محمد إبراهيم المدهون يكتب: محمد مقبل وداعا

profile
د. محمد إبراهيم المدهون كاتب ووزير فلسطيني سابق
  • clock 27 سبتمبر 2023, 1:20:34 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

اليوم نودع رجلا أريبا وعالما جليلا ومربيا خلوقا عاش وعمل بهدوء وصمت ورحل بهدوء كشخصه وكم من مجهول في الأرض معلوم في السماء (أحسبه منهم) تستقبله الملائكة بالترحاب لرجل نحسبه والله حسيبه من المقربين.

لاجئ استقر به الحال في معسكر الشاطئ حيث أمضى محمد مقبل حياته مكافحا في معسكر اشتهر بصناعة القادة والشهداء والعلماء ومفجر ثورات.

صاحب ذلك انطلاق الشيخ الياسين بدعوته من الشاطئ، مما منح المقبل غير المدبر فرصة إضافية كي يصاحب الانطلاقة الدعوية الراشدة من بواكير حياته، ومن ثم يكون جزءاً من هذه المسيرة المباركة بشكل غير معلن لطبيعته الهادئة ووظيفته.  

محمد مقبل ولد من رحم المعاناة الفلسطينية ومن مخيمات اللجوء انطلق في بيعته إلى الله تعالى حيث عمل بصمت مربيا ومنافحا وأيقونة لعلم الرياضيات موظفا قدراته في القراءة والتلخيص والشرح والإبداع في الدعوة متبحرا في علوم الإسلام ليبدو صاحب تخصص رغم عدم اختصاصه.  

تحرك المقبل رحمه الله كان ينطلق من فهمه أنّ الإسلام هو الرسالة الشاملة التي ينبغي أن تسود الحياة، هذه المنطلقات تمثل الأسس التي يقيم عليها المقبل معالم عمله في التحرك الهادئ الصامت كشخصه، كما عرفته في معايشته وتوجيهاته وكتاباته وشروحاته.

وتلك المنطلقات هي الأسس الصلبة التي يقيم عليها تصوراته للعمل الإسلامي مؤثراً في كل ذلك المصلحة العامة وملتصقاً بأهله ومعسكره ومسجده الغربي مربيا لجيل كامل وأعتز أنني صحبته من أبناء المسجد الغربي ومعسكر الشاطئ، واليوم أولاده الذين يواصلون رسالته في التميز والالتزام لتكون ذرية طيبة صالحة من خيار شباب فلسطين ولا نزكيهم على الله تعالى.

المقبل رحمه الله تعالى عُرف بين إخوانه بالهدوء ولم يٌعرف بالصخب، وعُرف ببعد النظر دون الالتفات للتهريج أو اللغط والخصومة، وعُرف بالتواضع وبساطة العيش، ولم يعُرف بالاستعـلاء رغم موقعه كقيمة وقامة تربوية تبوأ أعلى المناصب التربوية في قطاع التعليم في وكالة الغوث.

وعرفه أهله وإخوانه ومعسكره بصدق التوجه إلى الله وغرس البذور في حقل الله المثمر الذي تنبت السنبلة فيه سبع سنابل وأكثر. ومن هنا ظل الرجل الهادئ الصامت العابد الزاهد على شموخه لا يطأطئ الرأس، راسخ لا يتزعزع مثل رواسي الجبال.

المقبل عرفته غزة ومعسكر الشاطئ أستاذا دعوياً تربوياً، اجتماعيا، في جماعة الإخوان حريصاً على أهله وشعبه.

المقبل كان قدوة وأنموذج في حياته الزاخرة، فالمقبل المتواضع المعطاء الكريم الجواد النبيل الزاهد، عرفته مساجد وأسر وأزقة مخيم الشاطئ وقطاع غزة راعياً متفقداً وموجهاً، ومقدماً نموذجاً من عهد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين في العمل التعبدي والتربوي والاجتماعي والخيري والإغاثي.

وصاحب ذلك تواضع وتضحية وفداء، وكم كان المقبل باراً بأهله مراعياً لحقوق جيرانه متفقداً لحال إخوانه وتلاميذه.

محمد مقبل الإنسان تلمسه في قسمات وجهه وابتسامته المشرقة وسلوكه الأخلاقي الدمث، وتواضعه الشديد وحرصه على صلة الرحم، والتشاور والتنازل عن رأيه الشخصي لصالح رأي المجموع، علاوة على شغفه في القراءة وسعة اطلاعه، وأكثر ما يميزه القدرة على صياغة الملخص والفكرة وبلورتها في خارطة ذهنية قبل أن يعرف العالم الخرائط الذهنية، والقدرة على الحوار والإقناع، ساعده في ذلك حفظه أجزاء من كتاب الله تعالى ودراسة علم الرياضيات الذي كان أستاذه الأبرز. كما أنه سريع البديهة علاوة على تمتعه بذاكرة دقيقة وهدوء يْحسد عليه.

ليس غريباً أن يضفي الله من الهيبة على المقبل رحمه وهو الذي يعيش هموم شعبه وقضية أمته ويلتصق بجماهيره في تواضع جم وأخلاق عالية وتضحية كبيرة صامتة.
 

 رحم الله المقبل الذي انصهر ليضيء ملامح طريق العلم والتربية وبناء الإنسان الذي تتضح معالمه يوماً بعد يوم ليكون لبنة في جيل التغيير وسهم تربية لجيل التحرير ومعبدا لطريق العودة .

وإنا لله وإنا إليه راجعون
 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)