ماكرون: المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا ليست قريبة لكنها ضرورية في وقت ما

profile
  • clock 14 أكتوبر 2022, 7:00:29 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أكثر ما يلفت الانتباه في حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتلفز، ليل أمس، ليس تأكيده أن باريس سوف تقدّم، بالتعاون مع الدنمارك، ست منظومات إضافية من مدفعية «قيصر» التي أثبتت فعاليتها إلى القوات الأوكرانية لتنضم إلى 18 منظومة سبق أن وفرتها فرنسا، ولا إبداء استعداده للاستجابة لمطلب الرئيس الأوكراني لتزويد بلاده بمنظومات الدفاع الجوي بوجه الصواريخ الروسية التي تتساقط على أوكرانيا. المهم، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية في العاصمة الفرنسية، أن ماكرون عاد ليتحدث عن الحاجة لجمع الطرفين، الروسي والأوكراني، إلى طاولة المفاوضات، فيما المعارك على أشدها في جنوب أوكرانيا وشرقها، وفي المناطق الأربع التي ضمتها موسكو رسمياً، الأسبوع الماضي.

بدايةً، تجدر الإشارة إلى أن ماكرون سعى، منذ ما قبل بدء «العملية العسكرية الخاصة» الروسية، إلى الحصول من الرئيس الروسي على «ضمانات» بألا تقوم قواته باجتياح مناطق من أوكرانيا، وقد فشل في مهمته. وعمل لاحقاً للحصول على وقف إطلاق النار، والتوصل إلى تسوية بين الطرفين، وبقي على تواصل معه، رغم الانتقادات التي انصبَّت عليه، بما في ذلك من نظيره الأوكراني، خصوصاً بعدما دعا إلى «عدم إذلال» أو إهانة الرئيس الروسي، بمعنى ضرورة إبقاء باب للحوار وللدبلوماسية معه. و«الإنجاز» الوحيد الذي حققه حصل الشهر الماضي، من خلال إقناعه بقبول زيارة وفد من «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» لمحطة زابوريجيا النووية، التي تحتلها القوات الروسية، لتجنب حصول كارثة نووية يكون الجميع ضحاياها.

ويطلب ماكرون من بوتين «اليوم وقبل كل شيء أن يوقف الحرب ويحترم وحدة أراضي أوكرانيا، ويعود إلى طاولة المفاوضات». ويفسر لاحقاً ما يعنيه بـ«وحدة أراضي أوكرانيا»، بالتأكيد أن الهدف من أي مفاوضات واضح، ألا وهو «العودة إلى حدود عام 1991»، أي إلى الوضع الذي كانت عليه الحدود قبل ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم في 2014|، ومن ثمّ ضمّها مؤخراً أربع مناطق أوكرانية إضافية (خيرسون وزابوريجيا ودونيتسك ولوغانسك). ويسارع ماكرون إلى تأكيد أنه يعود للأوكرانيين، ولهم وحدهم، أن يقرروا متى يقبلون العودة إلى طاولة المفاوضات التي انقطعت، بعد أربع جولات حصلت في بداية الحرب في بيلاروسيا، ولاحقاً في تركيا. إلا أنه يسارع إلى القول: «السؤال هو ما إذا كانت أهداف الحرب لن تتحقق إلا بالوسائل العسكرية». وطريقة طرح السؤال تعني أن هذه «الأهداف»، بما فيها استعادة أوكرانيا لشبه جزيرة القرم التي يرى محللون غربيون أن لها وضعاً خاصاً يختلف عن وضع المناطق الأربع التي ضُمّت حديثاً، يمكن أن تتحقق بالوسائل العسكرية، ولكن أيضاً عن طريق المفاوضات.

وسبق لباريس أن أكدت أكثر من مرة أن الدعم العسكري لأوكرانيا هدفه مساعدتها على مقاومة الغزو الروسي، وتمكينها لاحقاً من الجلوس إلى طاولة المفاوضات من موقع قوي. وقناعة باريس بأن هذه الحرب لا يمكن أن تنتهي إلا بالمفاوضات، وكلما اقترب موعدها، كان ذلك أفضل للطرفين، وهو ما أشار إليه الرئيس ماكرون على طريقته بقوله: «إنّه في مرحلة ما سيكون من مصلحة أوكرانيا وروسيا العودة إلى طاولة المفاوضات والتفاوض». وأضاف: «سيكون ذلك ضرورياً. ولهذا السبب أرفض دائماً المواقف المتطرفة». والمقصود بـ«المتطرفة» الجهة التي ترفض التفاوض، في إشارة ضمنية إلى زيلينسكي الذي أعلن، الأسبوع الماضي، وبعد ضم روسيا المناطق الأربع، رفضه التفاوض مع بوتين، وانتظاره حلول رئيس آخر محله.

وأكد ماكرون الذي امتنع سابقاً عن وصف بوتين بـ«مجرم حرب» أنه عازم على الاستمرار في التواصل معه «كلما دعت الحاجة». بيد أن حديث ماكرون عن المفاوضات لا يعني أنها ستحصل غداً ولا «في الأسابيع المقبلة». ولذا وفي دعوة استباقية، حض الفرنسيين على الاستعداد «لتمضية الشتاء في سياق هذه الحرب». وعندما يحين موعد المفاوضات، فإن ماكرون يعتبر أن لفرنسا دوراً ستقوم به، وهو أن تؤدي، إلى جانب آخرين، «دور الجهات الضامنة»، وهو ما سبق أن اقترحه في بداية الحرب، وطالب به زيلينسكي. الثابت اليوم أن العديد من الأصوات تدعو إلى تفعيل العملية التفاوضية. فجون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، اعتبر في حديث لقناة «إي بي سي» الأميركية الأسبوع الماضي أنه «من الضروري أن يجلس الجانيان إلى طاولة المفاوضات، وأن يجدا طريقة للخروج من الأزمة بالسبل الدبلوماسية والسياسية». وبوتين جدد في 30 سبتمبر (أيلول)، دعوة أوكرانيا للتفاوض، والرئيس جو بايدن شخصياً لم يستبعد لقاء بوتين على هامش «قمة العشرين»، في بالي (إندونيسيا)، يومي 15 و16 الشهر المقبل، إذا حضرها الرئيس الروسي.

والرئيس التركي رجب طيب إردوغان يريد أن يكون وسيطاً، وتقول أوساطه إن لديه خطة لذلك. يُضاف لما سبق أن دولاً رئيسية، مثل الصين والهند وجنوب أفريقيا وباكستان، التي رفضت إدانة روسيا في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، لها تأثيرها على القرار الروسي، وما فتئت تدعو لوقف المعارك، وتحث الطرفين على المفاوضات. حقيقة الأمر أن الدعوة إلى التفاوض شيء، وحصوله والخروج بنتائج إيجابية منه شيء آخر.

ولو تم افتراض أن زيلينسكي تراجع عن رفضه التفاوض مع بوتين، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الأسس والشروط والأهداف التي ستقوم عليها العملية التفاوضية؟ فمن جهة، موسكو ضمت رسمياً، وبتصويت «مجلس الدوما»، وتوقيع بوتين، المناطق الأربع، وبالتالي يصح السؤال عن مدى استعدادها للتراجع عن كل ذلك، وحتى التخلي عن شبه جزيرة القرم التي ضُمت في عام 2014؟ ويعي الجميع أن أمراً كهذا يعني هزيمة بوتين واتهامه بخوض حرب فاشلة، وجعل روسيا دولة منبوذة فُرِضت عليها أقسى العقوبات الممكنة، كما يعي الجميع أن بوتين، رئيساً للدولة، سيكون مُهدَّداً، فهل سيقبل التضحية؟ وبالمقابل، فإن زيلينسكي يعتبر، كما أعلن أكثر من مرة، أنه قادر على الانتصار في هذه الحرب إذا استمر الغرب بمساعدته وبتزويده بالأسلحة التي يطلبها، وبالأموال التي يحتاج إليها؛ فهل سيقبل التوقف في منتصف الطريق؟

التعليقات (0)