ميرال حسين تكتب: لماذا لا ينجح الساسة في ضبط ملكية السلاح داخل الولايات المتحدة؟

profile
  • clock 12 يونيو 2022, 4:10:09 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في الأسابيع القليلة الماضية، شهدت الولايات المتحدة سلسلة من عمليات إطلاق النار الجماعية؛ حيث قُتل 10 أشخاص في محل بقالة في بوفالو بنيويورك، وقتل 21 شخصاً في مدرسة ابتدائية في أوفالدي بتكساس، وأربعة بمستشفى في تولسا بأوكلاهوما، كما قُتل أربعة وأصيب 28 آخرون في سلسلة من عمليات إطلاق النار الجماعية في أنحاء الولايات المتحدة؛ لذلك تتمثل المُعضلة في أنه رغم تزايد وانتشار هذه العمليات، ورغم حالة الاستنفار، والجهود الرامية إلى الحد منها من خلال تمرير قوانين لتوسيع عمليات التحقق من خلفية حاملي الأسلحة، وتنفيذ نظام قانون العلم الأحمر الوطني، وحظر بيع البنادق الهجومية؛ فإن هذه الجهود لم تُؤْتِ ثمارها بعد؛ ما خلق تساؤلات حول أسباب ذلك الإخفاق.

عوائق رئيسية

 يستدعي إخفاق الساسة الأمريكيين في ضبط وتقييد ملكية السلاح في الولايات المتحدة عدداً من العوائق والمُعضِلات الرئيسية المتمثلة فيما يأتي:

1– حق امتلاك السلاح دستورياً: تاريخياً، يرعى الدستور الأمريكي امتلاك الجمهور العام للسلاح وحرية التصرف فيه، بل تم الترويج لذلك بأنه الميزة التي يتفوق بها الشعب الأمريكي على كل البلدان الباقية تقريباً. وبالفعل تم تعزيز هذه القناعة في العقل الجمعي للأمريكيين؛ لذلك تَوج هذا الفِكر، في إرساء ما يعرف بالتعديل الثاني للدستور الأمريكي، التسويةُ التي تم التوصل إليها في عام 1791، وجاء فيها: “لا يجوز انتهاك حق الأفراد في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها”.

2– دعم الحزب الجمهوري لامتلاك الأسلحة: تمثل قضية ضبط ملكية الأسلحة في الولايات المتحدة قضية خلافية وتنافسية على مر العصور بين الجمهوريين والديمقراطيين؛ فدائماً ما يستخدم الجمهوريون هذه القضية لأغراض انتخابية لاستقطاب مزيد من الناخبين، سواء للاحتفاظ أو إعادة السيطرة على أجهزة الدولة على حساب الديمقراطيين، وهو ما يعرقل أي جهود تشريعية لوضع قيود على حيازة الأسلحة.

إذ يحمل الجمهوريون لواء الدفاع عن وضع أي قيود على امتلاك وشراء الأسلحة، وهو الأمر الذي تبلور في تضافر جهود التيار الجمهوري مع رغبات قطاعات صناعة الأسلحة على مر التاريخ، وهي الجهود التي كان آخرها مشاركة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في مايو 2022، في مؤتمر الجمعية الوطنية للبنادق (أكبر لوبي للأسلحة في البلاد) الذي دعمه بعشرات الملايين من الدولارات خلال حملتيه للرئاسة؛ حيث عُقد المؤتمر بمدينة هيوستن بولاية تكساس التي شهدت مجزرة في مدرسة روب الابتدائية ببلدة يوفالدي. وقد هاجم ترامب دعوات التشدد في قوانين اقتناء الأسلحة، معتبراً أن “وجود الشر في عالمنا ليس سبباً لنزع سلاح المواطنين الملتزمين بالقانون؛ إنما هو واحد من أهم أسباب تسليحهم”، بل وصف الجهود المبذولة للسيطرة على اقتناء السلاح بأنه “أمر الغريب”.

3– معضلة التركيبة الراهنة للكونجرس الأمريكي: ربما تشكل التركيبة الراهنة للكونجرس الأمريكي قيداً على إمكانية استصدار تشريع يضبط ملكية السلاح. وقد تجلت هذه الإشكالية مؤخراً مع مطالبة الرئيس الأمريكي جو بايدن، النواب الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي بأن يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية في قضية ضبط السلاح في الولايات المتحدة، وهو ما يؤكد أن الرئيس “بايدن” غير قادر على إصدار قرارات رئاسية لحظر أو تقنين امتلاك الأسلحة دون دعم الجمهوريين، خاصةً أن تركيبة الكونجرس الأمريكي الحالية تجعله غير قادر على إصدار مثل هذا التشريع الذي يتطلب موافقة 60 عضواً على الأقل في مجلس الشيوخ، وهو أمر يصعب تحقيقه؛ لأن المجلس مُنقسم بالتساوي بين الديمقراطيين والجمهوريين (50 عضواً لكل حزب).

وفي هذا السياق، يحتاج الديمقراطيون إلى ضمان الأعضاء الموالين لهم داخل المجلس، بالإضافة إلى حشد دعم عشرة أعضاء من الجمهوريين على الأقل، وهو أمر لن يتحقق؛ ليس بسب موقف الجمهوريين التقليدي فقط في هذه القضية، بل أيضاً للاعتبارات الانتخابية، خاصةً مع قرب معركة التجديد النصفي للكونجرس، وخشية النواب من خسارة قاعدتهم الانتخابية، وكذلك دعم لوبي الأسلحة إذا أقروا تشريعات لتقنين استخدام الأسلحة.

4– حملات الضغط والدعاية من تُجار الأسلحة: فدائماً ما تصطدم جهود المشرعين الأمريكيين بالحملات الشديدة التي تشنها شركات الأسلحة دفاعاً عن حق حمل السلاح؛ أبرزها “الجمعية الوطنية للبنادق” التي تضم خمسة ملايين عضو، و”الرابطة الوطنية للأسلحة”. وغالباً ما تنجح هذه الحملات حتى في منع فرض قيود تحد من استخدام السلاح ولو بدون حظره. ولم يبقَ سوى حظر على بيع الأسلحة النارية بالمراسلة. وحتى هذا الحظر يمكن الالتفاف عليه بكل سهولة.

وقد أنفقت “الرابطة الوطنية للأسلحة” وحدها في عام 2020 نحو 250 مليون دولار، كما تنفق الرابطة رسمياً نحو 3 ملايين دولار سنوياً للتأثير على سياسة الأسلحة؛ حيث وصل المبلغ المسجل الذي تم إنفاقه على ممارسة الضغط في عام 2014 نحو 3.3 مليون دولار. ومع ذلك، تعبر هذه الإحصاءات عن المساهمات المسجلة للمشرعين فقط؛ إذ يتم إنفاق مبالغ كبيرة في أماكن أخرى من خلال لجان العمل السياسي والمساهمات المستقلة، وهي الأموال التي يصعب تتبعها، ناهيك عن تمتع هذه الكيانات بنفوذ غير مباشر كبير من خلال المشاركة السياسية لأعضائها؛ حيث يصوت العديد منهم، بطريقة أو بأخرى، في كل ما يتعلق بهذه القضية وحدها، بل يصل الأمر إلى تصنيف هذه الكيانات أعضاء الكونجرس الأمريكي علناً بناءً على مواقفهم من مسألة امتلاك السلاح. ويمكن أن تؤثر هذه التصنيفات على نحو خطير على استطلاعات الرأي التي قد تُكلف المرشحين المؤيدين لفرض رقابة على السلاح خسارة مقاعدهم.

كذلك لعبت الحملات التسويقية والترويجية للقائمين على قطاع صناعة الأسلحة دوراً في عرقلة الجهود التشريعية على المستوى الشعبي؛ حيث تم ربط الصورة الذهنية للمكانة الاجتماعية الأفضل بمن يحملون الأسلحة النارية، كما ركزت الجمعية الوطنية للبنادق والشركات المُصنَّعة على ضرورة امتلاك الأسلحة للدفاع عن النفس وسيلةً للتسويق. وفي الوقت نفسه، بدأ بث إعلانات تُصوِّر تزايد أعمال شغب وعمليات السرقة. ومن هنا، باتت الأسلحة أداة بالغة الأهمية لتحديد الهوية؛ ليس الاجتماعية فقط، بل الأمنية والثقافية والسياسية أيضاً؛ لذلك يرى الخبراء أن سلسة المجازر الأخيرة نتاج نموذج صناعي مصمم للاستفادة من تأجيج الكراهية والخوف ونظريات المؤامرة.

5– عدوى امتلاك السلاح والأمن الشخصي: هناك تيار سائد في الولايات المتحدة الآن يرى أن عدم نجاح جهود الساسة الأمريكان يرجع إلى الثقافة التاريخية وعلاقة الاقتران بين إرث حرب الاستقلال والقناعة المتزايدة لدى الرأي العام الأمريكي بأن عليهم امتلاك أسلحة للحفاظ على سلامتهم، وهي قناعة تأصَّلت على مر العصور من خلال اللعب على وتر العنصرية والخوف من انعدام الاستقرار، ووصفها البعض بـ”عدوى امتلاك السلاح”.

لقد أفضى تزايد عمليات القتل الجماعي، وعدم قدرة الشرطة الأمريكية على التصدي لها، إلى تدافع الأفراد نحو امتلاك المزيد من الأسلحة للدفاع عن أنفسهم، في ظل غياب الثقة بسلطات الأمن، بالإضافة إلى سهولة شراء الأسلحة. وبالفعل كشفت “الدراسة الاستقصائية للأسلحة الخفيفة” في يونيو 2018 أن الأمريكيين كانوا يملكون نحو 45% من الأسلحة النارية المدنية المنتشرة في العالم في أواخر 2017، مع أنهم لا يمثلون سوى نحو 4% من سكانه، كما أن دراسة أخرى تكشف عن انتشار أكثر من 400 مليون قطعة سلاح في المجتمع الأمريكي، وامتلاك أكثر من 120 مليون أمريكي أسلحة بطريق قانوني، بالإضافة إلى انتشار الأسلحة غير المرخصة وغير المسجلة قانوناً.

وفي السياق نفسه، تم توظيف قوة الأداة السنيمائية الأمريكية للربط بين القوة والحفاظ على الأمن بامتلاك الأسلحة؛ وذلك بتصوير روَّاد الغرب الأمريكي يواجهون بيئة طبيعية معادية، ويحاربون قُطَّاع الطرق والخارجين عن القانون ببنادقهم، وكذلك خوض أبطال أفلام الويسترن مغامراتهم بسلاحهم لتعزيز هذه الصورة.

تحولات الرأي العام

بالرغم من تعددية القيود التي تعرقل سياسات ضبط ملكية السلاح في الولايات المتحدة، هناك عدد من التطورات المُحفِّزة التي يجب على صانعي القرار توظيفها جيداً للتعامل مع الأسباب والتحديات السالفة الذكر للوصول إلى تشريعات تساهم في حظر أو تقنين امتلاك الأسلحة داخل الولايات المتحدة؛ أبرزها الغضب الجماهيري، والتأييد غير المسبوق من الرأي العام للحد من عنف السلاح.

فوفقًا لاستطلاع جديد أجرته ABC / Ipsos، أُجري في الفترة من 3 إلى 4 يونيو 2022، بإجمالي 542 مستجيباً، فإن 70% من الأمريكيين يؤيدون إعطاء الأولوية للتشريعات الجديدة التي تقلل عنف السلاح والحد من حيازته على حساب التي تعمل على حماية حقوق حامليه، بارتفاع من 66% في مارس 2021، مقابل 29% يرون أن حقوق السلاح يجب أن تكون ذات أولوية أعلى من الحد من عنف السلاح في البلاد بانخفاض من 43% في مارس 2021، كما قال 90% من الديمقراطيين إن على المشرعين إعطاء الأولوية للقوانين التي تركز على الحد من عنف السلاح، في حين قال 75% من المستقلين الشيء نفسه. ومع ذلك، قال 56% من الجمهوريين المشاركين في الاستطلاع إن حماية حقوق أصحاب الأسلحة النارية أولوية أعلى.

أما وفقًا لاستطلاع جديد لشبكة “سي بي إس”، أُجري بعد نحو أسبوعين من فتح مسلح النار داخل مدرسة ابتدائية في تكساس، 24 مايو 2022؛ ما أسفر عن مقتل 19 طفلاً وشخصين بالغين، فقد ذكر نحو 72% من الآباء الأمريكيين الذين لديهم أطفال في سن المدرسة أنهم “قلقون للغاية” أو “قلقون إلى حد ما” بشأن العنف المسلح في المدارس. فيما يدعم نحو 81% من الآباء الأمريكيين الذين لديهم أطفال في سن المدرسة، عمليات التحقق من الخلفية لجميع المشترين، في حين يدعم 72% نظام قانون العلم الأحمر الوطني، ويؤيد 62% حظر البندقية شبه الآلية AR–15. وكذلك قال 72% إنه يمكن “منع عنف السلاح إذا حاولت الولايات المتحدة”، مقارنةً بـ 28% قالوا إنه “للأسف شيء يجب على الأمريكيين قبوله بوصفه جزءاً من مجتمع حُر”.

وإجمالًا لما سبق، تظل قضية ضبط ملكية السلاح في الولايات المتحدة مُعضلة يصعب حلها جذرياً؛ بسبب العديد من التحديات التي تعرقل جهود المشرعين والسياسيين. ومن ثم فإن أي حلول قانونية أو أمنية تأمل تقنين وضبط الظاهرة دون معالجتها جذرياً، هي حلول جزئية ووقتية ولا تساهم في حل المعضلة؛ حيث يتطلب الأمر مواجهة شاملة ومتزامنة على كافة المستويات؛ أمنية واستباقية ومجتمعية وثقافية وإعلامية وقانونية؛ لأنه بدون ذلك ستستمر معدلات عمليات إطلاق النار الجماعية في التصاعد دون رادع قوي لاقتلاع جذورها.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)