مرتزقة "فاغنر" في السودان تستنفر أميركا

profile
  • clock 9 مايو 2023, 12:03:57 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

النزاع العنيف على السلطة في السودان بين الجيش، بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، متجذر بعمق في السياسة الداخلية السودانية. ومع ذلك، فإنه فتح الباب للأطراف الدولية، خصوصاً روسيا، من خلال مرتزقة "فاغنر"، لزيادة التدخل في البلد.

ولفت الانتباه تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي في الأمم المتحدة، أخيراً، بقوله إن السلطات السودانية لها الحق في استخدام مجموعة "فاغنر"، وذلك في إطار رده على الاتهامات بمشاركة المرتزقة في معارك السودان. وبذلك لم يترك المسؤول الروسي أي مجال للشك في صحة المعلومات المتداولة حول هذا الأمر.

تشكل القارة الأفريقية مجالاً حيوياً لانتشار "فاغنر" وتوسيع نفوذها وتنمية قوتها العسكرية

ومع اشتعال الاشتباكات، في 15 إبريل/ نيسان الماضي، تحدثت وسائل إعلام ومصادر دولية أن قوات حميدتي تتلقى أسلحة ومساعدات تقنية من "فاغنر"، التي تربطها بها علاقات وثيقة ترقى إلى التحالف، وتعود إلى عدة أعوام.

وتم نشر قوات "فاغنر" في السودان، في ديسمبر/ كانون الأول 2017، لتقديم الدعم السياسي والعسكري للرئيس السوداني المخلوع عمر البشير. وجاء ذلك بعد مفاوضة البشير لموسكو على سلسلة من الصفقات الاقتصادية والأمنية، لبناء شراكة تضمنت خصوصاً مجموعة من امتيازات تعدين الذهب لشركة "أم انفست" المرتبطة بـ"فاغنر".

وذكرت وسائل إعلام روسية في وقت سابق أن مؤسس جماعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين شارك في جميع اللقاءات تقريباً بين المسؤولين الروس وممثلي السودان بين 2014 و2016. والملاحظ أن السودان، كان من أوائل الدول التي اعترفت بضم روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014. ومنذ ذلك الحين، أثبت الذهب أنه وسيلة فعّالة لتجميع الأموال وتحريكها، وتغذية خزينة الدولة الروسية، والالتفاف على أنظمة المراقبة المالية الدولية.

مصالح "فاغنر" في السودان

اهتمت "فاغنر" بمصالحها الاقتصادية في السودان، خصوصاً تعدين الذهب. وقامت ""Meroe Gold، وهي شركة تابعة إلى "أم انفست"، ببناء شبكة من عمليات التنقيب عن الذهب والتهريب في السودان. وقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية في عام 2020 حظراً على الشركة التي تستخرج الذهب من السودان، لارتباطها بـ"فاغنر"، ثم تبعها الاتحاد الأوروبي في وقت لاحق.

وتشير أوساط سودانية إلى أن إنتاج الذهب يتم منذ فترة طويلة تحت إشراف حميدتي، وتمتلك عائلته شركة تهريب خاصة نحو دبي. وبلغ الإنتاج العام الماضي نحو 100 طن، أي ما تعادل قيمته 5 مليارات دولار، لكن الدولة أعلنت عن إنتاجية تبلغ 18 طناً و637 كيلوغراماً فقط. ما يعني أن القسم المتبقي، وهو الجزء الأكبر، تم التصرف به بطرق غير مشروعة، وذهب إلى الشركات الأجنبية، وهي في أغلبها روسية.

وكان تقرير مشترك أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا وفريق من الاتحاد الأفريقي، في سبتمبر/ أيلول 2021 قد كشف فقدان السودان قرابة 267 طناً من الذهب خلال 7 سنوات (من 2013 إلى 2018) عن طريق التهريب، بمعدل 80 كيلوغراماً يومياً.

الذهب أساس تمويل "فاغنر"

وبالإضافة إلى تحقيق الأرباح، أدى الذهب الدور الأساسي في تمويل عمليات "فاغنر"، وساعد تهريبه في تخفيف وطأة العقوبات الدولية ضد روسيا، لا سيما في أعقاب غزو أوكرانيا في العام 2022. ولذلك تضاعف اهتمام روسيا الأساسي بالسودان من أجل الحفاظ على هذه العمليات والشبكات.

واستمرت أنشطة "فاغنر" في السودان حتى بعد انقلاب إبريل/نيسان 2019 الذي أطاح البشير من السلطة. وبدلاً من ربط نفسها بشكل لا ينفصم بالدولة، ظلت "فاغنر" قابلة للتكيف في ظل الحكومة الانتقالية، ثم دعمت الانقلاب العسكري في 2021، الذي أنتج حكومة أكثر اهتماماً بمواصلة تعزيز العلاقات مع روسيا.

وقد أدى النفوذ الروسي في السودان إلى الاتفاق أواخر 2020 على إنشاء قاعدة "فلامنغو" في بورتسودان على البحر الأحمر، تستضيف مركزاً لوجستياً بحرياً وموقعاً لإصلاح السفن، ويبلغ عدد العاملين فيها 300 فرد، وتسمح بتمركز أربع سفن بحرية، بما في ذلك التي تعمل بالطاقة النووية. إلا أن الحكومة الانتقالية السودانية جمدت في 2021 خطط إنشاء القاعدة، فيما يرجع ذلك جزئياً إلى الضغط الأميركي.

وبعد انقلاب 2021، ظلت الحكومة العسكرية مترددة في إحياء الصفقة. إلا أن زيارة حميدتي إلى موسكو، بين 23 فبراير/ شباط و3 مارس/ آذار 2022، في بدايات الهجوم الروسي على أوكرانيا، أسفرت عن تقديم تعهدات إلى الجانب الروسي بخصوص السير قدماً في تنفيذ بنود الاتفاقية. وساهمت زيارة لافروف للسودان في فبراير الماضي بتحريك المسألة من جديد.

ويعد التعاون العسكري بين موسكو والخرطوم مهماً بالنسبة للسودان. ووفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أخيراً، فإن روسيا هي المورد الرئيسي للأسلحة إلى السودان. وتشكل المعدات العسكرية الروسية نحو 87 في المائة من ترسانة الجيش السوداني. ونصت اتفاقية 2014، التي وقعها لافروف، لمدة 25 سنة، مع تمديد تلقائي لمدة 10 سنوات، على تزويد السودان بالأسلحة والمعدات العسكرية.

من الواضح أن واشنطن سوف تضع ثقلها إلى جانب البرهان لحسم الحرب ضد حميدتي

نتيجة الصراع المستمر على السلطة في السودان، ستؤثر على مستقبل مصالح القوى الكبرى في السودان وأفريقيا بشكل عام، وخاصة الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، التي تحاول حتى الآن ممارسة الحياد، بانتظار تبيان الموقف الميداني. وتعمل مجموعة "فاغنر" من أجل أن تميل الكفة لصالح روسيا في هذا النزاع، خاصة وأنها حاضرة أكثر من غيرها على الأرض، وتحتفظ بقدرات عسكرية وأمنية في السودان يمكن توظيفها لصالح قوات الدعم السريع.

ومن المرجح أن تستقدم "فاغنر" المزيد من الدعم اللوجستي من قواعدها في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو. وتشكل ليبيا أهم محطة دعم في قارة أفريقيا بفضل القواعد العسكرية التي تسيطر عليها في المناطق الواقعة تحت نفوذ اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

أهداف "فاغنر" في السودان

ويحقق وجود مجموعة مرتزقة "فاغنر" في السودان عدة أهداف. الأول، هو تحويل الانتباه عن الحرب الروسية في أوكرانيا، إذ منذ اندلاع النزاع السوداني اتجهت الأنظار إلى ما يحصل في الخرطوم، خاصة أن الحرب بدأت تتسبب بأزمات إنسانية، ومنها إجلاء الرعايا الأجانب.

والهدف الثاني هو تعزيز وجود "فاغنر" في أفريقيا. ومع أنها تقاتل على الجبهات الرئيسية في أوكرانيا، وتنتشر في 30 بلداً، إلا أن قارة أفريقيا باتت تشكل مجالاً حيوياً لانتشارها، وتوسيع نفوذها، وتنمية قوتها العسكرية.

والهدف الثالث هو الوجود على البحر الأحمر، بهدف دعم قواعدها في أفريقيا، وخاصة في ليبيا وأفريقيا الوسطى ومالي التي أصبحت ملاذاً أساسياً للمرتزقة الروس والبيلاروس، بالإضافة إلى سيطرتها على الذهب والنفط. أما الهدف الرابع، فهو توسيع النفوذ الروسي في أفريقيا على حساب الولايات المتحدة أولاً، والتحكم تدريجياً بعدد من المراكز المهمة على ساحل البحر الأحمر الحيوي بالنسبة للملاحة الدولية ومرور النفط من قناة السويس.

ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في 23 إبريل/ نيسان الماضي، وثائق استخباراتية سرية أميركية مسربة، تشير إلى أن مجموعة "فاغنر" تسعى إلى إنشاء "اتحاد كونفيدرالي" من الدول المعادية للغرب في أفريقيا، وأنه من أجل تحقيق هذا الهدف تعمل على إذكاء الصراعات، عبر استخدام الإمكانات شبه العسكرية، عطفاً على القدرات الخاصة بنشر معلومات كاذبة تقوي شوكة حلفاء موسكو في القارة.

تحرك أميركي لمواجهة "فاغنر"

أكثر ما يزعج واشنطن هو أمن البحر الأحمر، وبالتالي فإن وجود قاعدة روسية في بورتسودان يدفعها إلى التحرك من أجل قطع الطريق على ذلك، ولا سبيل أمامها إلا بإنهاء نفوذ "فاغنر" في السودان. وقد بدأت باستقدام قوات تدخل سريع وقوات خاصة إلى جيبوتي.

من الواضح أن واشنطن سوف تضع ثقلها إلى جانب البرهان لحسم الحرب ضد خصمه حميدتي، إلا أنه ليس هناك ضمانات لنجاح هذا المسعى بسرعة. وقد تجد أميركا نفسها متورطة في حرب أهلية، وهذا بعض مما تطمح له روسيا.

بدأت أميركا باستقدام قوات تدخل سريع وقوات خاصة إلى جيبوتي

النزاعات السودانية التي أهملها العالم طيلة الأعوام الخمسة الأخيرة، آخذة بالتفاقم والتشظي، وتنذر بتوليد سلسلة من الأزمات الخطيرة، أولها حرب أهلية داخلية واسعة، تهدد بتقسيم السودان، وثانيها تفجير سلسلة من المشاكل الإقليمية في محيطه الهش الحافل بالنزاعات النائمة والمؤجلة. وتشير التقديرات إلى أن عدوى الوضع السوداني لن تتأخر في الوصول إلى بلدان مجاورة، هذا بالإضافة إلى ما تشكله قضايا الحدود وتدفق اللاجئين، ما قد يهز استقرار بعض الدول.

وإذا صدقت التقديرات عن تحرك أميركي لإنهاء وجود قوات "فاغنر" في أفريقيا، فإن دائرة الحرب ستتوسع إلى أكثر من بلد أفريقي، وستستدعي تدخل أطراف إقليمية، مثل إسرائيل ومصر، وبلدان أوروبية.

صراع مع الصين أيضاً

وبالنسبة للولايات المتحدة، لا يقف الصراع مع روسيا في أفريقيا عند إنهاء نفوذ موسكو، بل يتعداه إلى النفوذ الصيني، الذي تمدد بقوة خلال العقد الأخير، ويهدد بتحويل أفريقيا إلى قاعدة اقتصادية صينية.

ويبدو أن الولايات المتحدة أخذت بالتحرك، بعد إجلاء الرعايا وإغلاق السفارة في الخرطوم، ما أثار أسئلة وتكهنات حول استعدادات تقوم بها واشنطن لمواجهة احتمالات تطور الوضع، بما في ذلك التدخل المباشر.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أخيراً، تحريك قطع من بحريتها قاصدة ميناء بورتسودان للتموضع فيه. كما أظهرت صور الأقمار الاصطناعية سرباً من طائرات "سي 17" في القاعدة الأميركية في جيبوتي.

كما تقوم واشنطن بنقل قوات خاصة من قواعد تستخدم في حالة الاحتياط والطوارئ، مثل "فورت بينينغ" في جورجيا و"فورت كامبل" في تينيسي، وهناك تحركات موازية من قواعد في ألمانيا وأفريقيا، باتجاه القاعدة الأميركية في جيبوتي.

 

التعليقات (0)