المسلخ مستعد للعمل أيام العطل، بينما في فرنسا أغلب المسالخ قررت ألا تعمل يوم السبت الموافق لعيد الأضحى هذا العام، والكثير من المسالخ الفرنسية لا تحبذ الذبح الحلال أصلا، ولا يعنيها هذه الطريقة، وهي مع الحكومة ضد الذبح الحلال".

المصدر : الجزيرة

التعليقات (0)